كيف قدم "الزعيم" شخصية الصحفي خلال 35 عامًا؟
كتبت- نوران عاطف:
"العدالة ليها رجلين اتنين، إنها تنصف المظلوم وتعاقب الظالم.. إنتوا عايزين عدالة برجل واحدة بس".. جملة حوارية للمؤلف وحيد حامد، أداها الفنان عادل إمام في فيلم "الغول"، من إخراج سمير سيف الذي يعتبر من علامات مشواره الفني، ليعود "إمام" بعد 35 عامًا لتقديم الصحفي مرة أخرى، لكن من خلال شاشة التليفزيون وخوض سباق الدراما الرمضاني بمسلسل "عوالم خفية".. فكيف اختلف أداء "الزعيم" بين أداء الشخصيتين وأدوار أخرى كان فيها للصحافة مع عادل إمام دور البطولة.
في "الغول" قدم "إمام" شخصية الصحفي "عادل عيسى" الذي يعمل على كشف ملابسات قضية قتل عازف فقير، الجاني فيها ابن رجل أعمال معروف، يحاول إخراج ابنه من عقوبة الجريمة، بإخفاء الشهود وتعويض أهل المجني عليه. وفي "عوالم خفية" يلعب دور هلال كامل، صحفي التحقيقات المعارض، الذي يعمل على كشف غموض سلسلة من جرائم الفساد، عن طريق مذكرات فنانة راحلة، وقعت بين يديه مصادفة.
قدم عادل إمام خلال مشواره الفني شخصية الصحفي خمس مرات، آخرها في "عوالم خفية"، وأولها في فيلم "سبع أيام في الجنة" عام 1969، ثم فيلمي "الخدعة الخفية" و"البحث عن المتاعب" عام 1975، لكن ثالثها انتمى لنوعية الأفلام الخفيفة والكوميديا الخالصة، ولم تكن مهنة الصحافة ودورها في حد ذاته صلب تلك الأعمال، لذلك كان "الغول" الذي قدمه "الزعيم" عام 1983 في مرحلة تألقه ونضجه الفني هو الأجدر بالدخول في مقارنة مع ما يقدمه الزعيم ذلك العام.
عن الشخصية الرئيسية بالعملين توضح الناقدة ماجدة خير الله لـ"مصراوي" أن الصحفي بـ"الغول" هو شاب يستفزه موقف بعينه، حيث الصراع بين طرف قوي -سلطة فهمي الكاشف- وطرف ضعيف –مقتل العازف البسيط، إحساسه الشخصي طاغٍ على قضية الصحافة، فلم نره على سبيل المثال يلجأ لرئيسه ليبلغه بالعمل على تحقيق معين، إنما يتحول الأمر لقضية تخصه، فتأخذ الأحداث شكل المغامرة والحركة، في حين أن "هلال كامل" هو صحفي ذو اسم ومكانة وثقل، يسعى خلف الحقيقة بأدوات متعددة ومصادر توفرها له علاقاته وخبراته، لكن على جانب آخر يرى الناقد طارق الشناوي، أن ذلك الدور كان يصلح لـ"عادل" منذ 35 عامًا، أما الآن فهو أكبر سنًا من الملاءمة له.
في أحد لقاءاته التليفزيونية أوضح الكاتب وحيد حامد أن فيلم "الغول" كان همًا شخصيا يطرح من خلاله مناقشة الانفتاح الاقتصادي غير المدروس وعواقبه التي نعاني منها حتى الآن، الأمر الذي كان من الممكن أن يُعرضه لـ"حبل المشنقة"، على حد تعبيره.
وبالرغم من أن الرقابة أجازت "الغول" كقصة وسمحت بتنفيذه إلا إنها أوقفت عرضه قبل أول حفلة له، وأعادته لدور العرض مرة أخرى، بعد اعتراضات واسعة وصلت لوزير الثقافة وقتها، ويحكي "حامد": "التقرير اللي اتكتب عنه بجهل قال إن الفيلم بيقلب الطبقات على بعضها"، وعن الوقعة نفسها يروي سمير سيف، مخرج العمل: "تقرير الرقابة كأنه مرافعة نيابة أمن دولة".
من ناحيته "عوالم خفية" لم يحمل قضية بذاتها لمناقشتها؛ إنما عمل على تقديم عدد من الشخصيات الأساسية ومشكلاتهم بتنوعاتها، وعدد آخر من الألغاز التي تكشف عدة قضايا فساد تتشعب فروعها بين شخصيات عامة أو مؤسسات بالدولة.
بحكم العصر لم يغفل "عوالم خفية" استغلال الوسائل التكنولوجية في التحقيق والعمل الصحفي على قضية مثل محركات البحث، الهواتف المحمولة، التصوير الفوري السريع، ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة لتعدد الفضائيات وبرامج "التوك شو"، والتي شكلت تغييرًا جوهريًا في عملية البحث أو إمكانية فضح الفساد بعام 2018، الأمر الذي اختلف تمامًا عن النصف الأول من الثمانينيات، عندما عجز "عادل عيسى"، بطل فيلم "الغول" عن تحقيق العدالة بالقانون، لجأ لتحقيقها بيده وقتل "فهمي الكاشف" الذي قام بدوره الفنان فريد شوفي، وتم تشبيه تلك النهاية وقتها بمشهد مقتل السادات، لاستخدام نفس رد فعله وهي جملة "مش معقول" بعد الهجوم عليه.
عن مشهد النهاية يروي وحيد حامد في حوار له مع الناقد أحمد شوقي: "المشهد ده تم تصويره بنادي الصيد، وأثناء تحضيرهم للمشهد جاءتني فكرة إضافة كتاب مارلو (قدر الإنسان)، فطلبت منهم الانتظار قليلًا وتوجهت من نادي الصيد لمنزلي، وأحضرت الكتاب ليمسكه عادل خلال المشهد.. هذه أمور تضيف قيمة وعمقًا للمشهد، ولا يقوم بها إلا المرضى بالحب، بحب السينما، وحب عملهم، وحب الإتقان، وأعتقد أن هذا ينطبق في الفيلم على مخرجه وبطله ومؤلفه".
في سياق متصل، يرى "الشناوي" أن عالم الصحافة بالمسلسل هو كله من الخيال، ولم ينجح في تقديم كواليس العمل الصحفي بشكل حقيقي، كما أن بعض التفاصيل تحمل مغالطات مثل أن يرشح الأمن الوطني "هلال كامل" الصحفي المعارض لرئاسة تحرير الجريدة، في حين أن رئيس التحرير الذي يقوم بدوره الفنان صلاح عبدالله هو أكثر مهادنة وأقرب للسلطة، فيما يشيد "الشناوي" بتوجه عادل إمام لجيل الشباب من المؤلفين –ورشة من 3 مؤلفين شباب كتبوا "عوالم خفية".
ومن جانبها ترى "ماجدة خير الله" أن العمل الفني ليس بالضرورة أن يلتزم بكل تفاصيل الحياة الواقعية، لكن ما يؤخذ على "عوالم خفية" هو اتخاذ وجهة نظر الدولة لدرجة مزعجة فيما يتناوله من قضايا، كأنه يسير على خطى شروط لجنة الرقابة بدقة، لدرجة مهاجمة الفن وتقديم شخصية مخرجة أفلام جريئة، على أنها تضر بأخلاق المجتمع، بحسب وصفها.
ما يقرب من ستين عامًا هي مسيرة الفنان عادل إمام الفنية، والتي أثبت خلالها أن القمة لا يتربع عليها صاحب الموهبة فقط، لكن من يمتلك الذكاء لمعرفة كيفية تقديم نفسه، والإصرار على الاستمرار برغم أي انتقادات، حيث كان رده في أحد الحوارات التليفزيونية عندما عرضت عليه المذيعة تعليق الصحفي جليل البنداري بعد أول ظهور له كممثل محترف بمسرحية "أنا وهو وهي" أنه وجه جديد يجب الانتباه له، فيما لا يزال متذكرا أحد النقاد الذي أثنى على جميع العاملين بالرواية بينما وصفه هو بـ"بقعة صفراء باهتة"، لكن "إمام لم يبال بذلك؛ فكانت تلك هي بدايته مع عدم الاكتراث بأي شيء سوى الدور الذي يقدمه واستقبال الجمهور له.
لذا فعادل عيسى وهلال كامل يحملان كل أوجه الاختلاف في القضية وصدقها وقيمتها ومدى الاهتمام بالتفاصيل، حتى تطورات الزمن، وربما مدى ثراء المرحلة الزمنية واختلاف نوعية القطاع العريض الذي يرغب "إمام" في مخاطبته، لكن يجمع بينها رؤية الزعيم خلال عمره الفني؛ وهي الرغبة في الشعبية والصدارة، سواء تحقق ذلك عن طريق من يمكن أن نطلق عليهم النخبة من صانعي الأفلام أو العامة منهم.
فيديو قد يعجبك: