إعلان

"لن أترك أصدقائي وأرحل".. مصورة في أوكرانيا تروي لمصراوي مشاهد من الحرب

07:31 م السبت 26 فبراير 2022

تصوير جايلي جيبريس

كتبت-دعاء الفولي:

تتذكر "جايلي جيربس" البداية جيدًا؛ حين وصلت الأخبار لمدينة ماريوبول الأوكرانية، أن الدُب الروسي سوف يضرب. تراص المواطنون أمام ماكينات الصرف الآلي، حُجزت جميع القطارات، من استطاع الرحيل بسيارته فعل، ظنّت المصورة الصحفية أن "القوات الروسية لن تعتدي على البلاد بوجود ألف صحفي على الأقل يوثقون ما يحدث"، لكنها كانت خاطئة؛ دقائق وبدأت التفجيرات.

منذ فبراير 2017 تُغطي المصورة الفرنسية النزاع على إقليم دونباس، طوال مدة عملها في أوكرانيا توقعت أن تأتي تلك اللحظة "ولست وحدي.. السكان هنا علموا دائما أن لحظة الحرب آتية، لكن الأسوأ أنهم شعروا بوحدة دائما.. كأن العالم تركهم ليواجهوا مصيرهم بمفردهم".

صباح الخميس الماضي، أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الضوء الأخضر لقواته لبدء عملية عسكرية موسعة في أوكرانيا، وذلك بعد أيام قليلة من قرع طبول الحرب في المنطقة، وكانت الخطوات الأولى هي ضربات صاروخية لمراكز قيادة الجيش الأوكراني فيما أعلن وزير خارجية الدولة المنكوبة إن ما جرى على أرض الواقع أكبر بكثير مما تم إعلانه من قِبل موسكو مؤكدا أنه هجوم واسع النطاق.
FMiUYyWXwAINtEb

"الناس يعيشون في رعب.. إنه كابوس حقيقي، خاصة لأولئك الذين حوصروا دون قدرة على الرحيل".تعمل المصورة الفرنسية في مجلة L'Obs بينما تغطي لصحف ووكالات أخرى، منها getty images والجارديان البريطانية.

عام 2014 احتدم النزاع في إقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا، بعد احتجاجات نظمها الانفصاليون المدعومون من روسيا ضد الحكومة الأوكرانية، انتهت بضم روسيا شبه جزيرة القرم، بعد أن كان تابعًا لأوكرانيا منذ عام 1991. وخلال القتال تمكن الموالون لموسكو من السيطرة على ثلث المناطق الحضرية في دونيتسك ولوغانسك؛ المدينيتين الأساسيتان بالإقليم فيما قُتل حينها حوالي 14 ألف شخص.

بعد الدقائق الأولى من الهجوم الروسي توجه المواطنون لمحطات المترو وأقبية الفنادق للاحتماء، مكثت المصورة الفرنسية هُناك بضع ساعات ثم قررت التحرك لمنطقة زابوريجيا جنوب شرق أوكرانيا "كلما مر الوقت بات الوضع أصعب.. لا أمل كبير للناس في العودة لمنازلهم"، أما هي، فتقابل صعوبات تقنية منذ اللحظة الأولى.

انصرف السائقون عن عملهم "بعضهم أخذ عائلته وهرب والآخرون في الملاجئ"، باتت حركتها أصعب "ليس بسبب التنقل فقط ولكن لأن المواقع التي يتم قصفها تزداد ما يجعل الجيش يطلب منا التراجع عنها"، في المقابل ثمة ضغوط نفسية جمة عليها "نحن نقوم بعملنا في التوثيق ونحاول مساعدة العائلات.. إنهم يسألوننا عن الأوضاع وماذا سيحدث ونحن لا نملك إجابات للأسف".
FMfwD6fVIAACcws

لُحسن الحظ لم تقع إصابات كثيرة في المنطقة التي تتواجد بها "جيربس"، لكنها لا تنسى فزع الأمهات داخل الفندق مع لحظات الضرب الأولى "أتذكر منهن سيدة لديها 3 فتيات.. أصغرهن في الثانية من عُمرها"، جاءت الطفلة تلعب مع المصورة بينما كانت شقيقتاها تلهوان، أعماراهما 5 و7 أعوام "وحينما نظرت للأم وجدتها تبكي على الهاتف وتتحدث لأحد وهي أم وحيدة، أشفقت عليها كثيرا وعلمت أنها حاولت الخروج من المدينة ولم تفلح"، تفرقت السبل بالمصورة الفرنسية والأم فيما بعد "أتمنى أن تكون هي والفتيات في مكان آمن الآن".

لا تستطيع "جيربس" فصل عملها عن مشاعرها الإنسانية "لدي هُنا أصدقاء وحياة.. لذا لا يمكنني تأدية عملي بلا قلب، الحيادية أمر مخادع قليلا.. فحين يُروع الأطفال أو تُقتل النساء يجب أن نتعاطف.. بالعكس، نقل ما يحدث ومدى سوءه هو عين الحيادية"، لا تعبأ صاحبة الـ46 عاما بما قد يحدث في الحرب لها "لا يمكنني فقط الرحيل وتركهم حين تحتدم الأمور".

تلك الحرب هي الأولى التي تغطيها "جيربس" بتفاصيلها. ففي عام 2006 بدأت التصوير"حينها ذهبت للحدود الصومالية لعمل قصة عن أباطرة المخدرات"، ورغم أن القصة انتهت بشكل سيء كاد يكلفها حياتها "لكني وجدت ضالتي في ذلك النوع من التغطيات"، بعدها شاركت في قصص صحفية من أماكن مختلفة، حتى استقرت داخل أوكرانيا.

منذ اشتعلت الأحداث "جهّزت أدواتي جيدا وقررت أن أغطي كل شيء دون تفكير في العواقب"، تحاول طمأنة أسرتها كل حين "فقط أقول إني بخير دون تفاصيل"، لا تملك وقتا للحديث باستفاضة ولا تريد إفزاعهم. ورغم أنها تلقت مئات الرسائل من أصدقاء "لم أستطع الرد على أغلبها"، لم تنل المصورة إلا 6 ساعات من النوم خلال اليومين الماضيين "حين نكون على الجبهة لا نفكر سوى في اللحظات القادمة، لا يعنينا نوم أو طعام أو راحة"، هيئت نفسها أن ذلك الوضع سيستمر لأشهر قادمة ربما "وأنا لست غاضبة من ذلك لأني أؤدي عملي وأحبه. ولكن ما يغضبني حقا هو ما قد يتعرض له الشعب الأوكراني من مآسي في المستقبل".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان