هوارد راسك: الأب الروحى لعلم اعادة التأهيل
كتب- محمد منصور:
فى الوغى، يسقط القتلى، هؤلاء هم الأفضل حظًا، فالعائدون من الجحيم بإصابات؛ نفسية كانت أو جسدية، يظلون أبد الدهر فى معاناة، فالحرب بالنسبة للأشخاص الذين قتلوا أنتهت، فيما تظل معاناة المُصابين كابوس ترزح تحته أنفاسهم، فأطرافهم المُحطمة وأعضائهم التى سلبها القتال وأرواحهم التى لوثتها الحروب، أورثتهم ، ومجتمعاتهم، أعباء نفسية لا يُمكن محوها بالزمان.
داخل نقطة الرعاية الصحية بثكنة ''جيفرسون'' التابعة للولايات المتحدة الامريكية، وقف ''هوارد راسك''، رئيس الخدمات الطبية، أمام أحد الجنود العائدين بإصابة من إحدى معارك الحرب العالمية الثانية، استمتع الطبيب إلى شكوى الجندى الذى فقد قدماه فى المعركة، فـ''البطل'' لا يجد ما يُسليه داخل حجرته سوى عنكبوت ينسخ خيوطه على زاوية الحائط، وكلما طلب الجندى من الممرضات إزالة عش العنكبوت، يعود مرة أخرى ليبنى بيته من جديد. نظر ''هوارد'' إلى المكان الذى يُشير إليه الجندى، لتختمر الفكرة برأسه.. فلماذا لا يُضمد جراح الجنود النفسية كما يُرمم العنكبوت بيته؟
فى التاسع من أبريل عام 1901، وُلد ''هوارد'' بولاية ''ميزورى'' الأمريكية، حصل على شهادته الجامعية من جامعة الولاية عام 1923، ليتجه إلى دراسة الطب بجامعة ''بنسلفانيا''، عاد فى وقت لاحق إلى بلدته الأصلية ليلتحق بالعمل كطبيب باطنى بمستشفى ''سانت لوقا''، وفى عام 1930، كان لـ''راسك'' مكانة خاصة بالمستشفى نتيجة لجهوده المتميزة، وأصبح المسئول عن كتابة امتحانات القبول اللازمة لقبول الأطباء فى المجلس الطبى الأمريكى الذى كان حديث العهد وقتها.
مع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية عام 1942، غادر ''راسك'' الممارسة الطبية المدنية ليلتحق بسلاح الجو الامريكى برتبة ''رائد''، لينضم إلى ثكنة عسكرية بمدينة ''سانت لويس''، وهناك، بدء فى وضع برنامج واسع النطاق لإعادة تأهيل الجنود العائدون من الحرب بإصابات مختلفة، كما يُرمم العنكبوت بيته، الأمر الذى وضع أساسًا علميًا لما يُعرف الآن بـ''الطب التأهيلى''.
نجح برنامج ''راسك'' بشكل ملحوظ، لينشأ الجيش الامريكى فى وقت لاحق عدد من المستشفيات الخاصة بـ''النقاهة''، بدء العلم الذى وضع أساسه ''راسك'' فى الانتشار، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فكر الأب الروحى لبرامج اعادة التأهيل فى تطبيق علومه على المُعاقين.
كان ''هوارد'' مؤيدًا كبيرًا لإدماج المعاقين فى المجتمع والوظائف، وقاد حملة للتعريف بأهمية التأهيل الطبى ومدى مساهمته فى تطوير خدمات الصحة العامة كان شعارها ''الإيمان بإعادة التأهيل هو إيمان بالإنسانية''، وفى مثل هذا اليوم، الرابع من نوفمبر عام 1989، توفى ''هوارد راسك'' بعد أن نشر رسالته وساهم، إلى حد كبير، فى إزاحة الكوابيس عن كاهل اولئك الذين عادوا من الجحيم.. أو العائشون فيه.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: