محمود أبو زيد.. خفيف الظل الرافض لتهريج "حمري جمري"- (بروفايل)
كتبت- منى الموجي:
"خير الكلام ما قل ودل" إيمانه الشديد بهذه القاعدة، كان وراء ابتعاده طوال الست سنوات التي سبقت رحيله، عن تقديم أي عمل فني، فلم يلهث وراء التواجد بتقديم أعمال تناسب طبيعة السوق ومتغيراته، الأمر الذي جعله لا يكرر تجربة الكتابة للدراما التليفزيونية بعد مسلسله "العمة نور" بطولة الفنانة نبيلة عبيد، لاكتشافه أن القنوات تريد أعمال تعتمد على الإطناب، بينما يفضل هو الحوار القليل المؤثر، هو السيناريست الراحل محمود أبو زيد.
يعد أبو زيد أحد أهم الكتاب في السينما، رغم قلة أعماله إلا أن معظمها صارت علامات لا تُنسىفي تاريخ السينما المصرية والعربية، وحققت نجاح كبير على المستوى الجماهيري ولفتت جرأتها النقاد، ومازالت صالحة للعرض حتى يومنا هذا، للدرجة التي شجعت صنّاع الدراما التليفزيونية على تحويلها إلى مسلسلات، كما حدث مع "العار" و"الكيف".
ولد أبو زيد في جزيرة الروضة بالقاهرة عام 1941، علاقته بالفن بدأت مع حب التمثيل لا الكتابة، فشارك في بطولة العديد من المسرحيات مع فرقته المدرسية والجامعية، رغم معارضة والده لهذا الطريق، وهو ما دفعه للالتحاق بكلية الآداب قسم فلسفة، خوفا من رد فعل والده إذا أعلن رغبته بالالتحاق بمعهد السينما، إلا أن شغفه بالتمثيل، حرضه بعد انتهاء عامه الأول بالجامعة، على الدخول إلى المعهد والاستمرار في دراسة المجالين معا.
" لا نجد ورق جيد"، كلمات سمعها من مخرجين كبار، منهم صلاح أبو سيف وحلمي حليم، ردا على سؤال "لماذا تغيبون عن السينما؟"، لفتت انتباهه لأهمية السيناريو في صناعة فيلم جيد، واستفاد كثيرا من الفنان القدير علي الزرقاني والذي كان يدرس له مادة السيناريو بالمعهد. تفوق أبو زيد في "السيناريو"، وكان مشروع تخرجه من هذه المادة، تقديم سيناريو لقصة قصيرة كتبها الأديب نجيب محفوظ، وحملت عنوان "القهوة الخالية"، ولم يكن أمرا غريبا أن يحصل على تقدير امتياز، مصحوبا بتعليق من أستاذه، قال فيه "استطعت التعبير عن مشاعر بعيدة جدا عن سنك"، حسب ما قاله أبو زيد في حوار تليفزيوني لقناة "الدلتا"، مع برنامج "سهرة مع".
شهدت سنوات الثمانينات ومطلع التسعينات عصره الذهبي، واستطاع بأسلوبه المميز، أن يقدم بسلاسة أفكار مهمة، يمزجها بخفة ظل غير عادية، اتضحت في كثير من أعماله السينمائية، واستخدمها بذكاء لتغليف قضايا قد ينفر الجمهور من حدتها، إذا ناقشها بصورة جافة، ويعد "البيضة والحجر" و"الكيف" الدليل الأبرز على خفة دم أبو زيد، فيهما كتب مجموعة من الأغاني التي آداها أحمد زكي ومحمود عبدالعزيز بطريقة رائعة.
وعن مزج قضايا أفلامه بخفة الظل، يقول "الناس مش داخلة عشان تتنكد"، ورغم أن أفلامه تحمل رسائل مباشرة تنتهي عادة بآية قرآنية كما فعل في فيلم "العار"، وقول الله تعالى " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"، أو أبيات شعرية كما في فيلم "الكيف" حين استعان بأبيات "أمير الشعراء" أحمد شوقي "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا"، إلا أنه يرفض بشدة أن تتحدث السينما بشكل مباشر في السياسة، ويفضل أن يتم تقديم انعكاس الفن على الناس، وهو ما يعتبره الأصلح والأبقى، وسيقود الجمهور لفهم السياسة بشكل أفضل.
أبو زيد لم يقدم للمسرح سوى مسرحيتين، "جوز ولوز"، و"حمري جمري" التي اتخذ بعدها قرار بالابتعاد عن "أبو الفنون"، لما وجده من "تهريج" –حسب تعبيره-، وتجاوز في استخدام ألفاظ لا تليق أن يسمعها الجمهور، رغم تحقيقها إيرادات كبيرة جدا، وحصوله إلى جانب أجره على نسبة من الايرادات.
توقف أبو زيد عن تقديم أعمال فنية بعد فيلم "بون سواريه" عام 2010، بعدما قدم للفن حوالي 26 عمل سينمائي وتليفزيوني ومسرحي، ورحل عن عالمنا مساء أول أمس الأحد 11 ديسمبر عن عمر 75 عام.
فيديو قد يعجبك: