"مكالمة أنهت حياة فرع من العائلة".. حادث الصحراوي الشرقي ليس الأول والأخير
تقرير- مها صلاح الدين:
قبل حوالي عشرين ساعة، وتحديدًا في ليلة الجمعة، الخامس من مارس 2021، تلقى محمد محمود اتصالا هاتفيًا من أحد أبناء عمومته، يقول له "عمك كمال مات و8 ستات من العيلة، واتنين من عيالهم وهما راجعين من البلد".
الشاب العشريني الذي يعمل في المملكة العربية السعودية- لم يرَ عمه أو يتحدث إليه منذ سنوات، بسبب ظروف سفره، لكن الخبر الذي عبر إليه بقارة أخرى كان مفاده أن حياة جزء كبير من عائلته التي تتكون من 4 أفرع موزعة بين إمبابة ومركز أبنوب بأسيوط قد انتهت.
كان عمه وقتها يصطحب 8 سيدات من عائلته وطفلين في طريق العودة إلى إمبابة- محل إقامتهم، بعد زيارة قصيرة إلى مسقط رأسه، قرية بني محمديات بأسيوط، التي اعتاد زيارتها كل فترة في الإجازات، والأعياد والمناسبات.
لم يكن حادث الكريمات الذي راح ضحيته 20 شخصا، وأصيب فيه 5 آخرون الأول والأخير على الطريق الصحراوي الشرقي، فوفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة الداخلية، وقع 33 حادثا على الطريق نفسه منذ بداية عام 2021، حتى صباح اليوم، آخرها تصادم سيارتي ملاكي عند الكيلو 60، أدى إلى إصابة 6 أشخاص.
لكن حادث الكريمات كان الأكثر حصدًا للأرواح، حيث سجل 43% من ضحايا حوادث الطريق الصحراوي الشرقي منذ بداية العام، البالغ عددهم 47 شخصا حتى الآن، في 11 حادثا فقط، أي حوالي ثلث الحوادث التي وقعت على هذا الطريق، بينما أصيب 179 آخرون.
كان إسلام فرغلي، مدير الموارد البشرية، وصديق العائلة المكلومة مصدوما من الخبر، رغم شعوره بالخطر، كلما سار على نفس الطريق الذي اعتاد اجتيازه، بصحبة زوجته وأبنائه، منذ أن انتقل للعيش في القاهرة.
"تعرضنا للخطر مرات عديدة، كاد أن يفتك بسيارتي وأنا وأطفالي بداخلها نتيجة رعونة سائقي النقل والميكروباص مع الطرق غير الممهدة"، يقول فرغلي، ووفقًا لتحليل بيانات الحوادث الثلاث وثلاثين، وقع 61% من الحوادث على الطريق الصحراوي الشرقي بسبب تصادم وانقلاب سيارات الأجرة والميكروباص والنقل.
يقول فرغلي إن الطريق- وتحديدًا وصلة "بني سويف - القاهرة"- تحت الإصلاح منذ أكثر من عام، وحارة واحدة تحت التشغيل، تنقسم إلى نصفين بكتل أسمنتية غير منتظمة، لتسير بها السيارات بالاتجاهين، مما يجعل كل حارة لا تتسع إلا لسيارتين، إحداهما دائمًا مهددة بالاصطدام بأحد الحواجز الأسمنتية.
وفي المقابل، تتشارك سيارات النقل الثقيل مع السيارات الأخرى في تلك الحارة الضيقة، إضافة إلى الحافلات الكبيرة، وسيارات الأجرة والميكروباص، ما يتسبب في الحوادث.
دفع ذلك فرغلي إلى الإقدام على كتابة وصيته، رغم حرصه على السير بسرعة هادئة، وتجنب السير إلى جوار سيارات النقل الكبيرة، لكن الوصلة غير ممهدة تجعله دائمًا مشدود الأعصاب، خوفًا من وقوع الآخرين بأخطاء القيادة التي قد تودي بحياته وعائلته.
لهذا يبلغ أحد ذويه حينما يستقل ذلك الطريق، حتى يتواصلوا معه كل ساعة للاطمئنان عليهم، ثم ينطق الشهادتين حينما يصل.
لم يكن خوف فرغلي من فراغ، حيث تم تسجيل الحوادث الثلاثة والثلاثين، في 24 يومًا فقط، بحد أقصى 3 حوادث في يوم واحد، خلال يومي 11 يناير و6 فبراير. ووقوع أغلب الحوادث في أيام متتالية. بفارق يبدأ من يوم واحد أو أقل، و10 أيام كحد أقصى بين الحادث والآخر.
في حين أن حوالي نصف الحوادث وقع يومي الجمعة والسبت، أي في عطلة نهاية الأسبوع، مثلما حدث مع عم محمد محمود وعائلته.
يقول محمد، الذي أبعدته الغربة عن عائلته، ثم غيب الموت عمه وأحفاده الذين لم يرهم إلا في الصور- إنه كان يتمنى رؤيتهم قبل الرحيل، في الوقت الذي يتذكر فيه كيف ذاع صيت عمه في جميع أرجاء إمبابه، رغم أصوله الصعيدية، بسبب شخصيته القوية وشهامته.
بينما يؤكد فرغلي أن الحادث ليس الأول، ولن يكون الأخير على الطريق الصحراوي الشرقي- بوابة الصعيد من القاهرة، حتى يتم منع سير سيارات النقل الثقيل، في المنطقة محل التصليحات، ووضع أكمنة متعددة لضبط سلوك السائقين الخارجين عن قواعد السير والسرعة، والانتهاء من تطوير الطريق.
فيديو قد يعجبك: