لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"راوي".. قصة فريق يوثق تراث مصر في 7 آلاف سنة

01:08 م الخميس 27 يناير 2022

فريق التحرير

-مارينا ميلاد:

كيف كان زي المرأة المصرية بعد الفتح العربي بمائتي عام؟..

في محاولة التخيل؛ ربما تقفز إلى ذاكرتنا صورًا تخيلية مشوشة. لكن المحاولة لن تفلح حتى وإن اجتهدنا. فأغلبنا لا يعرف الكثير عن تاريخ الملابس في مصر؛ وأن السيدات والرجال واصلوا ارتداء الزي التقليدي للإمبراطورية البيزنطية، الذي يندرج تحته ما يسمى بـ"المنسوجات القبطية" بعد الفتح العربي بقرون، ولم تتأثر اختيارتهم بالزي الفضفاض المعتاد بالعالم الإسلامي.

حملت صفحات مجلة "راوي" تلك المعلومات؛ يرافقها صورة مٌصممة لهيئة سيدة من هذا الزمن؛ لتكون الأقرب إلى الحقيقة.

صورة 1 (1)

مجلة "راوي" - كما تحب أن تُعرفها مؤسستها، ياسمين الضرغامي - "هي دورية سنوية تحكي تاريخ وتراث مصر لمن لا يعرفونه".. كان هذا التعريف في ذهن "ياسمين" منذ قررت بدء مشروعها ورحلتها مع التاريخ في عام 2010.

قبل ذلك العام؛ كانت "ياسمين" تعيش خارج مصر طوال حياتها بحكم عمل والدها دبلوماسيًا قبل أن تعود لتدرس إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.. ظلت "ياسمين" تتلقى أسئلة طوال الوقت حول تاريخ بلدها، الفن، المباني، العادات وغيرها؛ وهو ما دفعها للتفكير في عمل شئ ما.

في البداية؛ استقر تفكيرها على إصدار كتاب يتحدث عن عمارة وسط القاهرة؛ ثم اتسعت الفكرة كثيرًا لتصل في النهاية إلى عمل دورية تروي تراث مصر في 7 آلاف سنة.. اختارت لها اسم "راوي" ليكون معبرًا وبعيدًا عن أسماء تنتمي لعصور معينة في التاريخ.

وجدت ياسمين تشجيعًا متوقعًا من أسرتها. فكانت والدتها تداوم على تعليمها وأخيها القراءة منذ صغرهما؛ بداية من مجلات الأطفال وصولًا إلى كتب طه حسين والعقاد وأخرى كثيرة عن تاريخ مصر. كما أن والدها كان يوجهها بأن تتحدث عن مصر بمعلومات صحيحة وعن دراية.

صورة 2

صدر العدد الأول من المجلة نهاية عام 2010، وكان موضوعه الرئيسي "القاهرة الخديوية". اعتمدت "ياسمين" في تمويله على مساعدات رعاه من أشخاص وشركات مهتمين بتوثيق التراث والتنمية الثقافية.. وللصعوبة المادية التي واجهتها وكانت على يقين أنها ستظل أكبر تحدياتها؛ فقررت أن تكون الدورية سنوية تصدر باللغتين العربية والإنجليزية وتبقى مشروعا تنويريا ليس تجاريًا – كما تقول.

وبعد شهر واحد من صدور عددها الأول؛ قامت ثورة الـ25 من يناير 2011، ما جعل "ياسمين" تتوقع أن يتوقف مشروعها مثلما توقف كل شئ بالبلد.

صورة 3

وعلى عكس ظنونها؛ استمرت المجلة عاما بعد عام. خرجت فيهم بموضوعات متنوعة من تاريخ مصر كسيداتها المؤثرات في سيرتها؛ تراثها القبطي؛ الزينة والحلي. ثم تخصصت وأصبح العدد كاملا يتناول موضوعًا واحدًا ليسرد تاريخه عبر مائتي صفحة قد تقل أو تزيد: الفن الحديث، السينما، المطبخ المصري، الأزياء.

تصف "ياسمين" ذلك الاستمرار بـ"المعجزة".

0

ومثلما تدرك أن هناك فيض من المعلومات يعج بها الإنترنت في كل الموضوعات؛ تدرك أيضًا مدى اختلافهم عن غيرهم.. فتقول:" تاريخ مصر كبير جدًا وملئ بالتفاصيل؛ تغير مجتمعنا خلاله في كل شئ: ملابس، دين، لغة، وهوية.. نحن ننتقي ونراجع ونبسط الكم الضخم من المعلومات عن كل ذلك ونجمعها في مكان واحد".

إلى جانب ياسمين، يعمل على "راوي" لجنة أساسية مكونة من "نيفين"؛ وهي مسؤولة المراجعة اللغوية، ولجنة بحثية من ثلاثة علماء مصريات.. يجتمعون سويًا لاختيار الموضوع الرئيسي لعدد السنة ويشرفون على المحتوى القادم من متخصصين يتغيرون حسب كل موضوع.. يُقسم عمل الفريق على السنة كلها ما بين تجميع المحتوى ومراجعته، ثم الرسم والتصميم وأخيرًا الطباعة.

بدأت نيفين حِنين مسؤوليتها عن المراجعة اللغوية والترجمة في "راوي" منذ عام 2016.. كانت البداية مع عدد يحكي تاريخ الزينة والحلي في مصر؛ حيث تزيين الشعر، الحلي النوبية التي اختفت، وزينة القدماء التي كانوا يعتقدون أنها تحميهم من تقلبات الطبيعة والأمراض.

لا يقتصر دور "نيفين" على المراجعة والترجمة فحسب؛ إنما الأهم فيه هو تبسيط المعلومات والمصطلحات المعقدة في مقالات المتخصصين التي قد تكون مكتوبة بطريقة أكاديمية إلى حد ما - حسبما تقول.

منذ اللحظة الأولى؛ ولم تعتبر "نيفين"، التي درست الهندسة وعملت مع عدة شركات، أن هذه التجربة كغيرها أو أنه مجرد عمل.. فتقول: "حب ياسمين للفكرة مُعدي وملهم.. أشعر إننا نفعل شئ لا يفعله غيرنا؛ فهذه الأشياء كادت تندثر دون أن يعرف بها أحد أو ندرسها في المدارس".

a535508a-6ef3-4b3f-8101-7a582192fc56

عندما باشرت نيفين وياسمين العمل على عدد المجلة الأخير الذي يختص بتاريخ الأزياء؛ فاصطدمتا بعدم وجود دراسات وكتب كثيرة عن هذا المجال حتى أن المتخصصين فيه قليلين جدًا – هكذا تحكي ياسمين التي ظلت تبحث لفترة عن عالمة آثار هولندية تدعى "جيليان"؛ وجدت أنها أكثر من وثق تاريخ الأزياء الفرعونية حتى وصلت إليها.

"عندما بدأناه لم نكن نعلم أبعاده أو أننا سنصل إلى شئ فيه!".. تتحدث نيفين عن ذلك العدد الشاق. لكن خلال رحلتهما في البحث؛ ربما شعرت بجدوى مجهودهما: "هو أكثر عدد اكتشفنا فيه معلومات غير متوقعه، وأعتقد الناس مثلنا".

محمد عبد السلام، نائب مدير متحف الفن الإسلامي، أحد الكتاب الـ12 الذين اشتركوا في هذا العدد، حيث كتب مقالا عن الأزياء المصرية في العصر الإسلامي، استغرق منه نحو أربعة أشهر. إذ يقول إن "توثيق الزي المصري شائك ويعاني ضعف المراجع؛ لكنه ممتع للغاية".

يذكر على سبيل المثال أن توثيق الزي في العصر المملوكي – وهو ما يعتبره أزهى العصور في ذلك – تطلب أخذ المعلومات من 13 مصدرًا منها: القرآن، المعاجم اللغوية، وكتابات الرحالة والمستشرقين؛ لأن – كما يقول - "ما تبقى من زي حقيقي نادر جدًا".

صورة 6

يرى عبد السلام تجربة "راوي" فريدة من نوعها؛ حيث تقدم للمتخصصين وجبة علمية دسمة، ومبسطة لغير المتخصصين.. وهي النقطة التي تحرص عليها "نيفين" عندما يعملون على تصميم المجلة؛ فلا تريد – حسب وصفها – أن تشبه كتب المدرسة بل تعرض صورًا ورسومات لتكون جذابة للقارئ.

هنا يأتي دور ماجد السكري، الذي يقوم برسم ما تعجزا ياسمين ونيفين في إيجاد صور حقيقية له.. يميل "ماجد" إلى الرسم التقليدي وليس الرقمي؛ وهو ما توافق مع نمط "راوي"؛ لكن الأمر ليس سهلا.

يحتاج "ماجد" أن يقرأ الكثير من المعلومات عن الموضوع أولا قبل رسمه؛ فلا مجال للخطأ في رأيه: "أشعر أنني أنقل التاريخ برسم مشهد أو شخصية، لذا يجب أن تكون أقرب شئ للحقيقية".

صورة 711

ذلك ما طبقه عندما طُلب منه رسم شخصية الحاكم بأمر الله في عدد "المطبخ المصري"، في حين أنه لا يملك أي صور يمكن أن يستند عليها؛ لذا حاول جمع معلومات عن ملامحه من عدة مصادر تاريخية.

وأنتج رسمته مقترنة بقرارات الحاكم بأمر الله التي عرفها "ماجد" لأول مرة: فقد منع الناس من تناول الملوخية المُحببة إليهم؛ لأنها من الأكلات المفضلة للخليفة الأموي معاوية، وهو على خلاف مع بني أميه. كما حظر صِنفًا أخر يسمى بـ"المتوكلية"؛ لأنه سمي باسم الخليفة العباسي المتوكل.

444

تحرص ياسمين أن تخرج تلك الرسومات والصور في أفضل شكل لها، وفي رأيها فذلك من أسباب تميزها كدورية مطبوعة في الأساس لا تزاحم المحتوى الرقمي على الأنترنت: "في ظني أن القارئ لا يريد أن يرى هذا المحتوى وهذه الصور في مربع صغير على هاتفه!".

تتراص أعداد المجلة بمكتبة المتحف البريطاني ومنافذ المكتبات الكبرى بالقاهرة بسعر 100 جنيه؛ وهو سعر مُدعم يوازي ثلثي سعرها الأصلي – بحسب ياسمين؛ التي اجرت مؤخرًا شراكة مع مؤسسة "جوجل" للفنون المفترض إطلاقها قريبًا.

صورة 9

تحلم "ياسمين"، وهي تدير مؤسسة تعليمية بجانب "راوي"، أن يستمر مشروعها بل وتزيد إصدراته المختلفة عن تاريخ مصر.. تقول: "تعلمنا كثيرًا في السنوات الماضية وأشعر بسعادة كبيرة كلما نقلت هذا المحتوى للطلاب في الجامعات وجعلتهم يعرفون تراثهم".

ذلك التراث التي تصفه "نيفين" بأنه "غزير وغير متوقع"؛ حيث تحكي كيف أنها تبدأ من نقطة وتكتشف خلال الطريق الكثير من الأشياء حتى ينتهي بهم الحال إلى نقطة مختلفة تمامًا، ما يجعلها متحمسة لعدد هذا العام عن تاريخ الطب والعلاج في مصر: "تحدي جديد ربما ملئ بالمعلومات التي ستهم الناس العادية أكثر".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان