قبل رحيلها.. قصة الغياب الأول لـ "جيهان السادات" عن الدنيا
كتب- محمد مهدي:
للمرة الثانية والأخيرة تغيب السيدة جيهان السادات، قرينة الرئيس الراحل أنور السادات عن الدنيا عقب رحيلها اليوم الجمعة عن عمر يناهز الـ 88 عاما، لكن هناك غياب أول جرى في مطلع الثمانينيات امتد لنحو عام كامل ابتعدت فيه عن الأضواء وأمور السلطة وعملها الجامعي عقب وفاة زوجها قبل العودة إلى حياتها الطبيعية من جديد.
بعد اغتيال السادات خلال احتفالات ذكرى حرب أكتوبر المجيدة عام 1981، كان الارتباك حاضرا، صخب الحادث يطغى على المشهد، تجهيز جنازة مهيبة للراحل، حضور شخصيات عامة عربية ودولية إلى القاهرة، أسئلة تتردد في كل مكان عن هوية الرئيس القادم، بعيدا عن ذلك اختارت السيدة الأولى العُزلة بعد فقدان شريك حياتها "أنا والسادات مكناش مجرد زوجين، احنا كنا زي صديق وصديقته، اتنين شركاء، كنا عايشين حياة سعيدة، كان هو حياتي كلها وكل دا ضاع مني في لحظة" كما ذكرت في لقاء تلفزيوني.
لم تنجح السيدة جيهان السادات في تخطي صدمة الحادث، لا تغادرها الذكريات القاسية قط، لا يفارقها دوي إطلاق النيران على الرئيس الأسبق ومحاولاته الصراخ في وجه أعدائه"كانت حاجة صعبة عليا، خصوصا إنه اضرب قدامي" النظرة الأخيرة عليه والدماء من حوله "أنا كنت قاعدة في الشباك اللي وراه" كادت أن تنطلق نحوه قبل أن يجذبها ضابط الحراسة لحمايتها، نُقل إلى أقرب مستشفى لمحاولة إنقاذه لكنه فارق الحياة"توقعنا إن حاجة زي دي هتحصل، لكن كانت صدمة شديدة عليا".
لأشهر طويلة مكثت جيهان السادات داخل بيتها لا تغادره "قعدت سنة في البيت بفكر هعمل إيه عشان أعدي الفترة دي، وهواجه الدنيا إزاي بعديه" تركت المشهد السياسي بعد سنوات من العمل العام، توقفت عن الذهاب إلى الجامعة من أجل التدريس، ولم تعد تستقبل أحد "لأن ناس كتير من اللي كانت رايحة جاية عليا اختفوا" تقولها ضاحكة "كنت متوقعة إنهم هيعملوا دا" لم تنشغل كثيرا بما يدور حولها بقدر اهتمامها بالحفاظ على أولادها بعيدا عن دوائر الخطر.
كانت قرينة السادات حريصة كما تؤكد في عدد من اللقاءات التلفزيونية على إبعاد أبنائهم عن السلطة وسراديب السياسة "حاولنا بقدر المستطاع نخليهم يعيشوا حياة طبيعية" ساعدها ذلك في العيش بسلام بعد رحيل الأب غير أن السلطة حينذاك كان لديها قلق من ظهور السيدة جيهان مرة ثانية "عشان كدا اتمنعت من التلفزيون والإذاعة، وكان بيجيلي دعوات من مسؤولين عشان يزوروني ويبلغوهم إني مسافرة من غير ما يعرفوني" بدا واضحا انزعاج دولة مبارك من رؤيتها في وسائل الإعلام من جديد"مع إني عمري ما كنت هغلط في حد أو أقحم نفسي في السلطة".
عاشت جيهان السادات مع الذكريات الحلوة في محاولة منها للقضاء على الأحزان المتراكمة بكل شبر في بيتها "عشنا مع بعض عمر، اتخطبت واتجوزت للسادات وأنا عندي 16 سنة" تستعيد اللقاء الأول والإصرار على الزواج منه رغم مشاكله العائلية والسياسية ثم الانطلاق رفقته في طريق السلطة مع الضباط الأحرار والمشاركة في ثورة يوليو وصعوده في عالم جمال عبدالناصر والجلوس على كرسي الحكم، قرارات الحرب ومفاجأة الذهاب إلى الكنيست "فاكرة إني كزوجة فضلت جنبه لحد ما طلع الطيارة وكنا بنتصور ومبسوطين وأول ما اتحرك فضلت أعيط بصوت من كُتر خوفي عليه من الاغتيال" وسعادتها التي لا توصف عند عودته إلى بلاده من جديد حاملا راية السلام.
احتاجت قرينة السادات إلى عام كامل لترميم القلب من أثر الفراق وجمع الأحزان في خزانة واحدة بروحها بدلا من انتشارها بكل مكان، فكرت كثيرا قبل الخروج مرة ثانية للدنيا والحياة العامة، اختارت أن تعود في هدوء إلى التدريس بجامعة القاهرة ثم تلقت عروضا للعمل في جامعات أجنبية مثل ساوث كارولينا بجانب جامعة رادفورد في فرجينيا، خرجت على إثرها من البلاد لتبدأ في تدوين تجربتها مع السادات والحكم في أكثر من كتاب ورغم مرور عقود عديدة على عام الغياب ظلت تتذكره حتى مغادرتها للحياة.
فيديو قد يعجبك: