الحريف.. كيف دخل محمد شريف تاريخ هدافي مصر والنادي الأهلي من أوسع أبوابه؟ (قصة مدفوعة بالبيانات)

تقرير - مها صلاح الدين:
إنفوجرافيك ثابت: أحمد ياسين
غلاف: أحمد مولا

من حي مصر القديمة، وأصول تمتد إلى مركز الصف بالجيزة، وجد النادي الأهلي ضالته بعد سنوات عجاف، بحثًا عن مهاجم هداف لا يخشى المرمى.

لم تكن تعلم إدارة النادي الأهلي حينما أقدمت على شراء الجناح الأيمن محمد شريف، البالغ من العمر 21 عامًا من نادي وادي دجلة عام 2018، أنه سيكون مهاجم الفريق الأول، وهداف الدوري المصري ودوري أبطال أفريقيا في موسم واحد، أو أنه سيتصدر قائمة هدافي الدوري المصري في الألفية الثالثة.

في هذه القصة المدفوعة بالبيانات، يكشف مصراوي كيف حفر محمد شريف اسمه في قائمة هدافي مصر والنادي الأهلي، منذ بداية الرحلة وحتى الآن، عبر تحليل البيانات المنشورة على موقع ترانسفير ماركت، المتخصص في تتبع المسار المهني للأندية ولاعبي كرة القدم في جميع دول العالم.

عبر كرات بلاستيكية صغيرة، اكتشف شريف الأب موهبة ابنه محمد منذ نعومة أظافره، تعجب حينما وجده طفلًا صغيرًا يركل الكرة بقدميه الاثنين بنفس المهارة، فقرر أن يعتني بنفسه بتلك الموهبة.

يصطحبه يوميًا إلى حديقة قريبة من المنزل ويمرر إليه الكرة، يوجهه بأن يستقبلها بإحدى قدميه، ويركلها بالقدم الأخرى، ويدخل في مشاحنات مع والدته، التي كانت تخشى أن ينحصر تركيزه على كرة القدم، ويهمل دراسته.

لكن النتيجة كانت إنتاج لاعب ناشئ، تنقل بين أندية مزارع دينا، ووادي دجلة، استغله المدربون في جميع المراكز بالملعب، نظرًا لإتقانه للعب بالقدمين بنفس المهارة، فلعب "مساك تارة.. وظهير أيسر تارة، وخط وسط تارة".. ثم استقر في مركز الجناح الأيمن.

بدأت الأندية المصرية الكبرى تلمح بادرة لاعب جيد، ومع بداية موسم الانتقالات الشتوية لعام 2018، تلقى شريف اتصالًا هاتفيًا من وكيله في بداية يناير، يخبره بعرض من نادي الزمالك، فسأله شريف عما إذا كان النادي الأهلي ألمح برغبته في ضمه، فأجابه وكيله بلا.

قرر شريف أن يقبل العرض، ليتخذ خطوة أكبر في مشواره الكروي، ووقع بالفعل لنادي الزمالك، لكن النادي نفسه تراجع بعد أن وجد بوصلة النادي الأهلي تتجه نحو محمد عنتر لاعب نادي بيراميدز، فقرر الزمالك أن يتدخل ويخطف عنتر، ويؤجل صفقة محمد شريف إلى أجل غير مسمى.

في نهاية الشهر نفسه، وبعد إتمام صفقة الزمالك مع عنتر، تلقى محمد الشريف اتصالا هاتفيًا جديدًا من وكيله، يخبره برغبة النادي الأهلي في ضمه بعد فشل صفقة عنتر، لم يتردد اللاعب في القبول، ويحكي في أحد اللقاءات التلفزيونية، أنه لعب في اليوم التالي أسوأ مباراة في حياته من فرط التفكير، فأنهى المباراة، وتعاقد مع للأهلي فجر 31 يناير 2018.

لكنه على مدار عام وبضعة أشهر، لم يستطع شريف حجز مقعد لنفسه في التشكيل الأساسي للنادي الأهلي، ومع تعاقب المديرين الفنيين، بدأ الأمل يتلاشى رويدًا رويدًا، فطلب اللاعب الشاب من النادي الأهلي أن يخرج للإعارة حتى يتمكن من اللعب أساسيًا وإثبات نفسه.

استجابت إدارة النادي الأهلي لرغبته في نهاية أغسطس 2019، لينضم إلى نادي إنبي. وهناك، قرر المدير الفني الكابتن حلمي طولان توظيفه كمهاجم صريح، فبدا شريف بشكل جديدًا، جعل النادي الأهلي يقرر إنهاء إعارته بعد عام واحد وشهرين.

