«منع وترشيد».. كيف تأثرت المطاعم والمحال والبيوت بارتفاع أسعار الليمون؟
كتب وتصوير- عبدالله عويس:
انعقد لسان سيد فاروق، وبدت على وجهه علامات الدهشة، حين أخبره البائع أن عليه دفع 6 جنيهات، ثمن لمونتين فقط، اشتراهما مضطرا لإعداد كوب عصير لأحد زبائن قهوته الدائمين، غير أن ما حدث دفع الرجل لمنع ذلك العصير مطلقا طيلة فترة ارتفاع سعر الليمون، الذي وصل في بعض المناطق إلى 100 جنيه. قرار صاحب المقهى كان مشابها لقرارات أخرى في بعض المحال والمطاعم والبيوت، التي تضطر لاستخدام الليمون، كان لارتفاع سعره أثر عليها جميعا.
بعد ارتفاع أسعار الليمون، لم يعد يقدم سيد في المقهى، عصير الليمون، ولم تعد الزبائن تطلبه لمعرفتها بأسعاره، غير أن أحد زبائن المقهى المميزين طلب كوبا منه، فخرج الرجل لشراء لمونتين فحسب لإعداد ذلك الكوب، ودفع في مقابلهما 6 جنيهات، وكان ثمن الكوب 10 جنيهات بعدما كان بـ7 فقط: «ولولا إن ده زبوني كنت بعته بـ15 جنيه، لأن في سكر وفي خلاط وكهرباء، وفي تلج بجيبه عشان الحاجة تبقى ساقعة، وفي فواتير وصنايعية، وعشان كده مانع الليمون عندي».
منذ 10 سنوات وسيد يعمل في المقهى. يعتبر كوب عصير الليمون في الصيف أساسيا، لكن ارتفاع سعره تدريجيا من بعد شم النسيم دفعه للتوقف عن بيعه، بعدما أصبح أمام خيارين، أولهما بيعه بثمن بسيط وذلك يعني خسارته، أو بثمن مرتفع وهو ما قد يدفع الزبائن للإعراض عنه، ما يعني تلف الليمون بعد فترة: «عشان الليمون ميستحملش يقعد فترة طويلة، فهبقى خسرته أنا».
يتذكر الرجل الجملة الشهيرة «العدد في الليمون» التي تستخدم للدلالة على الكثرة العددية، ثم يحولها بطريقته الخاصة: «العدد مبقاش في الليمون خلاص، اللي بياخد بيبقى على القد أو منع خالص».
داخل أحد محال العصائر، كان محسن علي يضع كومة من الليمون داخل كيس شفاف، وضعه على مرأى من زائري محله، يبتسم الشاب حين يتحدث عن ذلك المشروب البارد: «كان بيقولك اشرب ليمون وهدي أعصابك، دلوقتي سيب أعصابك دي مش لازم تهدى» قالها بينما يقطع بعضا منها تمهيدا لعصرها، ويبيع الكوب بـ10 جنيهات بعدما كان بـ6 فقط، وبدلا من شراء شيكارة ليمون صار يشتري بالكيلو: «عشان زبونه دلوقتي قليل، ومش عايز أخسر تمنه».
داخل مطعم في الدقي، كان أحد اليمنيين يسأل عامل النظافة عن الليمون، الذي يوضع بالقرب من الأحواض لغسل الأيدي بعد تناول الوجبات، لكن العامل أخبره ساخرا: «إنت لو حد شافك بتغسل إيدك بليمون دلوقتي ممكن يتخانق معاك.. الكيلو بقى بـ80 جنيه». كانت عادة المطعم ترك بعض الليمون للزبائن لعصره على أياديهم عقب تناول الطعام، ثم غسلها بعد ذلك، لكن تلك العادة اختفت عقب ارتفاع الأسعار، حتى أن كمية الليمون بطبق السلطة صارت أقل.
تبلغ عدد الأفدنة المزروعة بالليمون 40 ألف فدان في مصر، وهي مساحة قليلة بالمقارنة مع مساحة الموالح الأخرى، ولا تتعدى أشجار الليمون 10% من نسبة مساحة الموالح، وفقا لبيان أصدره حسين عبدالرحمن أبو صدام، نقيب الفلاحين.
على عربات الفول، كانت أطباق السلطة تتزين دوما بوجود ليمونة وسط الأصناف، إما ليعصرها الشخص على الفول أو السلطة، بحسب رغبته، غير أن تلك الليمونة اختفت بعد زيادة السعر، وصار محمود حسين يكتفي بعصر الليمون على الفول قبل أن يجهزه للساندوتشات لديه: «أصل هتبقى غرامة كبيرة عليا ومش هستحملها». يحكي الرجل، الذي تابع انخفاض الليمون قليلا، فبعدما كان بـ80 جنيها صار بـ70 ووصل مؤخرا إلى 60 في أماكن أخرى: «ومش هرجع الليمون إلا لما يرخص تاني، لكن لو زبون غالي عندي هديله بس مش وأنا مبسوط».
يبيع محمد عباس الخضروات منذ سنوات، كعمل ورثه عن أسرته، يتذكر حين كانت أسعار الليمون ترتفع بشكل كبير فتصل إلى 30 جنيها أو حتى 40، لكنها هذه المرة قفزت إلى 90 وبدأت في التراجع، ما أثر بشكل كبير على مبيعات الشاب الذي يملك محلًا في الدقي: «أنا بجيبه من العبور وجملته 55 جنيه، بحسب بقى المشال والنقل والإيجار والشنط وببيعه على 80» يحكي الشاب الذي تغضبه عبارات المارة وأسئلتهم أحيانا دون شراء، وتعليقاتهم التي تصب الغضب وتحمله وبقية التجار مسؤولية تلك الزيادة: «بس إحنا ملناش دعوة، هي الأسعار بتيجي من السوق زيادة فبنزود غصب عننا».
اختفت من محل محمد تلك المجموعات الصغيرة من الليمون، التي كان يجهزها داخل شبك، ويبيع الواحدة التي تشمل على أعداد قليلة من الليمون بـ5 جنيهات أو حتى 10، ويرى اختفائها منطقيا: «لو هعمل شبكة بـ5 جنيه هحط فيها كام لمونة يعني، فعشان كده مبعملش واللي كان بيشتري كيلو بقى يشتري نص، واللي كان بيجيب ربع بقى يجيب تمن وهكذا».
ليمونة واحدة على طبق السلطة، وأحيانا اثنتان، إذا كانت طلبات الزبون داخل المطعم الذي يديره محمد حسين كبيرة، ولا يعطي الرجل واحدة زيادة للزبون، إلا وهو مستاء من الأمر: «لأننا بنقدم السلطات والليمون كخدمة، مش بنحاسب عليهم، وبشتري بنفسي من العبور عشان أستفيد من الفرق بين الجملة والقطاعي».
يشتري الرجل أرخص ما يجد في السوق، ويبدأ سعر الجملة من 40 جنيها وصولا لـ60 وفي الأيام العادية قبل ارتفاع سعر الليمون كان الرجل يشتري 30 كيلو يستخدمها ثم يشتري من جديد، لكنه هذه الفترة يكتفي بـ15 كيلوجراما فحسب.
انخفضت أسعار الليمون قليلا، ووصلت إلى 50 جنيها في بعض الأماكن، وكان «علي السيد» يبيع بذلك السعر، ورغم ذلك، فإن الإقبال على الليمون لم يكن كبيرا، وحين اقتربت منه سيدة اعتادت شراء نصف كيلو، لم تطلب سوى ربع كيلو فقط: «لما حاجة بتزيد الناس مبتستغناش عنها لكن بتقلل كميتها».
فيديو قد يعجبك: