"المدن الصديقة للأطفال".. مهندسة تبحث عن حياة أفضل للصغار في رسالتها للدكتوراه
كتبت-إشراق أحمد:
الحياة خيارات، وقد اختارت آية الخولي أن تكون دراستها للهندسة المعمارية ذات تأثير. منذ التحقت بجامعة القاهرة وتبحث آية عن الجوانب الانسانية، تتأمل التفاصيل في حياتها وحياة من حولها، تتساءل دومًا كيف تفيد العمارة في جعل المعيشة أفضل، وذات يوم انتبهت إلى مسارها مع ابنتها خارج المنزل، ومجددًا مارست المهندسة عادتها في طرح الأسئلة "ليه حياة الطفل بتفضل بين البيت والمدرسة؟"، لتجد الإجابة في كلمات قررت أن تكون محور دراستها "المدن الصديقة للأطفال".
مصطلح "المدينة الصديقة للطفل" ليس جديدًا. هو توجه عالمي، عُرف منذ التسعينيات، بعدما أقرته الأمم المتحدة عقب مؤتمر لها في اسطنبول عام 1996، ونتج عنه مؤتمرات وبرامج لنشر أهمية المدن بوصفها عامل تغيير لدى الأطفال، لكن أغلب ما نصت عليه المعايير الدولية يتعلق بحقوق الطفل في التعليم والصحة والترفيه، بينما لم يأخذ البعد الهندسي للمدينة حيز كبير من المناقشة كما تقول آية.
كان عام 2015 مختلفًا في حياة المهندسة المعمارية، خاضت المهندسة رحلة مع التجديد "حسيت أني مهتمة أكتر بالعمران الصديق للأطفال"، قررت آية أن تبدأ مشوارها في إعداد رسالتها للدكتوراة رغم علمها بأن الدراسات المتناولة لهذا الجانب قليلة، وما تردد لها من عبارات "مش لما تبقى المدينة صديقة للكبار". كانت المهندسة على يقين بأن "إذا اتعاملت مع المدينة أنها تكون صديقة للأطفال بالتالي هتكون صديقة للبني آدم بشكل عام".
بعد عام من البحث، أدركت أستاذ العمارة في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية أنها أمام نظرية وحيدة ذات علاقة بالأطفال "اسمها المجاورة يعني المدرسة تكون المركز والخدمات حولها بما فيها حديقة عامة بحيث مينفعش الطفل يمشي أكتر من 500 متر من البيت"، لكن ذلك الأساس لم يعد معمولاً به اليوم "لأن اختيار المدرسة مبقاش لقربها من السكن وبالتالي مبقتش مركز هندسي"، مما جعل المهندسة المعمارية أمام طريق للبحث عن نظرية جديدة وأداة لتقييم الوضع الراهن بدلاً من القديمة.
لم تركن المعمارية للكتب والمراجع الأرشيفية والخرائط، خرجت من الغرف المغلقة، بل راحت تجري استطلاعًا ومقابلات ميدانية، اختارت آية لدراستها نموذجين لأحياء القاهرة؛ المنيل في مصر القديمة ليمثل المناطق ذات التخطيط القديم، والحي الأول في أكتوبر كنموذج للمناطق الحديثة "سألت الأمهات والأطفال خليتهم يرسموا تصور لمدينة أحلامهم". أشركت المهندسة الصغار في دراستها، أرادت التأكيد على أن الطفل "بيتأثر فعلاً بالعمران"، تذكر المهندسة ذلك الطفل الذي رسم الطريق من منزله إلى المدرسة "لقيته رسم ميدان جهينه رغم أنه متشال من خمس سنين".
كان حي المنيل وأكتوبر نماذج للدراسة لكن المهندسة تعلم أنه لا يجوز تعميمهما "لأن نفس المكان لو روحته في الوقت الحالي في عناصر هتتغير"، إلا أنها خلصت بعد أشهر من البحث إلى تعريف مجمل بالحي أو المدينة الصديقة للأطفال "المدينة اللي الطفل يقدر يتحرك فيها ويوصل للخدمات الأساسية في أقل مسافة ممكنة وأعلى نسبة أمان ممكنة".
واصلت المهندسة المعمارية المسير إلى أن جاءت الفرصة لتطبيق دراستها بشكل عملي؛ عام 2019 أعلنت مؤسسة دولية عن حاجاتها لمهندسين من أجل مشروع تطوير أحد الأحياء في الصين، تقدمت آية، الحاملة للقب خبيرة في التنمية المجتمعية، وبالفعل تم اختيارها ضمن فريق عمل لتحويل حي شعبي للعمال المهاجرين إلى مكان صديق للأطفال.
في الصين، اختبرت المهندسة المصرية رسالتها على الأرض، وما توصلت إليه من "معيار" يمكنه قياس إن كانت المدن أو الأحياء صديقة للطفل. حددت آية ما يحتاجه الطفل في "الحركة، الأمان، اللعب"، ثم وضعت له 8 قطاعات أساسية، يندرج تحتها عناصر، وعلى حسب نسبة توافرها وملائمتها تكون المنطقة صديقة للأطفال، تضرب المعمارية المثال بـ"عرض الرصيف، المسافة بين محطة أتوبيس والتانية".
سبتمبر 2020، حصلت آية على درجة الدكتوراة عن رسالتها "التخطيط نحو تعزيز جودة الحياة العمرانية للطفل: أداة تقييم لمجتمعات القاهرة الكبرى". أمام لجنة من كبار المعماريين والمهندسين والمتخصصين في التخطيط طرحت المهندسة دراستها، لم تهتز آية إلا لسؤال "ناوية تعملي ايه بعد الشهادة؟"، لمست المهندسة ما ينضوي عليه الاستفسار "ارجعي للأرض وماتبصيش للسما"، لكن صاحبة الواحد والثلاثين ربيعًا كانت على يقين أن سعيها لن يتوقف، والعمل ضمن مؤسسة أوبرنامج تنموي من شأنه تحريك المياه الراكدة.
تعمل آية حاليًا على تأليف كتاب عن تجربتها نحو مدن مصرية صديقة للأطفال "هيكون كتابة للنتائج العملية للدراسة"، فيما تواصل الاشتراك مع عدد من البرامج لتنمية الأحياء، تعلم أن الطريق ليس ممهدًا "في القليوبية كانوا عاملين حديقة للأطفال لقينا المراجيح متشالة افتكرنا اتكسرت لكن الحقيقة أن الموظفين شالوا عشان ميحصلهاش حاجة لأنها عهدة".
تبذل المهندسة الوقت والجهد للدفع عن تغيير الصورة الذهنية للعمارة وما بإمكانها أن تفعله لتحسين الحياة، أحيانًا ينتابها الإحباط، وكثيرًا ما تشتعل بالحماس، تواصل التدريس للطلاب، تنقل لهم إيمانها بأن "التصميم هو مساحة الإحسان يا تدخل مبنى الناس تدعي لك يا تدعي عليك"، فيما تعلم أن تطوير الأحياء لتصبح صديقة للأطفال ليس أمرًا عسيرًا إن توفرت الإرادة.
فيديو قد يعجبك: