إعلان

"زمن الاعتذار".. ماذا تستفيد الشعوب النامية من أسف الدول الكبرى؟

10:25 ص السبت 23 نوفمبر 2019

زمن الاعتذار

كتب- محمد عاطف:

"تبادر بعض الدول الاستعمارية بتقديم اعتذارات للشعوب والدول التي سيطرت عليها وارتكبت جرائم عدة بحقها من تجارة رقيق، وتهجير إجباري، وإبادة جماعية، واغتيال زعماء".. بهذه الكلمات بدأ الكتاب الذي صدر مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة، تحت عنوان "زمن الاعتذار.. مواجهة الماضي الاستعماري بشجاعة" من تأليف مارك جيبني، رودا إ. هوارد - هاسمان، جين كوايكود، نيكولاس شتاين، وترجمة كل من عاطف معتمد، عزت زيان، عمر عبدالفتاح، نادية عبدالفتاح، في محاولة لإيجاد تفسير لتزايد ظاهرة الاعتذارات الدولية.

الكتاب يأتي في خمسة أجزاء، حمل الأول عنوان القانون والأخلاق والأخلاق الكامنة وراء الاعتذار، فيما جاء الجزء الثاني بعنوان الاعتذار على المستوى المحلي، وحمل الفصل الثالث عنوان الاعتذار على المستوى الدولي، أما الرابع فحمل عنوان اعتذارات فاعلين من خارج مؤسسات الدولة، وجاء الفصل الأخير مقتضبًا تحت عنوان الحرب على الإرهاب.

يقع الكتاب في 20 فصلًا، ويناقش قضية اعتذار الدول الاستعمارية للشعوب، ويطرح العلاقة بين الجاني والضحية، قبل وأثناء "زمن الاعتذار"، ويحاول أن يقدم إجابات لعدة أسئلة شائكة حول أهمية الاعتذار وفائدته وهل من حق الشعوب قبول الاعتذار أم لا.

يؤكد الكتاب أن مسألة الاعتراف بالأضرار التي يمكن التسبب في وقوعها لم يحظ بالاهتمام في الشئون الدولية، لأن التفكير الذي كان سائدًا يتمثل في أن الأقوياء يفعلون ما يريدون، لأنهم يملكون القوة لفعله والضعفاء يقبلون ما يجب أن يقبلوه.

ويشير الكتاب، إلى أن ظاهرة الاعتذارات تزايدت بشكل كبير على المستوى الدولي منذ عام 1995، مع وجود تغيرات في الفكر الديني والعلماني حول العلاقات بين الضعفاء والأقوياء منذ الحرب العالمية الثانية، سواء في الغرب أو في العالم.

يناقش الكتاب العديد من الاعتذارات التي قدمت من قبل دول الغرب، سواء لمواطنيها أو للآخرين خارج الحدود، وقد يعتقد البعض أن ثقافة الاعتذار تبشر بعصر جديد من العلاقات الدولية، حيث يدرك الجناة السابقون خطورة جرائمهم، ويحاولون تعويض ضحاياهم، ويعد هذا الأمل واحدا من أسس لجنة الحقيقة والمصالحة التي تمت في جنوب إفريقيا.

فيما يرصد الكتاب تيارًا آخر يشكك في سياسة الاعتذارات، هل هي حقيقية أم أنها حسابات مصالح وفرصة للجناة للتطهر منها والإفلات من العقاب؟، وإغلاق ملفات الجرائم التي ارتكبوها، عن طريق افتعال الحزن وإظهار الندم حتى يتم العفو عنهم بدلًا من محاكمتهم، مثلما اعتذر بيل كلينتون للصين عن تفجير الناتو للسفارة الصينية في بلجراد خلال هجماته على كوسوفو عام 1999.

وركز الكتاب في الفصل التاسع عشر على الانتهاكات الأمريكية في سجن أبوغريب، حيث قدمت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورح بوش اعتذارات متكررة عما حدث، وأكد كولن باول وزير الخارجية الأمريكي على صدمتة بوش مما حدث، وذلك خلال لقاء مع القادة العرب في الأردن عام 2004.

يشير الكتاب في هذا الفصل إلى مفارقة ذات دلالة بين الاعتذارات الأمريكية المتتالية على مأساة أبوغريب، وبين التجاهل التام للمعاناة التي سببها النظام الأمريكي في أفغانستان، باستثناء غارة أمريكية وقعت عام 2002 ونتج عنها مصرع 40 مدنيًا وإصابة 100 آخرين في حفل زفاف، وهو الحادث الذي حاز اهتمامًا عالميًا أجبر بوش على الاعتذار في اتصال هاتفي مع حامد كرازي، رئيس الوزراء الأفغاني وقتها، ومن ثم تعويض الضحايا.

ويرى الكتاب أن الاعتذار أصبح مقبولًا شكلًا، وأدى إلى إعادة صياغة الفهم التاريخي، وعلى جانب آخر فإن الدول ذات النفوذ استخدمت الاعتذار كأداة للاعتراف بحقائق معينة، ثبت فيما بعد أنها طريقة مفيدة لتجاهل حقائق أخرى أكبر بكثير.

كل ما سبق يفتح سجالًا من الأسئلة التي لا تنتهي، وإلا فماذا يعني الاعتذار وماذا يفيد؟ هل هو دليل على نظام عالمي جديد يحتل فيه القانون الدولي مكانة مهمة؟ أم أنه مجرد طريق تمارس الدول الاستعمارية من خلاله المزيد من الهيمنة على الدول الأضعف؟.

وهل للدول المتضررة الحق في قبول الاعتذار أو رفضه؟ وهو ما يقودنا إلى التساؤل حول شروط الاعتذار ومعاييره وغيرها من القضايا ذات الصلة التي لم يحسمها هذا الكتاب بشكل قاطع لأن هناك أكثر من منظور سياسي واجتماعي وتاريخي وديني وإنساني حول العلاقة بين الجاني والضحية قبل وأثناء "زمن الاعتذار".​

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان