حمادة إمام.. أسطورة بيضاء لم تلوثها الكرة (بروفايل)
كتب- محمد مهدي:
قبل أيام من مباراة فريقي النادي الزمالك والأهلي تحت 20 سنة، في نهائي بطولة كأس مصر 1959، كان الجميع داخل القلعة البيضاء يبحث عن لاعب شاب اسمه محمد يحي الحرية إمام، لم يتجاوز عمره 18 سنة، لكن "حرفنته" ذاعت بين أبناء جيله من الناشئين، نظرًا لقدراته غير العادية داخل الملعب، غير أن إدارة النادي أصيبت بصدمة عندما اكتشفت وجوده في فلسطين مع والده، لتبدأ الحيل في كيفية الوصول إليه بأقصى سرعة للحاق بالمباراة، على أمل أن يحمل الراية البيضاء أمام الغريم التاريخي.
فتشت الإدارة في أدراج المسئولين عن حل سريع لاستقدام اللاعب وتجهيزه قبل المباراة، حتى ضاقت السُبل إلا التحدث مع المشير عبدالحكيم عامر، المعروف بولعه بفريق الزمالك، ليأمر بإرسال طائرة حربية تنقل الشاب من غزة إلى القاهرة للاشتراك في مباراة الأهلي.
ساعات ووضع "إمام" أقدامه على ملعب "مباراة الحسم"، تلقى تعليمات المدير الفني في اللحظات الأخيرة، ثم اندفع إلى أرض الملعب، مطلقًا لنفسه العنان في رسم لوحات فنية ومهارية أعطت للزمالك 5 أهداف دفعة واحدة كفلت لفريقه الفوز بالكأس، وتُمهد له طريق التألق في عالم كرة القدم.
خلال سنوات قليلة، صار "إمام"- رغم صغر سنه- المهاجم الأول لنادي الزمالك، وكابتن الفريق لسنوات عديدة، وجوده في أرض الملعب يُعطي الثقة لزملائه. لمساة قليلة في مقابل حركة سريعة جعلت منه "أشرس المهاجمين"، يهابه المدافعين، ويخشاه الحراس، فالكرة "لينة" عنده، لا فرق لها بين ركلة القدم وتسديدة الرأس، حتى وضعت جماهير الزمالك رهانها على "إمام الموهوبين" في العبور إلى حصون المنافسين.
مباراة الزمالك ووست هام الإنجليزي عام 1966، إحدى المبارايات الخالدة في تاريخ النادي الأبيض، شنّ الفريق المصري هجمات شرسة على خصمه منذ بداية المباراة، في الدقائق الأولى تقدم اللاعب طارق عفت من كرة في منطقة وسط الملعب، أرسلها إلى عمر النور، اتجه الأخير ناحية اليمين ليمررها إلى حمادة إمام، تسلم الكرة، وقف لأقل من الثانية مراوغا الحارس الذي سقط من المفاجأة، قبل أن يودعها "إمام" داخل الشباك محرزًا الهدف الأول من 3 أهداف سكنت شباك الضيف الإنجليزي.
لم تكن المهارات الفنية وحدها مفتاح وفوزه بـ 3 بطولات دوري و4 كأس، هم بوابة "إمام" للشهرة والنجاح حيث عُرف عنه احترامه الشديد لجمهوره وزملائه ومنافسيه، لم يتورط في وقائع مشينة، أو يسب أحد، يميل إلى التعامل الجيد مع الجميع، التزم في الملعب فاحترمه الحكام فلم يُشهر في وجهه أي بطاقة "صفراء" ولم يتعرض للإقصاء في أي مناسبة كروية. يقول "إمام": "والدي كان بينصحني لازم أكون كويس مع الناس مهما انتقدتني.. وأقدرهم زي ما بيقدروني".
بعد مسيرة حافلة في المستطيل الأخضر، أعلن "إمام" اعتزاله في عام 1975، ليندمج في العمل الإداري بإتحاد الكرة، قبل أن ينضم إلى كتيبة التعليق في مصر، ليبذغ اسمه سريعًا كواحد من المعلقين الكبار، ينتظرهم الجمهور في المباريات الكبرى، له "قفشاته" المميزة، لغته الخاصة، وزرعه لأفكار متعلقة بكرة القدم خلال حديثه مع مستمعيه "مهم يكون المعلق بيحب الموضوع، يعرف معلومات كتيرة، بيفهم في خطط اللعب الجديدة، وكلامه يبقى عفوي مش كله مكتوب ومتحضر".
الاحترام هو الصفة التي لازمت "إمام" منذ كان لاعبا حتى دخوله في "الميديا"، يوجه جمهور بلطفه إلى العادات السليمة في التشجيع"دايما نحب نتكلم عن النماذج الجيدة برة عشان الجماهير تقلدها هنا، ومنحملش اللاعيبة فوق طاقتها لأن الكرة مكسب وخسارة".
الأمر يبدو كسلوك يرسخه "إمام"، حيث حاول اللاعب الكبير غرس نفس المفهوم في أبنائه، يذكر حازم إمام أحد المواقف الكاشفة عن عشق والده للاحترام قائلا:"مرة في 1996 كنت لسه صغير والزمالك كان هيرفض عرض جالي من إيطاليا، وفيه ماتش موقفتش وأنا بسلم رئيس النادي، أبويا لما عرف زعق لي، وقالي الأصول تتعامل بأسلوب أفضل..كان بيفهمني أهمية الاحترام والتقدير".
لم يكتفِ "إمام" بالظهور على شاشة التلفزيون كضيف أو بصوته كمعلق، ظهر كمقدم لبرنامج خاص بتحليل أهداف الدوري المصري والأوروبي أسبوعيًا على التلفزيون المصري تحت اسم "أهداف الأسبوع مع الثعلب".
خلال برنامجه يمارس متعة التعليق بشكل آخر، يمنح مشاهديه المعلومة والتحليل بأسلوب واضح وبسيط، دون تدخل في وجهة نظر المديرين الفنيين، يبتعد عن الإساءة للاعبين في حالة الأخطاء الفادحة، يلتمس لهم الأعذار، وينسى أنه على الهواء مباشر حينما يرى لعبة حلوة، ينفعل كمشجع أفنى عمره من أجل الساحرة المستديرة.
في أغسطس 2015، زار "إمام" مقر الزمالك لدعمه، بعد فوزره بالدوري، أعلن أنه لا يتأخر عن ناديه، يقف بجواره في السراء والضراء رغم السن، يدعم من يرأسه طالما يتقدم به نحو النجاح، يُشيد باللاعبين ويشد من أزرهم، يقول إنه يرى فيهم مستقبل مبشر للقعلة البيضاء.
منذ بضعة أيام تعرض الثعلب إلى وعكة صحية ألمت به، انتقل على إثرها إلى أحد المستشفيات قبل أن يعود إلى منزله بالأمس، وفي الساعات الأولى من صباح اليوم السبت، فاضت روحه إلى بارئها، تاركة سيرة عطرة وتاريخ مشرف لا يُنسى.
فيديو قد يعجبك: