إعلان

أنصار جدد للقضية.. كيف تفاعل «جيل Z» مع ما يحدث في فلسطين؟

04:44 م الخميس 27 مايو 2021


كتب- عبدالله عويس:

على مدار سنوات، اختطفت القضية الفلسطينية أذهان الكثيرين، واستمالت أجيالا عدة، وبانتهاء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة فجر الجمعة الماضية، تبيانت المكاسب والمخاسر. على أن الاعتداءات الأخيرة على القطاع، والهجوم على فلسطينيي الداخل المحتل، أفرز فيما أفرز عن بزوغ نجم جيل جديد ينافح عن الفلسطينيين، بشعارات جديدة، وبأدوات مختلفة، لم تكن متاحة للأجيال من قبله. ثمة فارق كبير بين جيل «Z» ومن سبقه من جيل «الألفية» سواء في المفردات أو المفاهيم انتهاء بالمعرفة وآلية تشكيلها ومصادر معلوماتها، ولعل الرابط بين الجيلين فيما يخص الانتهاكات الإسرائيلية، إنكارهما له.

يشار إلى جيل «Z» بأولائك الذين ولدوا في التسعينات، غير أن هناك اختلاف على العام نفسه. تعرفهم بعض المراكز البحثية والأكاديمية بأنهم ولدوا إما في عام 1995 أو عام 1997، وحتى عام 2005، ويقول آخرون إن ذلك الجيل يمتد حتى 2010. وهؤلاء جميعا ولدوا في ظل تطور رقمي يكبر تباعا، كان العالم قبله شيئا وما بعده شيئا آخر. وبالنظر إلى ذلك الجيل فإن أكبرهم سنا يبلغ الآن 24 عاما أو 26، أي أن أعمارهم في ظل الحرب الإسرائيلية قبل الأخيرة على غزة في 2014، كانت بين 17 و19 عاما، بما لا يسمح لهم في ذلك التوقيت بتكوين رأي متكامل بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنهم الآن جذوة ذلك الصراع، والأعلى صوتا بين الجميع، والذين حركوا المياه الراكدة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصل أصواتهم من خلف حواسيبهم وهواتفهم إلى العالم كله بلا مبالغة. ولهذا الجيل ارتباط كبير بالإنترنت، ففي دراسة لمركز «Wp Engine» تبين أن 60% من هذا الجيل، غير قادر على البقاء دون إنترنت لمدة أربع ساعات، وهذا على العكس من الأجيال الأخرى التي قد تقضي نحو 12 ساعة دون إنترنت. من بين هذا الجيل «Z» كانت «منى الكرد».

في مارس الماضي، أطلقت بنت الـ23 عاما، حملة إلكترونية تحت وسم «أنقذوا حي الشيخ جراح» اعتراضا على الهجمة الاستيطانية الشرسة، التي تغذيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مدفوعة بحكم محكمة إسرائيلة بإخراج بعض الأسر من منازلهم. كان لهذا الوسم المكتوب بالعربية والإنجليزية، انتشار كبير مع تصاعد الأحداث في فلسطين، من اشتباكات في الأقصى، واعتقال العشرات وإطلاق الغاز والرصاص المطاطي على فلسطينيين، وعداوة من المستوطنين في ظل حماية الشرطة. وكانت منى توثق ذلك من خلال المشاهد الحية والمباشرة على حسابها على موقع انستجرام، الذي يجمع كثيرا من أبناء جيلها. ومع التهاب الأحداث وتدخل حماس برشقات صاروخية ردا على الاعتداءات الإسرائيلية، صار التفاعل حول القضية الفلسطينية يملأ الفضاء الإلكتروني. وكان لجيل «Z» المتهم بأنه منبت الصلة عن القضايا المعاصرة حاضرا وبقوة، على غير ما يقال. تقول منى في مقابلة نشرت على موقع يويتيوب إن «هذه الحملة الإعلامية هدفها أن يتم النظر في قضية حي الشيخ جراح في وسائل الإعلام، والأهم من ذلك مواقع التواصل الاجتماعي». وبالطبع فالفارق بين ذلك الجيل الذي يعيش في فلسطين وغيره من أبناء القطر العربي مختلف، فهم أبناء ذلك الصراع الذين يعيشون تفاصيله يوما بعد يوم.

صورة 1
كأنما شرر الأحداث في فلسطين، تطاير إلى مواقع التواصل الاجتماعي فأشعلها، ولفت انتباه الكثيرين، وكانت رنا السيد واحدة من الذين تفاعلوا معها، ولم يكن لصاحبة الـ21 عاما أي تفاعل سابق يخص ما يحدث في فلسطين، ولم تكن تعرف عن الحرب التي شنت على غزة في 2014 شيئا من الأساس: «الفضول في المقام الأول هو الذي دفعني لمعرفة ما يحدث على الأرض، كانت الفيديوهات العنصر الأساسي بالنسبة لي في معرفة ذلك» تحكي الشابة المصرية، والتي كانت تتابع ما يحدث من خلال فيسبوك وانستجرام، وكانت تشارك بالتدوين، بعض ما يثير انتباهها في تلك القضية التي لم تكن تعرف عن أمرها شيئا: «الفيديوهات على انستجرام كانت مؤثرة، التفاصيل التي شاهدتها مؤلمة، وجدت نفسي أتعاطف مع الفلسطينيين، وصرت أقرأ كل ما ينشر على مواقع التواصل بخصوص مواجهتهم للاحتلال».

بتحليل المحتوى الذي نشر خلال 15 يوما، من بداية الاعتداءات الإسرائيلة انتهاء بالجمعة الماضية، حين دخلت هدنة بين إسرائيل وغزة حيز التنفيذ دون شروط وبوساطة مصرية، كان عدد المتفاعلين مع الوسوم الداعمة للفلسطينيين قد تخطى الـ146 مليونا، وكانت الولايات المتحدة الامريكية على قائمة أكثر الدول تفاعلا، يليها مصر، ثم السعودية. فيما بلغت نسبة الفئة العمرية بين الـ18 عاما إلى الـ24 عاما، من التفاعل 43.3% من جملة التفاعل: «هذه أول مرة أقترب فيها مما يحدث في فلسطين، كان والدي يخبرني كثيرا عن القضية، لكنني لم أكن أهتم» قالها أحمد عبد النبي، الذي أتم الـ19 عاما، وسمع من والده بعض تفاصيل تتعلق بانتفاضة عام 2000، والتي جرى فيها مقتل الطفل محمد الدرة، بشكل وحشي، ولم يكن الشاب قد شاهد مقطع الفيديو الذي نقل تلك الصورة المؤلمة من قبل: «وجدت كثيرا من الناس يكتبون عن الأمر، فتحت يويتيوب على الفور وبحثت عن الفيديو وهالني ما رأيت».

صورة 2

تختلف مصادر أحمد في الحصول على المعلومات عن والده، مواقع التواصل هي المغذي الرئيسي له، وقد يقوده الفضول للبحث عن بعض التفاصيل فيلجأ لمحرك البحث الأشهر جوجل، ويدون ما يريد معرفته، وبقراءة بسيطة على محرك البحث، في الفترة التي سبقت الاعتداء الإسرائيلي، فإن مستوى البحث عن فلسطين في مصر، كان ضعيفا،غير أن الأحداث حركت عملية البحث كما تظهر مؤشرات جوجل، فيما كانت طلبات البحث ذات الصلة تدور في الفلك نفسه، ما بين «علم فلسطين، وأخبار فلسطين، والقدس، ورئيس فلسطين، وحدود فلسطين، وموقف مصر من فلسطين، وصور فلسطين».بينما كان الوالد يعود إلى الصحف وقراءتها، أو الكتب التي يحتفظ بها، أو حتى الرجوع إلى الأفلام الوثائقية على موقع يوتيوب.

صورة 3
بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات فإن عدد مستخدمي الإنترنت عالميا في عام 2000 لم يتخط الـ400 مليون مستخدم، فيما وصل العدد إلى نحو 3 مليارات في عام 2014. ووفق مواقع عالمية فإن الرقم بلغ نحو 5 مليارات في نهاية 2020، وهذا التنامي في عدد مستخدمي الإنترنت، يجعل من العالم قرية كونية صغيرة على نحو حقيقي وملموس، تؤثر فيه الوسوم وقوائم الترند: «الملمح الرئيسي لجيل زد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أن وعيهم بها تشكل في هذه المرة، على عكس المرات السابقة، وأخذت منشوراتهم وتفاعلاتهم مع القضية بعدا عالميا، حتى أنها استحوذت على 70% من الاهتمام العالمي» قالها خالد البرماوي الخبير الرقمي، موضحا أن تفاعل شخصيات شهيرة حول العالم مع القضية، يعود إلى ذلك الزخم الكبير من التفاعل: «وبالطبع يحتل فيس بوك اهتماما كبيرا من المتفاعلين، يليه تويتر، وكان انستجرام هذه المرة حاضرا وبقوة».

صورة 4

بحسب خالد، فإن كثيرا من الشعارات التي دونها المتضامنون مع القضية الفلسطينية من أبناء هذا الجيل لم تكن دينية بالأساس، وإنما كانت قائمة على بعد إنساني، برغم أن المسجد الأقصى نفسه تعرض لاعتداء إسرائيلي. وفي هذا السياق يقول أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كما كتب في مقال له أمس، حول المواجهات الأخيرة في القدس والضفة والمدن المختلطة أنها «كشفت عن جيل جديد من الشباب الفلسطيني الذي يرفض الاحتلال ومظاهره التمييزية على أرضية حقوقية (...) وظني أن تطلعات هذا الجيل الجديد، الذي يشعر كغيره من الشباب عبر العالم بحقه في التمكين والمساواة، لا ينبغي الاستهانة بها، أو قمعها. إنها تطلعات مشروعة من شباب يمارس النضال وفق لغة حقوقية عالمية».

وخارج القطر الفلسطيني، قد ينطبق حديث أبو الغيط على آخرين، تفاعلوا مع القضية خلال الأيام الماضية، وما يزال بعضهم يدون حتى الآن عنها. يقول زياد أحمد، طالب في كلية الحقوق، إن تعاطفه مع الفلسطينيين لم يرتكز بالأساس على أساس ديني، وإن كان يؤمن أن المسجد الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين: «في رأيي أن إيصال صوتنا للعالم لن يكون من خلال الخطاب الديني فحسب، قد يفلح ذلك داخل المجتمعات الإسلامية أو العربية، لكنني حين أخاطب العالم فإن لغة حقوق الإنسان ما يفترض أن نتحدث به».
العدوان الأخير على غزة، خلف 254 قتيلا ينهم 66 طفلا و39 سيدةو17 مسنا، في 11 يومًا فقط من القصف، بينما قتل 12 شخصا فقط في إسرائيل. هدنة جديدة إذا سبقتها أكثر من هدنة، قبل أن يعاود الاحتلال الإسرائيلي خرقها لتعود الأوضاع إلى سابق عهدها من جديد. وإذ كانت غوالدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية إبان نكبة 1948، قد قالت بأن الكبار سيموتون والصغار سينسون، فإن الأجيال الصغيرة والمتعاقبة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنهم لا ينسون ما حدث.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان