إعلان

سفراء الحرية".. نُطف النضال النامية في الرحم الفلسطيني" (تقرير)

06:15 م الإثنين 31 يناير 2022

الأسير وليد دقة

كتبت-آلاء يوسف:

في صباح الاثنين 3 فبراير 2020، وداخل إحدى مستشفيات مدينة الناصرة تستلقي الصحفية الفلسطينية سناء أحمد سلامة، زوجة الأسير وليد دقة الذي غيبته قضبان الاحتلال منذ 35 عام، تحتضن مولودتها "ميلاد".

مشهد تناقلته وسائل الإعلام الفلسطيني، متفاخرة بانتصار الأسير وليد دقة على الاحتلال؛ إذ استطاع وزوجته عن طريق "النطف المحررة" انتزاع حقهما في رؤية ذريتهما، كما انتزعا منذ 22 عامًا حق الاحتفال بزواجهما رغم قضبان الأسر.
ص 1

يقول رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شئون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، عبد الناصر فروانة، إن فكرة تهريب النطف وزراعة الأنابيب نوقشت بخجل وبصوت باهت في أوائل تسعينيات القرن الماضي، في أوساط مجموعة صغيرة من الأسرى من ذوي الأحكام العالية، ولاقت حينها قبولاً لدى بعض الزوجات.

ويؤكد أن عدد أطفال النطف المحررة "سفراء الحرية" منذ 2012 بلغ 101 طفل، لـ 71 أسير فلسطيني خاضو التجربة ونجحوا فيها، لافتًا إلى أن الكشف عن آليات وطرق التهريب، يخدم الاحتلال الذي يسعى لإيقافها بشتى السبل، لاسيما وأنها تتم بعيدًا ورغمًا عنه، فلا يستطيع إيقافها أو التدخل فيها.

وعن احتمالية تبديل النطف، يقول: "التهريب يتم عبر ناقل ذي ثقة، يدلي بالقسم أمام الشهود في الأسر، ولا تُنقل أكثر من نطفة في وقت واحد، وتتم عملية التخصيب، بعد إعلام أهل الزوج والزوجة، ثم فحص DNA".

و"في الوقت الذي يُعاقب فيه الطفل من قبل الاحتلال، يعيش في حاضنة اجتماعية ووطنية في المجتمع الفلسطيني، الذي ينظر لقضية الأسرى بشيء من القدسية، وهو تحديدًا ما يفسر حالة الغضب من فيلم أميرة"، يقول فراونة عن نظرة المجتمع تجاه القضية.

فيلم أميرة هو فيلم أردني من إخراج المصري محمد دياب، أثار جدلًا في ديسمبر الماضي بسبب ما قيل إنه "إساءة للأسرى وذويهم ولأبنائهم المولودين بتلك الطريقة"، وكانت المملكة الأردنية قد اختارت الفيلم لتمثيلها في الأفلام الطويلة بالأوسكار ولكن بعد حالة الغضب تراجعت عن القرار.

يمثل طفل النطفة المحررة صفعة حقيقية على وجه الاحتلال، لذلك يواجه إجراءات انتقامية تبدأ بعدم الاعتراف بشهادة الميلاد، أو الإقرار بنسبه لأبيه الأسير، مرورًا بمنع الزيارات والسفر، وانتهاءً بالتنكيل بوالده، ومنع الزيارات عنه، وعزله، ونقله لسجن آخر في بعض الأحيان.

"لن أنسى أول لقاء بين وليد دقة وابنته ميلاد التي لم تستطع رؤيته إلا بعد عام ونصف؛ طلب مني أن تأتي إليه ماشيه حتى يراها، وألا أخبرها من أبيها حتى تعرفه بين الأسرى؛ يومها هرولت ابنته إليه، لكنه لم يستطع الوقوف من الانهيار، كانت لحظة مؤثرة تغمرها مشاعر الفرح والانتصار". بهذه الكلمات تحكي سناء أحمد سلامة، قصة نضالها مع زوجها الأسير وليد دقة، التي تكللت بمجئ الطفلة "ميلاد" عن طريق النطف المحررة، وتتابع:"استطاع الأسير وليد دقة الانتصار على الاحتلال من خلف القضبان، فبالرغم من أسره منذ عام 1986 إلا أننا أتممنا خطبتنا، وزواجنا، ولم نتوقف عن محاولات الإنجاب منذ عام 2012، حتى رُزقنا بها.

ص 2

يوضح استشاري الجراحة النسائية والتوليد، ورئيس مجلس إدارة ومدير عام مركز رزان الطبي التخصصي لعلاج العقم وأطفال الأنابيب.الدكتور سالم أبو خيزران، أن الفكرة تولدت في أذهان الحركة الأسيرة منذ 2001م، واستمر بحثها حتى 2003؛ بعد الحصول على فتوى بإجازتها من دار الإفتاء الفلسطينية وفق شروط معينة.

وباعتباره أول طبيب يجري العملية في فلسطين، يقول: "بالرغم من إجازة دار الإفتاء للعملية، إلا أننا احتجنا غطاء سياسي وشعبي لتقبلها مجتمعيًا، وقد اجتمعت الفصائل بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتم تسجيل أول عملية تجميد للحيوانات المنوية في 2005م".

ويكمل: "أول مولود كان في فبراير 2012م، تأخرنا خوفًا من الرفض المجتمعي؛ ونظرًا لأهمية العملية اجتماعيًا وسياسيًا، كانت أول ولادة لطفل نطفة محررة بحضور وزيرين فلسطينيين، وزير الصحة ووزير الأسرى".

وعن الموقف الشعبي يؤكد خيزران أن الطواقم الطبية والفصائل السياسية فوجئت بحالة الاحتضان والتقبل الجماهيري لهذه التجربة، معتبرين أنها بمثابة صفعة على وجه الاحتلال، وإفشالٍ لمخططه في حرمان الشعب الفلسطيني من الذرية".

ويوضح استشاري الجراحة النسائية والتوليد، ورئيس جمعية الخصوبة الفلسطينية، الدكتور عدوان البرغوثي، أن محاربة الشعب الفلسطيني في ذريته يبدأ من زمن طويل، لافتًا إلى أن مرحلة الانتفاضة الثانية شهدت محاولات من الشباب المطارد لتجميد حيواناتهم المنوية، والتوجه لاستخدام هذه الوسيلة مع زوجاتهم، مضيفًا "معظم هؤلاء الشباب تعرضوا للأسر فعلًا، وصدق هاجسهم، إلا أن ذرياتهم استمرت، فالأسير الفلسطيني بقضية "النطف المحررة"، يثبت للاحتلال قدرة الشعب على ابتكار الأفكار التي جعلت حتى من الطب سلاحًا، لتحرير الأجيال والذريات المقبلة".

"تهريب النطف من السجون ينجح بصعوبة، وفي أوقات كثيرة تصل العينة فاسدة بعد موت كل الحيوانات المنوية فيها، لأن مدة صلاحيتها لا تتجاوز 36 ساعة".. يقولها البرغوثي موضحًا رحلة مجئ سفراء الحرية. وفيما يتعلق بادعاءات احتمالية الاستبدال، يوضح أن العملية لا تتم إلا بحضور شاهدين من أهل الزوج، وشاهدين من أهل الزوجة، ويتم التوقيع على أن العينة تخص الأسير، ثم يتم فحص العينة للتأكد من صلاحيتها لاستكمال الإجراءات.

ويعتبر البرغوثي أن الهدف الأساسي للطب ودوره الرئيس هو خدمة الناس، لذلك بحث الأطباء في فلسطين سبل التغلب على محاولات الاحتلال وأد الأجيال المقبلة، مشيرًا إلى أن القضية أضافت السبب السياسي لإجراء عملية أطفال الأنابيب. ويتابع: "حل هذه الإشكالية يخفف الألم عن أسرانا، فالدفعة المعنوية للأسير تكون كبيرة جدًا؛ عندما يستطيع استكمال حياته، ورؤية أبنائه، كما يعزز صمود المرأة الفلسطينية التي لها الدور الأكبر في مساندة القضية".

"الطب في فلسطين يعمل بطريقة وطنية ونضالية، بمواجهة انتقام الاحتلال تجاه الشعب حتى فيما يتعلق بالعمليات البيولوجية الطبيعية، ويظهره في صورته الحقيقة كمُعادٍ للطفولة والإنجاب" يقولها معلقًا على تداخل دور الطب في المقاومة، وبنبرة صارمة يؤكد "لا يمكن أن نسمح لأي شخص التشكيك في هذا الموضوع، لأن له ضوابط علمية وشرعية، للتأكد من العملية بشكل صحيح.

تحكي سناء تعرضها لمنع الزيارة والمضايقات من قوات الاحتلال التي تعمدت إيذائها بالرغم من اضطرارها لإخبارهم بحملها تجنبًا للمرور بأجهزة التفتيش التي قد تضر بالجنين، فضلًا عن الانتقام من الأسير بعزله ومنع الزيارات عنه.

وبصوت واثق تؤكد أن الاحتلال لم يستطع حرمانهم من تسجيل الفتاة باسم أبيها، فلم تتوقف الأم عن إثبات حق ابنتها في الانتساب لأبيها عبر تحليل الـ DNA حتى انتزعت حقوقها كاملة. وتشدد على أنها لم تتعرض لأي رفض مجتمعي بولادة ابنتها، بل مثل مجيء "ميلاد" نجاحًا للحركة الأسيرة والشعب الفلسطيني بأكمله، واستمرارًا لنضال رجل من أقدم الأسرى في سجون الاحتلال. وتعتبر أن زوجها "وليد دقة" شخصًا استثنائيًا، فأكمل دراسته، وحصل على اللقب الأول واللقب الثاني مرتين في الدراسات السياسية والديمقراطية، وألف 3 كتب وهو خلف القضبان، استطاع من خلالها تجسيد فلسفة الزمن الموازي، وسر المقاومة "لقد أثبتنا بمجيئ ميلاد صدق مقولة وليد دائمًا: هم يصنعون الموت ونحن نصنع الحياة، فقضية النطف المحررة تظهر الوجه الحقيقي للقضية، والوجه الحقيقي لمحاربة الاحتلال للإنسانية".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان