رغم قرون السقوط.. الأندلس تُبقي على رائحة رمضان

كتب – هاني ضوه:

ارتبط شهر رمضان المبارك ارتباطًا كبيرًا مع الأندلس -إسبانيا حاليًا- وذلك منذ اليوم الأول لهذا الفتح العظيم لتلك البلاد والذي استمر لثمانية قرون، حيث دخل الإسلام إلى الأندلس في أول يوم من أيام شهر رمضان سنة 92 للهجرة، سنة 711م.

الأنْدَلُس أو الأنْدُلُس، معروفة في الخطاب الشعبي الغربي خُصوصًا والعربي والإسلامي أحيانًا باسم «إسبانيا الإسلاميَّة» أو «أيبيريا الإسلاميَّة»، وهي إقليمٌ وحضارةٌ إسلاميَّة قامت في أوروبا الغربيَّة وتحديدًا في شبه الجزيرة الأيبيريَّة، على الأراضي التي تُشكِّلُ اليوم إسبانيا والبرتغال.

ورد في قاموس المعاني أنَّ كلمة «أَندَلُس» و«الأنْدَلُسِ» أصلُها بربريّ، وقد اقتبسها العربُ من الأمازيغ بفعل العشرة والاختلاط والتزاوج بين الطرفين في بلاد المغرب. وقيل: «أَندَلُس: بِلادُ جَنُوبِ إِسْبانِيا، وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي أَطْلَقَهُ العربُ عَلَيْها حِينَ فَتَحوها سنة 711م الموافق 92هـ، واسْتَقَرُّوا فِيها إلى غايَةِ سنة 1492م الموافق 897هـ أَهَمُّ مُدُنِها غَرْناطَة وإِشْبيلية وَقُرْطُبَةُ. وقد عَرَفَتِ الحَضارَةُ العَرَبِيَّةُ أَوْجَها في بِلادِ الأنْدَلُسِ.

بدأ فتح الأندلس، حيث أرسل القائد موسى بن نصير سريةً تتألف من أربعمائة مقاتل، ومائة فارس يمتطون مائة من الخيل العربية الأصيلة، يقودها القائد طريف بن مالك، واندلعت معركة في جزيرة بالوماس المسمّاة حتى الآن باسم جزيرة "طريف" نسبة إلي القائد المسلم. فكان أول يوم من رمضان بداية لحدث من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي؛ ألا وهو فتح بلاد الأندلس، وبعدها توالت انتصارات المسلمين في الأندلس وفتح مزيد من البلدان في رمضانات متتالية حتى استتب الحكم الإسلامي فيها خالصًا لثمانية قرون.

ويتفق المُؤرخون والباحثون أنَّ الفتح الإسلامي لِلأندلُس كان خيرًا على تلك البلاد، إذ انتشلها من الفوضى والتنازُع السياسي وأحدث فيها ثورة اجتماعيَّة، وقضى على مساوئ العهد القوطي التي كانت البلاد ترزح تحته مُنذ عدَّة قُرون.

بعد أن سقطت الأندلس لم يغب عنها الإسلام إلا في فترات زمنية محددة، حيث محاكم التفتيش حينها، إلا أن العادات الإسلامية وارتباط إسبانيا بها حاليًا لا يزال لصيقًا، خاصة فيما يتعلق برمضان.

والأندلس تحن إليها قلوب المسلمين وهو ما جعل إسبانيا الآن أكبر البلدان الأوروبية التي تحتوي على مهاجرين مسلمين حيث يزيد عددهم على المليون مسلم، وهو ما دعا الحكومة هناك إلى توفير بعض الامتيازات للمسلمين، حتى لا يشعر ممن يعيشون في إسبانيا بفجوة كبيرة متمثلة في طقوس وشعائر إسلامية يجب إتباعها وبين قوانين دولة جاءوا للعيش بها، قامت الحكومة الإسبانية واللجنة الإسلامية الإسبانية، بتحديد إجازة المسلمين العاملين يوم الجمعة من كل أسبوع، كما تقدموا بطلب للانتهاء من العمل في شهر رمضان قبل الغروب بساعة.

ولشهر رمضان في إسبانيا عادات ثابته ومتجذرة منذ الفتح الإسلامي للأندلس، ويظهر جليًا خاصة في مدريد وبرشلونة وسبته وجزر الكناري، حيث اعتاد المسلمون في خلال هذه الأيام عقد اجتماعات يومية في المساجد للإفطار وصلاة التراويح.

ليس ذلك فحسب، بل تقيم الدار العربية في إسبانيا بتنظيم "الليالي الرمضانية" التي يحتفل بها العديد من المدن الإسبانية، مثل مدريد ولاس بالماس وجزر الكناري، والتي يعرض فيها جميع مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك.

وهناك العديد من المؤسسات والمراكز في إسبانيا التي تشجع على الاحتفال بشهر رمضان مثل "المركز الإسباني - المغربي"، ومن مظاهر هذه الاحتفالات وجود محاضرات عن الفن الإسلامي والعادات والتقاليد التي تخص الدين الإسلامي والصوم.

أما المساجد في إسبانيا فتشهد إقبالًا كبيرًا خاصة في شهر رمضان والتي تصل إلى أكثر من 300 مسجد ومصلى على رأسها المركز الثقافي الإسلامي في مدريد الذي يعد أكبر مؤسسة ثقافية إسلامية في إسبانيا وأحد أكبر ثلاث مساجد هناك، ويضم مسجدًا بني على طراز مسجد قرطبة.

ويحظى الاحتفال في رمضان بأهمية خاصة في جميع المدن الإسبانية مثل مدريد وبرشلونة وكتالونيا، حيث تقطن العديد من المجتمعات الإسلامية. ويجتمع المسلمون هناك لتناول الإفطار، ويقومون بتنظيم لقاءات اجتماعية في المساجد.

ووفقاً لأحدث الإحصاءات يجتمع ما يزيد على 9 آلاف مسلم في مساجد مدريد في أول أيام رمضان لتناول الإفطار الذي قامت السيدات بتحضيره في منازلهن. وبعد الانتهاء من تناول الإفطار، يصبح المسجد مكاناً للاحتفال، حيث يحرص المسلمون في إسبانيا على تناول "الهريسة" والتمر كأطباق حلوة بعد الإفطار.

ومن العادات الرائعة المرتبطة برمضان في إشبيلية، حرص المسلمين على استقبال ليلة القدر بإشعال الشموع.

وفي كتالونيا، يبذل المجتمع الإسلامي قصارى جهده لتوفير أماكن أكثر للصلاة خلال شهر رمضان، نظراً لقلة عدد المساجد التي تكتظ بالمسلمين في هذا الشهر على نحو خاص، حرصاً على صلاة الجماعة والالتقاء بالمسلمين الآخرين.

المصادر:

- التاريخ الأندلسى من الفتح الإسلامى حتى سقوط غرناطة – الدكتور عبد الرحمن على الحجى

- نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب - للمقري التلمساني

- ويكيبيديا الموسوعة الحرة