وفي الوقت الذي لم يحقق فيه والتر بواليا الأهداف المنشودة، أصبح محمد شريف هو البديل الذهبي، الذي يدفع به بيتسو موسيماني لينقذ الموقف في الدقائق، الأخير، عاد شريف ليستغل أنصاف الفرص، ويسجل الأهداف، حتى وإن تم الدفع به في الوقت بدل الضائع، وبهذا نجح في أن يجعل مشاركته أساسيًا مطلبًا لجماهير النادي الأهلي، وحديث جميع البرامج التلفزيونية الرياضية، من ضمنها مداخلة تليفونية بينه وبين النائب البرلماني، وكابتن فريق النادي الأهلي السابق حسام غالي، حدثه خلالها على الاستمرار في التدريب جيدًا، وأن الفرصة الكاملة قادمة لا محالة.. وحدث بالفعل.

وفي نهاية الموسم، سجل شريف في الدوري وحده أكثر من ثلاثة أضعاف الأهداف التي سجلها والتر بواليا، الذي استطاع تسجيل 6 أهداف في 25 مباراة، لعب خلالهم 1157 دقيقة، مقابل 31 مباراة لمحمد شريف، لعب خلالهم 1981 دقيقة، وسجل 21 هدف.

شريف هداف أفريقيا

بعدما سجل محمد شريف إلى 15 هدفاً في الدوري المصري، وتساوى مع مهاجم فريق سيراميكا كليوباترا أحمد ياسر ريان، ليتصدر الاثنين هدافي الدوري المصري، توقفت مباريات النادي الأهلي في مسابقة الدوري، حتى يتفرغ الفريق لخوض المباريات النهائية في دوري أبطال أفريقيا.

لم يتوج شريف بالبطولة الإفريقية مع فريقه فحسب، بل حصل أيضًا على لقب هداف دوري أبطال أفريقيا، ليحتل المركز الرابع في قائمة هدافي دوري أبطال أفريقيا المصريين، بعد تسجيله 6 أهداف، وهى ثلاثة أرباع ما سجله محمد أبو تريكة، وأقل بهدف واحد مما سجله أحمد بلال ومحمد بركات، وكان الثالث من حيث معدل التهديف، حيث لعب أقل من محمد بركات بنحو 30% من الدقائق التي لعبها بركات خلال دوري أبطال إفريقيا (2005)، وسجل خلالها هدفًا كل 157 دقيقة، بينما كان المعدل التهديفي لشريف، هدفًا كل 127 دقيقة في نفس البطولة (2021).

الطريق إلى لقب هداف الدوري المصري

بعد فوز النادي الأهلي بدوري أبطال أفريقيا للمرة العاشرة في تاريخية، عادت مباريات الدوري المصري مجددًا، وبدأ مخطط شريف للحفاظ على صدارة هدافي الدوري في الاستئناف، يسجل هاتريك (أي ثلاثة أهداف في مباراة واحدة) تارة، ويسجل أهدافًا ويتم إلغائها تارة أخرى، فيصر على تعويضها في نفس المباراة، وقلما كان يخوض مباراة دون أن يسجل هدفًا واحدًا على الأقل.

هداف الألفية الثالثة

في إحدى الاستديوهات التحليلية سأل أحد المذيعين، عماد متعب، نجم النادي الأهلي ومنتخب مصر السابق، عما إذا كان يرى محمد شريف يصلح ليكون خليفة له وهو يحمل لقب هداف وقناص في النادي الأهلي، فأجاب متعب: "إذا أجاد شريف تسجيل الأهداف بضربات الرأس سيكون بالطبع أفضل مني".

بعد هذا التصريح، قال الكابتن سامي قمصان، المدرب ضمن الجهاز الفني للفريق الأول بالنادي الأهلي، أن محمد شريف طلب منه أن يدربه على التسديد بضربات الرأس بشكل خاص، 20 دقيقة بعد التدريب اليومي الأساسي.. وبعدها بأسابيع قليلة أحرز شريف هدفين برأسه، وتخطى عدد الأهداف التي أحرزها عماد متعب في موسم واحد، حينما حصل على لقب هداف الدوري.

لم يتخطّ محمد شريف، عماد متعب الذي فاز بلقب هداف الدوري المصري في موسم (2004/2005)، عبر تسجيل 15 هدفا فحسب، بل تخطى جميع الحاصلين على لقب هداف الدوري في آخر 20 عاما، ومنذ بداية الألفية الثالثة.

فسجل 90% زيادة عن الأهداف التي سجلها لاعب نادي الإسماعيلي جون أنطاي، هداف الدوري موسم (2013/2014) بـ 11 هدفا، والذي كان يسجل هدفًا كل 125 دقيقة، أي بزيادة 31 دقيقة عن الوقت الذي يحتاجه محمد شريف لتسجيل هدف، وهو 94 دقيقة.

وسجل زيادة 75% عن الأهداف التي سجلها لاعب نادي طلائع الجيش إرنست بابا أركو موسم (2008/2009) بمعدل هدف كل 179 دقيقة.

وسجل أكثر من 60% زيادة عن الأهداف الذي سجلها لاعب نادي الزمالك محمود عبدالرازق شيكابالا، حينما توج بلقب هداف الدوري المصري موسم (2010/2011) بـ 12 هدفا، بمعدل هدف كل 173 دقيقة، أي بزيادة عن الوقت الذي يحتاجه محمد شريف لتسجيل هدف واحد بـ 79 دقيقة.

وتخطى لاعب نادي الزمالك عبد الحليم علي، الذي حصد لقب الهداف في موسم (2003/2004) بهدف واحد زيادة، حيث سجل 20 هدفًا، والذي كان يحتاج إلى 95 دقيقة فقط من اللعب، ليصل إلى عدد أهداف محمد شريف.

يليه محمد أبو تريكة الذي حصد لقب هداف دوري (2005/2006) بعد أن سجل 18 هدفا، وكان يسجل هدفًا كل 81 دقيقة، أي في أقل مما يحتاجه شريف لتسجيل هدف في موسم (20/21) بـ 13 دقيقة.

وبذلك، أصبح محمد شريف، اللاعب الوحيد في النادي الأهلي، الذي حصد على لقب هداف الدوري في موسم واحد، بما يزيد عن 20 هدفًا في الألفية الثالثة.

شريف بين الكبار

في الجولات الأخير من الدوري المصري (2020/2021)، تحديدًا في الدقيقة 22 في مباراة الإسماعيلي، سجل شريف هدفه الـ 19 بالمسابقة، ليتقدم للأهلي بهدف واحد مقابل لا شيء، قبل أن يشكو من شد في العضلة الخلفية، ويطالب الجهاز الطبي بتبديله في الدقيقة 40، قبل نهاية الشوط الأول بـ 5 دقائق، حتى لا تتضاعف الإصابة، الذي غاب على إثرها ثلاث مباريات، فقد فيهم الأهلي الأمل في الحصول على لقب الدوري.

وفي المقابل، كان جمهور النادي الأهلي ينتظر عودة شريف إلى الملاعب مرة أخرى، على أمل اللحاق بآخر جولتين في الموسم، حتى يصبح أول لاعب في النادي الأهلي يستطيع أن يتخطى الأرقام القياسية لهدافيه في آخر 20 عامًا، ويصل إلى 20 هدفا، أو يتخطاه..

وبالفعل، دفع موسيماني بمحمد شريف في المباراة قبل الأخيرة أمام الجونة في الدقيقة 62 من عمر المباراة، شارك 28 دقيقة فقط، وسجل هدفًا واحدًا، ووصل أخيرًا أحد هدافي النادي الأهلي إلى 20 هدفًا في الألفية الجديدة.

وفي المباراة الأخيرة، والتي كان قبلها لقب الدوري قد حسم بالفعل، دفع بيتسو موسيماني بمحمد شريف منذ بداية المباراة، ليكون أحد العناصر القليلة التي شاركت في تشكيل النادي الأهلي الأساسي، وأثناء المباراة، حصل النادي الأهلي على ركلة جزاء، سددها محمد شريف، وكانت آخر أهدافه في الدوري المصري، وبها تصدر قائمة هدافي الدوري بـ 21 هدفًا خلال الموسم.

ويسبق الكابتن طه إسماعيل بهدف واحد، والذي حصد لقب هداف الدوري في موسم (1962-63)، ويتخطى حسام حسن الذي سجل 15 هدفا في موسم (1998-1999)، بـ 6 أهداف.

ويختتم موسمه في دوري (2020/ 2021) وهو يحمل لقب ثاني هدافي الدوري - التاريخيين بالنادي الأهلي، في موسم واحد.. ويمنحه جماهير النادي الأهلي ومعلقي المباريات الكثير من الألقاب، أبرزها الحريف والمخيف والأفندي، وغيرها..