إعلان

حديث ومعنى (16): "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ"

02:28 م السبت 09 مايو 2020

مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية

كتب ـ محمد قادوس:

يقدم مركز الأزهر العالمي للرصد والافتاء الالكتروني (خاص مصراوي) تفسيرا ميسرا لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة والتي تتعلق بالصيام وشهر رمضان المبارك.

ورد عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، «وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» (متفق عليه، واللفظ لمسلم).

وجاء في تفسير مختصي المركز لمعنى الحديث النبوي الشريف، أن هذا الحديث الشريف يُبَيِّنُ فضيلة الصوم، وأن له خصوصية من بين العبادات والطاعات، فكل طاعة تُجْزَى بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ثم تضاعف إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، أما الصوم فيُوَفَّى صاحبه الأجر من غير حساب، مصداقًا لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، والصوم نصف الصبر، ولقد فُضِّلَ الصومُ على غيره من العبادات؛ لأنه لا يقع إلا خالصًا لله وحده، فهو عبادة بين العبد وربه، ولأنه صفة من صفات ملائكة الله، فهم لا يأكلون، ولا يشربون، ولا يتناكحون، ولأنه محاربة شاقة لشهوات البطن والفرج اللذين هما أقوى عوامل ونوازع الشر في الإنسان.

وإذا كان الصوم بهذه الفضيلة فكيف نصونه من المؤثرات الضارة بجزائه، هنا يصف لنا الحديث الشريف وسائل الوقاية «إذا أصبح أحدكم يومًا صائمًا فلا يرفث»، أي لا يفحش في قول أو فعل، ولا يصدر منه السخافات والحماقات «ولا يجهل»، أي ولا يفعل فعل الجاهلين من السباب والشتم والأذى، والجهل خلاف الحكمة وخلاف الصواب من القول والفعل، «ولا يسخب»، أي ولا يرفع صوته بفظاظة، «فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله»، أي تعرض للسب، والمشاتمة، والمقاتلة، فلا يرد عليه بالمثل، وليضبط أعصابه، وليكظم غيظه و«ليقل» في نفسه كيدًا لشيطانه وبلسانه ردعًا لخصمه: «إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، فلن أرد عليك لئلا أعكر صومي، «إني صائم» سأكظم غيظي، وأعفو عنك لأنال الأجر، ومثوبة الكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، «إني صائم» وسأقابل الإساءة بالإحسان؛ لأن الله يحب المحسنين، وهكذا يمسك الصائم عن المحرمات يمسك جوارحه به، يمسك عن إرادة الشر نفسه، فيُنَقِّي صيامه مما يُكَدِّرُ أجرَهُ وثَوَابَهُ.

فإن شتمه إنسان فلا يكلمه، وإن سابه أحد أو جادله، وإن امرؤ جهل عليه وهو صائم فليقل: إني صائم، ولا يشتمه ولا يسبه، وإن كان قائمًا فليجلس.

وقوله: «إني صائم»، «إني صائم» يقوله كلامًا لسانيًّا، ليسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالبًا، أو قد يكون المراد به كلامًا نفسيًّا، أي يحدث به نفسه، ليمنعها من مشاتمته، وكلا المعنيين حسن، فالقول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسنًا، وقيل: إن كان في رمضان فليقل بلسانه، وإن كان في غيره فليقله في نفسه، احترازًا من الرياء، وقيل: إن ذكرها مرتين يُرَادُ به أن يقول مرة بقلبه، ومرة بلسانه، فيستفيد بقلبه كف لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كف خصمه عنه، والمراد على أي حال أن لا يعامله بمثل عمله.

وقوله عز وجل: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي» الإضافة إلى الشريف تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله مع أن البيوت كلها لله، ولا يفهم من هذا التخصيص في مثل هذا السياق إلا التعظيم، وقوله: «وأنا أجزي به» بيان لكثرة ثوابه؛ لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظمته وسعته.

وقوله: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» محمول على المجاز والاستعارة؛ لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه، وتنفر من شيء فتستقذره، والله تعالى متقدس عن ذلك، لكن جرت عاداتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك في الصوم، لتقريبه من الله تعالى، ويكون المعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي يقرب إلى الله أكثر من تقريب المسك إليكم، فهو كناية عن رضا الله عنه وقبوله لصومه.

وقيل: يجازيه الله تعالى به في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك، كما جاء في جرح الشهيد ودمه، يكون اللون لون الدم والريح ريح المسك، فالمعنى تكون رائحة صاحب الخلوف بين الخلائق يوم القيامة أطيب من ريح المسك.

وقيل: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك.

وقيل: رائحته عند ملائكة الله - في الدنيا - أطيب من رائحة المسك عندنا، وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه.

ومن المعاني المحتملة السابقة كان الخلاف بين العلماء، وسببه: هل هذا إخبار عن حاله في الدنيا؟ أو عن حاله في الآخرة؟ أو عن حاله فيهما؟.

ومن الثناء على خلوف فم الصائم أخذ السادة الشافعية كراهة السواك للصائم بعد الزوال؛ وذلك لأنه يزيل الخلوف الذي هذه صفته وفضيلته، وإن كان السواك فيه فضل أيضًا، لكن فضيلة الخلوف أعظم، كما أن دم الشهداء مشهود له بالطيب، ويترك له غسل الشهيد مع أن غسل الميت واجب، فإذا ترك الواجب للمحافظة على بقاء الدم المشهود له بالطيب فترك السواك الذي هو ليس واجبًا للمحافظة على بقاء الخلوف المشهود له بذلك أولى، وكره السادة المالكية السواك الرطب للصائم، باعتبار ما يخشى منه أن يتحلل من رطوبته شيء في الفم، ورد عليهم بالمضمضة، إذا قذف ماءها فإنه لا يضره بعد ذلك أن يبتلع ريقه، وأما الجمهور فعلى عدم كراهة السواك للصائم؛ لعموم الأحاديث التي تحث على السواك، والتي لم تفرق بين صائم ومفطر، ومنها ما جاء في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب».

ومعنى قوله: «وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» أن فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه، وتذكر نعمة الله عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته، وسلامتها من المفسدات، وما يرجوه من ثوابها، ولا مانع شرعًا من أن يكون سبب فرحته عند فطره دنيوية بإباحة المطعم والمشرب الذي حرم عليه من قبل، فتكون فرحة الجائع والعطشان عند الأكل والشرب.

وقد اختلف العلماء في معنى قوله: «إلا الصيام فإنه لي» مع كون جميع الطاعات لله تعالى، فقيل: سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به، فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبودًا لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة، والسجود، والصدقة، والذكر، وغير ذلك، وقيل: لأن الصوم بعيد من الرياء لخفائه، بخلاف الصلاة، والحج، والغزو، والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة، وقيل: لأنه ليس للصائم ولنفسه فيه حظ، ويؤيده حديث: «يدع شهوته وطعامه من أجلي»، وقيل: إن الاستغناء عن الطعام من صفات الله تعالى، فالإضافة إلى نفسه لتقرب الصائم بما يتعلق بهذه الصفة، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء، كأن الله يقول: إن الصائم يتقرب إليَّ بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي، وقيل: إن الصائم يتقرب بصفة من صفات الملائكة، وقيل: إن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله، إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير، ويشهد له رواية: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف». قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به»، أي أجازي عليه جزاء كثيرًا من غير تعيين لمقداره.

وكل ما ذكر من هذه الأقوال تلمس للحكمة، ولله تعالى أن يفضل ما شاء من العبادات على بعض، وله في ذلك حكمة قد لا نعلمها وهو أعلم، جل شأنه.

ما يُسْتَفَاد من الحديث:

1- فضيلة الصوم، وبيان ما أعده الله للصائمين من ثواب.

2- ينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشتم.

3- الصيام سترة ووقاية من المعاصي في الدنيا، ومن النار في الآخرة.

4- فضيلة خلوف الصائمين، وأنه أطيب عند الله من ريح المسك.

5- لطف الله بعباده، والتيسير عليهم، وعظيم فضله على العمل القليل.

6- جواز الحلف من غير استحلاف.

7- معرفة الحديث القدسي والإلهي والرباني، وأنه مضاف إلى الله، ومروي عنه.

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان