هكذا كان أصحاب النبي يحسنون إلى أمهاتهم
كتب – هاني ضوه :
الأم هي باب الرحمة، فقد جعلها الله سبحانها وتعالى سببًا في غفران الذنوب، وجعل الجنة تحت قدميها لعظيم فضلها ومكانتها، كما أن الله سبحانه وتعالى قد قرن شكره بشكر الوالدين في قوله تعالى: (أنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
والآيات والأحاديث التي وردت في فضل الإحسان إلى الوالدين وخاصة الأم كثيرة، وقد حرص صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك التابعين من بعدهم على أن يبروا أمهاتهم في حياتهن وبعد موتهن عملًا بتلك الوصايا الربانية والنبوية.
وفي هذا التقرير يستعرض مصراوي بعضًا من المواقف التي كان الصحابة والتابعون أبطالها، وتبين كيف كانوا يحسنون إلى أمهاتهم.
ولنبدأ بالصحابي الجليل حارثة بن النعمان، الذي وصفه النبي بأنه أبر الناس بأمه، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ ، فقلت: من هذا؟ .. قالوا: هذا حارثة بن النعمان. فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: "كذاك البر، كذاك البر "، وكان أبر الناس بأمه".
وكان من بر حارثة بأمه كما ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أنه كان يطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قط تأمر به، حتى يسأل مَن عندها بعد أن يخرج: ماذا قالت أمي؟.
ونال هذا الصحابي البار بأمه شرف رؤية أمين الوحي سيدنا جبريل عليه السلام مرتين، فيحكي لنا حارثة بن النعمان فيقول: "رأيت جبريل من الدهر مرتين :يوم الصورتين " موضع بالمدينة " حين خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني قريظة، مر بنا في صورة دحية، فأمرنا بلبس السلاح .
وهذا عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن أم عبدالله بن مسعود كانت قد طلبت منه أن يحضر لها ماءً، فذهب وأحضر الماء لوالدته لكنه وجدها وقد نامت.. فبقي واقفًا بجانبها وهو يحمل الماء وكان إذا تعب جلس، وإذا غلبه النوم وقف وظل على هذه الحال حتى طلع الفجر واستيقظت أمه ثم أعطاها الماء، لأنه خاف أن يذهب أو ينام وتستيقظ أمه ولا تجد الماء.
أما سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنها فقد بلغت شدة أجلاله لأمه ومعرفته لقدرها وبرها أنه قال: "ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت". لذا جاء ذكره في الحديث الذي رواه ابن أبي دنيا في مسنده عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت " رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانا أبر من كان في هذه الأمة بأمهما "، فيقال لها: من هما؟ فتقول : " عثمان بن عفان، وحارثة بن النعمان رضي الله عنهما، فأما عثمان فإنه قال : ما قدرت أن أتأمل أمي منذ أسلمت، وأما حارثة فإنه كان يفلي رأس أمه ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلاما قط تأمر به حتى يسأل من عندها بعد أن تخرج: ما قالت أمي؟ ".
أما أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.. كان إذا دخل البيت قال لأمه: "رحمك الله كما ربيتني صغيرا"، فتقول أمه له: "وأنت رحمك الله كما بررتني كبيرًا"، وكان يحمل أمه إلى بيت الخلاء وينزلها عنه، وكانت مكفوفة.
ولم يختلف حال التابعين والعلماء الصاحين مع أمهاتهم عن حال الصحابة الكرام، فكلهم من رسول الله ملتمس.
فقد روى عن الإمام علي بن الحسين رضي الله عنه أنه كان يخشى أن يأكل مع أمه على مائدة، فقيل له في ذلك فقال: "أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتُها"
وكان الإمام ابن سيرين إذا كلم أمه.. كأنه يتضرع .. وإذا دخلت أمه يتغير وجهه ، وكذلك الإمام ابن عون نادته أمه مرة فأعلى صوته وهو يجيبها فندم على هذا الفعل وأعتق رقبتين.
وكان ابن المنكدر وهو من التابعين يضع خده على الأرض، ويقول لأمه: قومي ضعي قدمك على خدي.
وهذا الإمام الذهبى رحمه الله وعالم آخر يقال له قندار، لم يرحلا في طلب العلم براً بأمهاتهم.. فلم يخرجا من بلادهما للاستزاده من طلب العلم لأن والدته قالت له: لا تخرج، فبقي يطلب العلم في هذه المدينة حتى ماتت أمه ثم سافر، وفي هذا يقول: أردت الخروج للعلم فرفضت أمي فطعتها فبورك لي في ذلك.
فيديو قد يعجبك: