"متلازمة كورونا" تصيب "الفالنتاين" للعام الثاني.. و"رمضان" يقلص موسم تجارته
كتب- محمود عبدالرحمن:
غلاف- أحمد مولا:
خلال الأيام الماضية، طغت هدايا عيد الحب، على المعْروضات المتراصة أمام وداخل المحال بممرات حارة اليهود المتداخلة، وتنوعت أحجام وأشكال الهدايا التي يغلب عليها اللون الأحمر، وتباين زبائنها بين تجار التجزئة، وغيرهم من الراغبين في اقتناء هدايا مميزة من بين مئات الأنواع المحلية والمستوردة.
الحارة التجارية التي سكنها اليهود قبل خمسينات القرن الماضي، يرسم تضاريسها الجغرافية 360 زقاقا وحارة؛ ويطغى عليها الطابع التجاري، ويتجول بها يوميا الآلاف من تجار التجزئة، القادمين من محافظات مختلفة لشراء بضاعتهم، كان من بينهم محمد طه، الذي يمتلك محل لبيع الهدايا بمدينة بنها بمحافظة القليوبية.
بدأ محمد جولته بحارة اليهود، بالمرور على التجار الذين يتعامل معهم باستمرار "لأنهم بيعملوني كزبون دائم وبيكون ليا ميزة في السعر"، وينتقل إلى غيرهم وفقا لما تبقى من ميزانيته التي خصصها للشراء: "لازم أشوف الجديد اللي بينزل عند التجار التانية، علشان يكون عندي اللي يميزني عن غيري من المحالات في بنها".
عيد الحب بالنسبة لمحمد، رب الأسرة خماسية العدد "الأب والأم وثلاث أبناء"، يعتبر أحد المواسم التجارية، التي يخطط لاستفادة منها مادية، حيث يحرص على شراء البضاعة الخاصة بعيد الحب منذ 5 سنوات، هي عمر افتتاح محله لبيع الهدايا، ويستمر هذا الموسم معه لمدة 7 أيام، تنتهى مساء يوم 14 فبراير من كل عام، الذي يشهد الاحتفاء بعيد الحب محليا وعالميا.
يعتمد محمد أثناء شراء بضاعته على كميات محددة، وبانتهائها قبل قدوم يوم عيد الحب، يأتي مرة ثانية لشراء بضاعة إضافية: "مينفعشي زبون يجي يسأل على بضاعة وأقول خلصت أو مش موجود، لأنه هيروح يجيب من غيري"، ما يعني بالنسبة له كتاجر خسارة أحد زبائنه وربما إلى الأبد.
على غير المعتاد في هذا الموسم، تتشارك بضائع التجار بحارة اليهود بين هدايا عيد الحب، فوانيس وزينة رمضان الذي اقترب موسمه، وبدأ تجار التجزئة شرائها لعرضها لزبائنهم، ليتقاسم رمضان وعيد الحب معروضات المحال، كما فعل محمد حجازي، الذي خصص الجزء الأكبر من محله لعرض هدايا عيد الحب، وخصص مساحة محدودة لبضاعة الموسم الرمضان، حتي ينتهى الأول.
القلوب والدباديب تباع حاليا أكثر من فوانيس رمضان، كما يحدث في محل "حجازي"، لكن توافر منتجات الموسم الرمضاني، يراها التاجر الخمسيني ضرورة، لأن "الزبائن بتسأل عليها خاصة اللي جايين من المحافظات البعيدة زي مطروح وأسيوط"، فتردد هذه النوعية من الزبائن يكون على فترات متباعدة، ويشترون منتجات أكثر من موسم معا، على غير تجار التجزئة بالمحافظات القريبة، اللذين يترددون على الوكالة كل أسبوع أو أسبوعين.
تداخل الموسمين معا؛ يضر ببضاعة تاجر الجملة حجازي، وزبونه تاجر التجزئة محمد طه، ويتعاملان مع هذه الحالة باستراتيجية تجارية مختلفة، لتجنب الخسائر، "الكميات الكبيرة ممكن تقعد محدش يشتريها وتخسر عليا"، يقول حجازي.
ولذلك يضطران إلى تقليل كميات البضائع، وتقاسم رأس المال المتداول بين بضاعة الموسمين، خاصة في ظل حالة الركود التي يعاني منها كل منهما منذ انتشار وباء كورونا الذي تزامن الإعلان عن أول إصابة به في عيد الحب قبل الماضي، وتحديدا 14 فبراير 2020.
ومنذ ذلك الحين، يفرض الوباء تأثيره على تجارة محمد حجازي، "عيد الحب بكرة والبيع والشراء تقريبا مفيش"، في إشارة إلى اليوم الإثنين 14 فبراير. ويقارن التاجر الذي يمتلك محل ويعمل معه عدد من العمال، بين عملية البيع والشراء قبل الوباء وبعده؛ قبل كورونا كانت بضاعة عيد الحب تباع كلها، والزبائن تسأل عليها، "كان في ضغط شغل ومش بنام من البيع"، لكن حاليا البضاعة متراكمة، رغم تقليل الكميات إلى النصف.
يرجع التاجر صاحب الخبرة التي تتجاوز الـ 30 عاما في تجارة الألعاب والهدايا، حالة الركود إلى تبعات الوباء والظروف الاقتصادية التي تغيرت، وتعقدت على حد تعبيره، هو ما اتفق معه تاجر التجزئة محمد طه: "الأسعار مرتفعة عن السنة اللي فاتت، والناس تيجي تسأل على الأسعار وتمشي".
حالة الركود التي يشهدها سوق الهدايا، أرجعها علاء عادل، سكرتير شعبة الأدوات المكتبية والهدايا ولعب الأطفال بغرفة القاهرة التجارية، إلى ارتفاع أسعار المنتجات من 20 إلى 30% عن السنوات الماضية، وكذلك الظروف الاقتصادية التي فرضها فيروس كورونا على قطاع الاستيراد والتصدير، حيث انخفض بنسبة 20%، يقول عضو الغرفة التجارية: "كنا نستورد ما يقارب من 100 كونتينر في السنة من الصين"، ليتقلص في العام الحالي إلى 20 كونتينر، ويبلغ سعر الكونتينر الواحد 20 ألف دولار.
أمس الأحد، وقبل عيد الحب بيوم واحد، تتراكم مستلزمات وهدايا عيد الحب من الدباديب والقلوب وغيرهما من الهدايا، على أبواب محلات الحارة التجارية المشهورة، بينما قل الزحام المعتاد من المشترين، ووقف الباعة في انتظار من يشتري: "بضاعة السنة اللي فاتت وبضاعة السنة دي قاعدة" يقولها وائل مصطفى صاحب محل.
قبل شهرين من كل موسم، اعتاد وائل صاحب الـ43 عاماً، بتوجيه تعليمات للعاملين بالمحل لحصر البضاعة المتبقية بالمخازن، لتحديد الكميات التي يحتاجها واستيرادها من الصين، "في بضاعة بتكون موجودة عندنا من السنة اللي فاتت بنزود عليها"، مع شراء متطلبات الموسم القريب من الموسم الحالي مثل رمضان أو غيره: "يعني بجيب بضاعة عيد الحب ورمضان وأي مناسبة قريبة"، ليختلف هذا الأمر مع دخول فيروس كورونا الذي شل حركة الاستيراد "دلوقتي بشتري بضاعة كتير محلية عشان الاستيراد غالي والحال واقف".
"الأسعار عادي تزيد عشان تكلفة التصنيع"، يستكمل وائل، الذي تكبد خسائر، بسبب حالة الركود التي يشهدها السوق، بجانب تراكم الإيجارات ومرتبات العاملين يقول "الموسم اللي فات كان مضروب عشان كنا قافلين"، على أمل أن يعوض في الموسم الحالي، وهو ما لم يحدث بعد انتهاء الموسم دون ارتفاع المبيعات.
ارتفاع الشحن البحري بعد ارتفاع الوقود في العديد من الدول ومنها الصين؛ كان سببا أخر في ارتفاع الأسعار، وفقا لسكرتير شعبة الأدوات المكتبية ولعب الأطفال بالغرفة التجارية، حيث يستورد 80% من البضائع المستوردة من الصين، "الحاوية كانت تيجي بـ 2000 دولار دلوقتي بـ 10 آلاف دولار"، مما دفع أغلب المستوردين إلى الاعتماد بنسبة أكبر على المنتج المحلي، لكن التصنيع المحلي ارتفع سعره أيضا بسبب العمالة والمواد الخام"، وفقا علاء عادل.
"بضاعة رأس السنة مبعتش ربعها ومركونة بالمخازن"، يوضح هاشم سعيد، الذي يعمل في مهنة بيع مستلزمات الأعياد منذ 15 عاماً، حالة الركود وقلة البيع، هو ما أجبره على تخفيض الأسعار، لتجنب تحمل تكلفة تخزين البضائع لموسم العام القادم.
سعر الدبدوب يبدأ من 20 جنيها ويصل 150 جنيه، على اختلاف الخامة والاحجام، للمنتج المحلي، بينما المستورد يبدأ من 50 جنيها وحتى 800 جنيه.
"الناس من كتر الخسائر بقت تجيب شغل قليل"، يقولها سعد دسوقي، صاحب إحدى المحلات، الذي يستعد خلال الأيام المقبلة، بعد انتهاء موسم عيد الحب بالترتيب للموسم الرمضاني من طلب كميات من الفوانيس من المستوردين تمهيدا لبيعها، يقول: "عندي بضاعة قديمة ومفيش فلوس أجيب شغل بس لازم أفرش"، لذا يحاول تدبير أي الأموال لشراء بضاعة جديدة وتنويعها مع القديمة.
فيديو قد يعجبك: