إعلان

سمير غانم.. أستاذ مملكة الضحك ''بروفايل''

08:06 م الخميس 20 مايو 2021

كتب- أحمد الليثي:

في ''عزومة'' بمنزل صديق ألح عليه ألا يُحرج ويطلب ما يريد، غير أن ''سمير'' أجاب بالرفض في خجل، فيما وقعت عيناه على ملعقة وشوكة –زينة- مُعلقتان على الحائط، فهرع نحوهما ولمعت عينه وهو يقول في توسل ''ممكن استلف دول منكوا يوم واحد بس''، فكانتا سبيله لـ''تركيب إفيه'' شهير وهو يأكل الملوخية المعجونة بالأسمنت الأبيض ''من اللي تحت الحوض.. يا لينا'' في مسرحية المتزوجون، وانتهى العرض ولا يزال سمير محتفظا بالملعقة والشوكة لا يفارقانه.. هكذا هو دوما يبحث عن الضحك إينما كان، لا يبغي سواه سبيلا، لا يهمه أن يُقال عنه نجم أم لا، الأهم هو ''الانبساط''؛ المشاركة في عمل يزيد من ضربات قلب المشاهدين جراء قفشة، وانتزاع الآهات من جمهور راح يبحث عمن يُفرج همه، فيكون هو دليلهم ومبتغاهم، حتى ولو بـ''مشهد''.

في صباح الخامس عشر من يناير 1937 بإحدى قرى أسيوط حل ''سمير'' الابن البكري لأب -ضابط شرطة- اتسمت تفاصيله بالجدية وأم تعشق البهجة عن ظهر قلب، فكان ''ابن أمه''؛ نهل منها أريحيتها واستقى منها كيف تُشيع الفرحة في وجوه مجاوريها، وبينما حاول إرضاء الأب لم يفلح مسعاه كطالب في كلية الشرطة بسبب رسوبه في ''مادة الشريعة'' عامين متتاليين، فوجد ضالته في مسرح كلية الزراعة بالإسكندرية، قبل أن يلتقي ''جورج والضيف'' داخل برنامج المنوعات الأشهر في الستينيات ''أضواء المسرح''، فالتقتهما محمد سالم مخرج العمل وكون بهم الفرقة الممتعة ''ثلاثي أضواء المسرح''.

الجميع يذكر ''الثلاثي'' باستكتشات رائعة، ألفها ''حسين السيد'' ولحنها ''سمير'' بنفسه، تفاصيل لا تُنسى، يتبعها دوما حكايات عن الضيف الذي رحل بأزمة قلبية بعد 3 سنوات من التألق، ورحلة لم تستمر بين الثنائي ''جورج وسمير''، أقاما خلالها أفراح بنات عبد الناصر والسادات واحتفالات ثورة يوليو ونصر أكتوبر وأفلام لم تتجمل إلا بوجودهم، فيما يخفض صوت سمير وهو يذكر ''الضيف'' في وجل: ''الوحيد اللي كان بيجيبني الأرض م الضحك''، وجورج الذي يعرف فيما يفكر قبل أن ينطق، وسنوات لا تنمحي، كانت غاية ''سمير'' فيها إسعاد رفيقيه، على عكس ما يُشاع؛ فيحكي عن ذلك اليوم الذي قرر فيه ''جورج'' أن يُجري عملية اللوزتين، فقابل ''غانم'' في طريقه، فقرر الأخير أن يجري العملية ذاتها حتى دون أن يشعر بألم ''أهو نبقى مع بعض ونضحكلنا شوية''، بعد ساعة أخرج الطبيب ''برطمانين'' يحمل كلا منهما اسم ''جورج وسمير'' وداخلهما ''اللوزتين'' بينما ينظر سمير لرفيق الفراش بابتسامة لا تزول وصوت لم يعد كما كان قبل دخول العمليات.

.. ووقت أن قابل ''غانم'' فتاة صومالية أعجب بها، فمال على أذن ''الضيف'' ليخبره، فأشار عليه باسما ''طب ما تتجوزها''، لم يُفوت الأمر وانصاع للفكرة وظل سمير والضيف يضحكان ملأ شدقيهما على القرارات الفورية والضحكات التي لا تنتهي، قبل أن ينعيه بقصيدة ''عزيزي الضيف أحمد'' في إبريل 1970: بيني وبينك عندك أحسن، أروق، أنضف، لولا الرب علينا بيلطف، كنا زمانا بناكل بعض.. بس بنضحك، نزعل نضحك، نفرح برضه نضحك، عزيزي الضيف أحمد ما اعرفش اذا كنت سامعني ولا ما عدتش تسمع حد، فاكر لما كنا نغني كنا نضحك طوب الأرض.. بيني وبينك كل ما ادقق، أفكر، أمعن، بشعر أني خلاص ح اجنن، بس مافيش م المكتوب بُد، وآهي أيام بتعدي يا ضيف، وح نتقابل بلا تكليف، ونقعد نضحك''.

قلما تجد ''كوميديان'' لا ينزعج من وقوف ممثل قوي أمامه، فيما يبقى سمير غانم أحد قلائل ضربوا الفكرة عرض الحائط، فهو لا يهمه الأمر وبثقة قيصر خاض الحروب يتأكد أن جموح خياله ينتصر، يقول ''بحب أشوف إفيهاتي على وش الممثل قدامي.. واستناه يقول اللي هو عايزه، وأنا عارف إن دماغي هتشتغل ومسكتش غير والناس بتفرفر م الضحك''، فلا يجلس على ''اسكريبت'' كي يضع خطوطا وخطة، فقط يحفظ الدور ويترك الارتجال يقوده.

لا يؤمن بالمتوقع؛ تتأخر ''كريمة مختار'' لساعات في فيلم ''يارب ولد''، فيكون رأيه ''مش يمكن الأتوبيس النهري طلع خبطها في الإشارة ونزل تاني''، يحاول أن يدعي الثقافة في ''حكاية ميزو'' كي يخطف انتباه فردوس عبد الحميد فيقول ''أنا بسمع مقطوعة موسيقية لنابليون بونابرت''، فترد ''نفيسة'' باستغراب ''نابليون مش بتاع مزيكا تقصد بيتهوفن''، لا يسكت ''ميزو'' فيحلل الأمر ''أصل نابليون وبيتهوفن كانوا متفقين يبدلوا أدوارهم بيتهوفن يحتل بلد ونابليون يلحن''. يُشرح مطربي التراث في ''موسيقى في الحي الشرقي''، فيسخر من محمد طه وفرقته بخفة ظل ''في مطرب يغني ووراه 3 مخبرين يا أنسة''، يضحك وهو يتذكر تفاصيل المسرحية ''كنت بحس إني رايح ميعاد غرامي''، فالخشبة معشوقته الأولى حتى ولو أدى عليها دور لمرة وحيدة كي تسجل للتليفزيون كما فعل في مسرحية ''الأستاذ مزيكا'' أو ''عبد السميع اللميع'' كما يعرفها الجمهور.

.. لا يغيب شريط اللفتات من ذاكرته لكل ما هو مسرحي، ما تسمعه من سمير ربما يكون الإفيه رقم ''20''، هو دائما يجدد كلماته، لا يركن إلى ضحكة قد تخدعه، يفتش في عيون محبيه عن كلمات ''هفطس م الضحك''، يطوف الشوارع كي يبحث عن اكسسوار لـ''زمارة'' تعينه على جملة دمها ثقيل، ''تون صوت'' لفطوطة يحفظه الكبير قبل الصغير، ''جاكيت'' يجعل منه ''كراكتر''، مشية ''تسخسخ الناس''.. جرب أن يطرق باب السياسة في مسرحية ''جحا يحكم المدينة'' لوحيد حامد فواجهته الدولة بصلف، فاتخذ أول طريق يجد فيه جمهوره وضحكاته بعيدا عن مضايقات الأمن المتعجرفة، التي قد تطيح بهمه الأول ''سماع آهات المتفرجين''.

أكثر من 300 عمل بدأها في 1963 لا يتذكر معظمها، لا يشاهد أفلامه إلا بالصدفة، يُشارك في أي عمل مهما صغُر الدور ''المهم أعلم مع الناس''، مهووس بالدراما العالمية حد الجنون، يرى أن السينما في مصر غير مبهرة كما يعتقد الناس، اللهم إلا سينما فؤاد المهندس والريحاني، آرائه تليق بكوميديان؛ يتخذ من أنور وجدي نجم الأكشن الأول، في إحدى أفلامه -القريبة إلى قلبه- والتي كانت تصور في أسبوعين كما يحكي، سأله المخرج ''عمر عبد العزيز'' عن اسم مناسب للفيلم، فرد ''سمير'' بتلقائية: ''تجيبها كدة تجيلها كدة هي كدة''، فقرر ''عبد العزيز'' أن يُسمي الفيلم كما قاله سمير عفويا.

قبل أيام من تصوير فيلم ''4-2-4'' توجه ''فاروق صبري'' مؤلف ومنتج العمل لسمير غانم يطلب منه –في خبث- بطولة الفيلم، فوافق، وما أن دخل ''سمير'' البلاتوه وجد مشهد ليونس شلبي يُقبل لبلبة، فصرخ متهكما ''هو مش البطل اللي بيبوس ولا أيه؟''، فمال عليه أحد مساعدي الإخراج ليخبره بأن الفيلم من بطولة يونس شلبي -وقتها كان ''شلبي'' يتم تلميعه بعد نجاح ساحق في مدرسة المشاغبين، غضب ''غانم'' وترك المكان، لكنه جلس في المنزل يومين كاملين يفكر في العرض، هو لا يعرف عن الكرة شيئا، ولا يهواها، لكنه قبِل المغامرة مطالبا المنتج بأن يترك له العنان، فطلب أن يُكوّن فريقا من نجاح الموجي وعدوية وبدأ سيل من الإفيهات لا يزال يُردد في جلسات الكرويين ومدرجات الكرة عن شخصية مصطفى الحلواني.

قبل سنوات وفي الحلقة الثالثة من برنامج ''مساء الجمال مع ميرفت ودلال''، كان سمير غانم ضيفا على زوجته، وفيما يُفترض أن تكون الأسئلة والإجابات نمطية عن العش الهادئ وحُسن العشرة ودنيا وأمل –إيمي- ابنتيه، كان الكوميديان يبحث دوما عن الضحك، وإلا فلا، فما أن سألته ميرفت أمين ''أيه رأيك في دلال؟''، كانت إجابته التلقائية ''عبد العزيز''.

غادر سمير غانم الدنيا، لم يحتمل المرض، ولم يرض بغير البهجة، رحل عن 84 عامًا، إلا أن ضحكاته وإفيهاته وإنسانيته لا تزال وستزال حاضرة.​

لمتابعة المزيد من الأخبار والموضوعات عن الفنان سمير غانم صانع البهجة.. اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: