الجهر بالفطر في رمضان
بقلم..د: ضياء الدين صبري حسن
عضو مركز الازهر العالمي للرصد والافتاء الالكتروني
نظرة في الأنظمة القانونية للدول الإسلامية
يعد شهر رمضان من أشهر العبادات في الإسلام؛ حيث يمثل الصوم فيه الركيزة الرابعة بعد الشهادتين والصلاة والزكاة وقبل الحج.
وقد دأب بعض المسلمين على المجاهرة بالإفطار في هذا الشهر الكريم، حينما يمسك الآخرون عنه، والثابت شرعاً وعرفاً أن هذا الصنيع مخالف للذوق العام، فضلاً عن منافاته لما استقر في وجدان الناس من اللياقة والفطرة السليمة، وما ينطوي عليه من خدش لمشاعر الصائمين، في الوقت الذي نرى فيه أن الأخوة غير المسلمين لا يجاهرون بتناولهم الطعام، وما في حكمه في نهار رمضان مراعاً لمشاعر إخوانهم المسلمين تأكيدا لاحترام المواطنة.
هذا: وقد سلكت معظم الدول العربية مسلك المؤاخذة على انتهاك بعض المسلمين لهذه الشعيرة بتقرير العقاب المناسب لهذا الجرم (المجاهرة) ومن هذه الدول.
دولة الكويت: تبدو الكويت كحالة خاصة؛ حيث ينص القانون رقم 44 لسنة 1968م، صراحة على أن المجاهرة بالإفطار أو التحريض أو المساعدة على تلك المجاهرة في مكان عام تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بغرامة لا تتجاوز مائة دينار وبالحبس مدة لا تتجاوز شهرا، مع جواز إضافة عقوبة غلق المحل الذي يستخدم لهذا الغرض مدة لا تتجاوز الشهرين، ولوزير الداخلية سلطة إصدار قرار بإغلاق ما يرى ضرورة إغلاقه من المحال في نهار رمضان؛ تحقيقا لأغراض هذا القانون، وتأكيدا لهذا الأمر تصدر وزارة الداخلية الكويتية بيانا كل عام مع قدوم شهر الصيام تحض فيه المقيمين على أرض الكويت أيا كانت جنسيتهم أو ديانتهم على مراعاة هذه الآداب والمحافظة على حرمة الشهر الكريم، وقد جاء في أحد هذه البيانات ما نصه:" حرصًا على حرمة شهر رمضان ومراعاةً للنظام العام واحتراما للآداب العامة والتمسك بآداب الدين الحنيف وقيم الإسلام، فإننا نوجه عناية جميع المواطنين والمقيمين إلى ضرورة الالتزام بأحكام مواد القانون بشأن المجاهرة بالإفطار ".
المملكة العربية السعودية: في السعودية تلاحق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المفطرين في رمضان، وتتلقى المحاكم كل رمضان عشرات القضايا في هذا السياق، ويحكم فيها القاضي بناءً على اجتهاده، وتصل العقوبة عادة بحق المجاهرين بالإفطار إلى السجن والجلد، إضافة إلى عقوبة الإبعاد من المملكة العربية السعودية إذا كان الفاعل أجنبياً.
دولة الامارات العربية المتحدة: تعتبر المجاهرة بالإفطار في رمضان من الجرائم الماسة بالعقائد والشعائر الدينية، ويعاقب عليها بالحبس مدة لا تزيد عن شهر أو بغرامة لا تتجاوز 2000 درهم.
وبمثل هذا كان منهج كل من المملكة الأردنية وسلطنة عمان والبحرين ولبنان والمغرب والجزائر وموريتانيا.
أما بالنسبة للوضع في مصر: فهو لا يختلف كثيراً عن مثله في الشقيقات العربية، إلا فيما يتعلق بتقنين المسألة تشريعياً، وقد طرح على مجلس الشعب مشروع قانون بمعاقبة المجاهرين بالإفطار في رمضان منذ عدة سنوات، من قبل الشيخ/ منصور الرفاعي عبيد، مدير عام المساجد السابق بوزارة الأوقاف سابقا، في إحدى دورات مجلس الشعب المصري ينص على (عقاب كل من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام، وغرامة لا تقل عن مائة جنيه، مع الحبس شهرا لمن يفتح مطعما، أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار هذا الشهر)، غير أن هذا المشروع لم يخرج إلى النور حتى يومنا هذا، مع تأييد الشيوخ الكبار له، أمثال د/ أحمد عمر هاشم ود/ محمد المسير وآخرون، حتى أن الشيخ محمد متولى الشعراوي( رحمه الله) قد أفتى بتعزير من يفطر جهرا في رمضان في كتابه الفتاوى.
وقد شددت دار الإفتاء المصرية على أن هذه ليست حرية شخصية، بل هي نوع من الفوضى والاعتداء على قدسية الإسلام؛ لأن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية، وهي حرام فضلاً عن أنها خروج على الذوق العام في بلاد المسلمين، وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه في احترام مقدساته، وعلى المسلم إذا ابتلى بهذا المرض، أن يتوارى حتى لا يكون ذنبه ذنبين وجريمته جريمتين، وإذا كان غير المسلمين يجاملون المسلمين في نهار رمضان ولا يؤذون مشاعرهم بعدم الأكل أو الشرب في العلن- فأولى بالمسلم، ورأت أن الوسيلة لمحاربة من يجهر بالفطر في شهر رمضان هي توجيه النصح له بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يتخذ ولي الأمر من الضوابط ما يكفل منع المجاهرين بالإفطار في الشوارع والميادين وكافة الأماكن العامة.
ورغم الفراغ التشريعي في هذا الشأن إلا أن هناك بعض الوقائع المجاهر فيها بالفطر في رمضان تناولتها الشرطة المصرية بالملاحقة والقبض على مرتكبيها، وإحالتهم إلى النيابة، ففي رمضان عام 1430هـ، اعتقلت الشرطة المصرية 155 مواطنًا في محافظة أسوان، بتهمة المجاهرة بالإفطار في رمضان، وعلق وقتها المحامي/ جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان قائلا: إن هذه الحملة ليست الأولى من نوعها، حيث كانت هناك محاولات لتطبيقها بمحافظة القاهرة منذ عامين، وبعد إلقاء القبض على عدد من المواطنين صادف ذلك الفراغ التشريعي المشار إليه فتم الإفراج عنهم، مما يستوجب معالجة هذا القصور التشريعي.
فيديو قد يعجبك: