إعلان

بالصور.. مصراوي داخل أفقر قرية مصرية في أولى ساعات الانتخاب

01:52 م الإثنين 26 مايو 2014

كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:
على صخرة موجودة فوق المِسقى الجاف الذي ترتوي منه أراضي القرية، بين صفين من المنازل، متشابه روحها، انكبت ''صفاء'' ذات الأربعة أعوام ترسم بقلم في يدها اليسرى نقاط على صفحة الكتاب المدرسي، ليست مثل كثير من الصغار، لا يهدأ نشاطها، ولا تتقافز في مرح؛ فخلاف جميع المبتسمين، يأتي انفراج ثغرها على مضض بإرهاق يخفي أسنانها، كأنما نقش السكون والبيوت ملامحه على وجهها، طوب لِبِن قديم بُنيت به المنازل، أبواب مرتفعة، ألوان باهتة، هدوء يُشبه سمت ''المقابر''، يُعزز ذلك مظاهر الحياة بقرية ''بهنموه'' في محافظة بني سويف، كأن ثورة لم تقم، وجوه برلمانية ورئاسية لم ير آل القرية اهتمامهم، فآثروا عدم الانتظار، ولم يعن معظمهم انتخابات الرئاسة التي تأتي نتيجتها بعد ساعات.

''الكل مُتعب''
الكُل هناك مُتعب، حتى أولئك الذين ناغشهم الحُلم وهم صغار أن تهتم بهم السُلطة؛ فسطروه في خطاب فُقد مع الزمن، بورقة كشكول مدرسي كتب ''خليفة خليل'' غاضبًا رسالة إلى ''سوزان مبارك''، حينما شاهدها على التليفزيون تفتتح المكتبات للأطفال، اكتشف ابن العشرة أعوام الحقيقة، طفل القرية لا يخرج عن دائرة اهتمام الشاشة، ''مكنتش عارف أبعت الجوابات إزاي'' أوراق ظل يخفيها حياءً من أن يراها أحد حتى كَبُر الطفل، فلا رسالة وصلت ولا صوت خرج عن حدود أفقر قرية بمصر، وفقًا لصندوق التنمية الاجتماعية والأمم المتحدة.

ثلاثة آلاف يسكنون ''بهنموه''، لا معرفة دقيقة لهذا الاسم الفرعوني الذي أطلق على القرية بعد أن كانت تسمى بـ''زين الدين''، أولى العائلات التي سكنت الأرض ''يجي من 200 سنة''، على حد قول ''خليل زين الدين''، وانضم إليها 8 عائلات أخرى، من الطوب اللبن وجريد النخل والخوص كان أساس البيوت التي لم يزد عليها الحال سوى بطوب حجري وأخشاب يصنع منها الأثاث.

لا صرف صحى بالبيت، والمياه حال أغلب بيوت القرية تدخل بعد قيام الاتحاد الأوروبي وبعض أهل الخير بتوصيل مواسير عمومية للمكان، ليتولى سكان البيوت استكمال تركيب المواسير الداخلية لمساكنهم، ورغم ذلك تأتي إيصالات لدفع المياه له.

الصحة في الحضيض
 يتفشى بالقرية أمراض التهاب الكبد الوبائي والفشل الكلوي ومعظم الأطفال مصابون بسوء التغذية وفقر الدم على حد قول ''علي حسن'' الطبيب الممارس بالوحدة الصحية في القرية.

اتشحت ملابسها بالسواد، قبالة زوجها الذي جاوز السبعين حكت عن مرضها، علمت عنه منذ خمس سنوات، عندما جاء للقرية قافلة طبية ''قالوا لي إن عندي الفيروس''، التهاب الكبد الوبائي كان ما تقصده ''سيدة محمد'' الستينية، بالإضافة لمرضي الضغط والسكر ''دول معروفين من زمان''، منذ الاكتشاف تتداوى بعلاج يصل إلى 200 جنيه في الشهر الواحد ''ربنا بيدبرها من عنده''، الزوج ''محمد عبد الحميد''، يتكأ على عكازه دون كلام، يعتمدان على أموال الأبناء ومعاش صغير، قصة حياته تتلخص في السفر للعراق والعودة لبناء بيت يجمعه وأولاده، كمعظم رجال القرية، لكن الأموال التي جمعها لم تكفِ نفقات مرض زوجته ولا ولديه الآخرين المصابين بالمرض.

''ولدي كان بياخد الحقنة ويتعب.. كنت أعيط عليه ونقعد جنبه أنا وأبوه''، ''كمال'' أحد أبناء ''سيدة'' جاوز الخامسة والثلاثين، اكتشف إصابته بالمرض عقب والدته بسنوات، تبعه الأخ الأكبر ''فكري'' -في الخامسة والأربعين من العمر ''اكتشفنا من شهور بس''، لا يرتاح الرجل الأربعيني إلا قليلًا ''كان خايف يكشف رغم إنه حس بالتعب عشان ميرقدش.. مفيش حد يصرف على عياله غيره''، الأسرة المريض أغلبها لا تجد حيلة، سوى الاستمرار في العلاج حتى حين، الأم لا تساعدها الصحة على فعل شيء، بينما يصر الأب على النزول للتصويت في الانتخابات، لعل القادم يُصلح أحوالهم.

''الانتخابات مش هتعمل جديد''
كانت عناقيد العنب الأخضر المتدلية على سقف مدخل بيته المفتوح تضفي شيء من المزاق المختلف للحياة، طعمه الحلو يختلط بالعلقم الذي زاد مع عودة ''أحمد محمد علي'' إلى ''بهنموه''. ثلاثة أعوام من العمل كسائق يتحصل على 100 جنية في اليوم على أقل تقدير، وصولًا إلى بائع ''طعمية'' بالكاد يدخل جيبه 15 جنيها، وربما لا يحدث.

''مش شايف حاجة اتغيرت غير الجمعية'' لذلك لن يذهب ''أحمد'' إلى التصويت بانتخابات الرئاسة، كل شيء باقٍ كما هو بل ازداد الأمر سوءًا؛ فالقرية على عهدها منذ مولده وحتى بعد عودته ليصبح بها مِن بين أفقر أهل ''بهنموه''، أسباب عدة وقفت حائل لتماشيه مع الأحوال بالقاهرة ''إيجار الشقة غالي'' والبلطجة التي تفشت في المهنة على حد قوله، كل ذلك دفع للرجوع للبيت العائلة، ورغم ضيق الحال ونفور الأبناء من العيش بالقرية بعد حياة القاهرة غير أنه يجد الحياة بها أفضل ''هنا وسط العيلة وآمان أكتر''.

الرجل الثلاثيني، نحيف الجسد، أسمر الملامح لا يختلف عن جيله من أبناء القرية ذو الأعمار الثلاثينية ممن نالوا قدرًا من التعليم، دبلوم صناعي هو مؤهل ''أحمد''، عمل وتزوج، تربى ثلاثة من أبنائه في كنف شقة إيجار بمنطقة عزبة النخل حتى ثورة 25 يناير، لا ينقم الرجل على الثورة ''كنت فرحان جدًا لما قامت'' لكن بقاء الحال دون أمل في التغيير الذي راوده، أصابه بالحزن.

قدر يُعد فيه الطعمية على مائدة من الخشب البالي تتصدر مشهد البيت، ساحة بلا حصير، قدور ملقاة ومستندة إلى جدران من الطوب الأحمر، بالسقف محاولة لإضفاء شيء من البهجة لكن الزمن سلبها؛ زينة من الورق غلفه التراب، متوتدة بجانب البيت شجرة العنب، يتسلق جذرها مخترقًا السقف المتراص عليه جذوع النخل، على حائط أمام حجرته ظل سرير الزوجية من عودته لا يتسع البيت له.

على حاله ظل بيت العائلة المبني منذ زواج والده البالغ من العمر 77 عامًا، وكان سبب آخر رئيس لعودته، غرف متلاصقة، أبوابها الخشبية طاعنة في القدم، مغلق منها ثلاثة خاصة بأخواته، باستثناء واحدة  تنفتح إذا حضرت أخته للزيارة،  بينما غرفتين تظل مفتوحة له ولوالده.

''عمارات مُعدمي الدخل''، هكذا يقول عنها أهل القرية، المبنى الوحيد الذي يأخذ طابع المدينة المتعدد الطوابق، فيه يقطن ''عبد الفتاح ناصر'' و''أحمد عبد القادر''، صديقان جمعهما ''الفشل الكلوي''، ثلاث مرات في الأسبوع يذهبان سويًا لمستشفى بني سويف العام لغسل كليتهما، منذ اكتشاف المرض من ثماني سنوات، معاناتهما ليست بالمرض فقط ''المشوار مُتعب أوي''، لا تتوفر في القرية أجهزة تفي بالغرض، لا يعرف الرجلان سبب الفشل ''فيه ناس بتقول عشان الميه هنا وحشة.. أصلنا بنشرب مية طرومبات''، الحمد لله والثناء عليه لسان حالهما بعد السنين العجاف، المرض لم يمنع كلاهما النزول في أي انتخابات سابقة حتى قبل الثورة ''إحنا كنا بنقول رأينا وقت مبارك.. منعرفش الصناديق بتروح فين بس لازم نعمل اللي علينا''، الصوت أمانة، كما يرى كل منهما حتى مع المرض الذي أضعف الصحة تمامًا ''عشان كدة هنزل الانتخابات وأقول رأيي برضو''، على حد قول ''عبد القادر''.

''الدولة غائبة وجمعيات المجتمع المحلي تعافر''
هو منَ أفضل أهل القرية حالاً لذلك يصنف حاله بأنه ''متعاطف مع أهل القرية''، هو من سكانها، وجيل الوسط بها، يمتلك أرضًا، فدانين، بمثابة ثروة ضخمة داخل القرية، تفتق ذهن ''علي عبد الوهاب'' على عمل جمعية تخدم أهله ينضم لها أصحاب الحال الجيد، فكانت جمعية تنمية المجتمع المحلي بـ''بهنموه'' عام 2008، في مبنى لا يختلف عن بيوت القرية إلا الباب الحديدي الأسود يتواجد أعضاء الجمعية من أبناء القرية المتلقين للتعليم حال ''عبد الوهاب'' خريج كلية التجارة والموظف في وزارة البيئة، بما أوتوا من قدرة مالية يساعدوا أهل القرية لكن ذلك لا يغني عن الحاجة الشديدة لاهتمام أكبر يأتي من الدولة.

''مفيش أي مسؤول جه من 2010'' قال ''عبد الوهاب''، فالحال بـ''بهنموه'' لا يختلف عن حال قرى الصعيد بشكل عام؛ يأتي المرشح للانتخابات فترة حاجته للأصوات، يعد أهل القرية، وسرعان ما يختفي أثره بعد الانتخابات. ورغم تصنيف القرية اعتبارها الأفقر في الجمهورية عام 2010 إلا أن الأنظار لم تتحول إليها إلا في 2013 على حد قول ''خليفة خليل''.

كثير من القنوات الإعلامية تفد إلى ''بهنموه'' كان لذلك زهوه في البداية، يأمل أهل القرية في تحسين الأحوال عقب كل زيارة مع كل صباح، وفي المساء لا يحدث شيء فبات لسان حالهم ''أحنا اتفضحنا'' على حد قول ''خليل''.

''عيد خليل'' الأخ الأصغر لـ''خليفة''، عامان بلا عمل كان حاله في الفترة ما بين 2007 حتى 2009، قبل أن يتنازل بشكل مؤقت عن حلمه بعد أن اتضحت له الأمور أن نادرًا ما يحقق أحد من القرية حلم يراوده بل قليلاً ما يحلم أهلها، ليسانس آداب قسم تاريخ حصل ''عيد'' على الشهادة الجامعية، بلغت فرحة العائلة العنان، قليل هم مَن يستكملون التعليم، وإن حدث يكون بعمل الابن حتى ينال تلك المرحلة.

أراد الرجل الثلاثيني أن يصبح مدرس، حصل على شهادة تربوية من أجل ذلك لكن لم تكن كافية، لابد أن يلتحق بمسابقات تابعة لوزارة التربية والتعليم، تقدم كثيرًا دون رد، من العمل في بقالة بالقاهرة وغيرها من الأعمال خاض الرجل حتى ذلك العامين، أصابه اليأس حينًا من محاربته للحصول على شهادة جامعية لا طائل منها ''فكرت كثير وحزنت''، لكن لم يستطع التوقف خاصة أنه يحمل مسؤولية زوجه وأبناء، لذلك قرر الاستقرار وفتح محل ليبيع مستلزمات الكهرباء، ومستمر في ذلك حتى يتغير الحال الذي لا ينتظر أن تؤثر به الانتخابات والسياسة كثيرًا.

بالقرية مدرستان إحداهما ابتدائي وأخرى إعدادي، بينما يبلغ مَن أكمل تعليمه تعداد الـ10 أشخاص على حد قول الأهالي.

''البلد دي مش بتاعتنا''
كعاصفة تبعت الهدوء تكلم ''محمود خليل''، الشقيق الصغير لـ''عيد''، بكلمات مهتزة ووجه امتزج غضبه بالحسرة ''البلد دي مش بتاعتنا.. فين الحرية اللي بيقولوا عليها؟''، الحالة المادية لـ''محمود'' أجبرته على ترك التعليم، لا يتعامل مع ذلك وكأنه طامة ''هعمل إيه بالشهادة، ما أخويا ليسانس آداب ومش عارف يشتغل أهو''، يقاطعه الأخ الأكبر ''خليفة'' قائلًا ''محمود كان التاني على بني سويف في الإعدادية''، كأنه لم يسمع شيئًا أكمل ''المتسرب'' من التعليم ''طيب ما عبد الله عاصم أهو مخترع عملوا فيه ايه، ما هما حبسوه''.

بين الإعلام والصحافة التي تزور القرية يحيا ''محمود''، يراهم بعين اليأس ''الحكومة عارفة كل حاجة مش محتاجة إعلام يفهمها.. المسئول لو عايز يصلح هينزل بنفسه يشوف''، لم يفكر الشاب العشريني في العودة للتعليم يومًا، يعرف أن الأمر يسير إذا ما أراد ''أنا بشتغل كهربائي دلوقتي.. الفلوس اللي هتعلم بيها البيت أولى بيها''.

تبعد القرية عن أقرب نقطة إسعاف ومطافي، حوالي 15 كيلو، إذ يتواجدا في مركز إهناسيا، أما تواجد الشرطة في القرية ''معدوم'' على حد قوله الأهالي، المشاكل والصراعات التي تنشأ بين بعض العائلات ''بتتحل لما كبير البلد يقعد يصفي النفوس''، رغم ذلك لم تفلح هذه الطريقة عندما نشبت مشادة بين عائلتين في القرية أواخر عام 2013، قُتل على إثرها أحدهم وأصيب آخر ''اتصلنا بالشرطة وقتها مرضيوش ييجوا عشان مش عندهم أوامر بالتحرك''، أما المطافي فلم تأت إلا بعد احتراق ثلاث منازل بالكامل في القرية على إثر الصراع بين العائلتين.

على امتداد بيوت ''بهنموه'' تجري مياه تفصل بينها وقرية أخرى، ''بحر يوسف'' وسيلة الصغار للمرح، يتقافزون فيه للسباحة وعلى حافته يتسامر النساء يغسلون الأواني والملابس، لا ينهيهم عن ذلك مياه صنبور البيت ولا يخشون مرض ولو كان متفشي، استسلموا للأمر؛ سنوات بعمر القرية لازال كل شيء على حاله، ساعات تعلو بها الأصوات للمشاركة بالانتخابات وأيام وتختلج أخرى بتنصيب رئيس، بينما تواصل ''هالة فتحي'' البالغة 13 عامًاعملها،  تضع الأواني قرب الماء استعدادًا لغسلها ''عشان أسهل''، لا يعنيها كثرة الحديث عن خطر يجاورها، ولا أن تعول على انتخابات لن تأتي لها بجديد؛ فالواقع علمها ألا تهاب شيء لأنها لا تملك شيء غير أن ''ربنا موجود''.

 

لمعرفة مكان لجنتك الانتخابية اضغط هنا

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان