حكاية من موقع برج الهرم.. قهوجي يستقبل متضرري الحريق: "المشاريب بنص التمن"
كتب وصور- عبدالله عويس:
لم يكن بوسع المواطنين المشاركة في إخماد الحريق، ألسنة اللهب تتصاعد، أعمدة الدخان تحجب الرؤية، الاختناق والهرب من محيط العقار المشتعل سيدا الموقف. لكن أصحاب الشقق الذين باتوا بلا منازل، مع احتراق «عقار الدائري»، وجدوا لأنفسهم متسعا في مقهى جمال عابدين، المواطن الصعيدي المنشأ، والذي قرر أن يكون مقهاه مفتوحا على مدار الساعة، ملبيا طلبات زبائنه المنكوبين، رافضا أن يحاسبوا على المشاريب، بالأسعار التي يحاسب بها غيرهم، فهم في رأيه في مصاب كبير، إن لم تسعهم رحمة الناس، سيزداد ألمهم ألما.
مساء السبت الماضي، تابع جمال احتراق مبنى عقاري في محيط سكنه بالهرم، يطل على الطريق الدائري، وحين هم ابن محافظة أسيوط للمشاركة في إخماد الحريق، لم يجد لذلك وسيلة، فالدخان كان يطغى على المكان، ورجال الحماية المدنية غير قادرين على السيطرة على الحريق، وحين هرع الساكنون للمبنى إلى الشارع، تاركين كل متعهم داخل المبنى، لم يجدوا لأنفسهم مكانا، إلا من جيران وأقارب كانت لهم بهم صلة، ليقرر الرجال ترك نسائهم وأولادهم في منازل أقاربهم، بينما يتجمع أكثرهم على مقهى قريب من المبنى، يجلسون فيه للتشاور بشأن ما ستؤول إليه الأحداث.
«مش هيبقى موت وخراب ديار.. دي ناس نزلت من بيتها لا معاها جنيه، ولا كان على بالها إن كل ده هيحصل» يحكي الرجل ذو الـ64 عاما، وهو يحمل أكواب الشاي لزبائنه من ملاك الشقق التي التهم الحريق بعضها، مقررا أن يكون عليهم دفع نصف التكلفة فحسب، وسيتحمل هو النصف الآخر، ووفقا له فإن قيمة الإيجار الذي يدفعه للمكان الذي استأجره منذ شهور، 3 آلاف جنيه في الشهر، ولذلك فإنه مضطر لأخذ نصف ثمن المشروبات من الزبائن: «بس يكونوا من سكان العقار اللي اتحرق، لو حد غيرهم بحاسبه عادي».
يبيع الرجل الصعيدي لسكان المبنى المحترق، كوب الشاي بجنيهين بدلا من 4 جنيهات، والقهوة بـ3 جنيهات بدلا من 6 جنيهات، والمياه الغازية بـ4 جنيهات بأقل من ثمنها بجنيه: «ومبطلعلهمش كوبايات إزاز كله كارتون عشان كورونا» يحكي الرجل الذي يعاونه ابنه في المكان، ويتولى معه رعاية الزبائن وتلبية طلباتهم. وصار يعمل لمدة 24 ساعة لأجلهم، ويتمنى أن يكون لما يفعل ثواب عند الله فحسب.
على هيئة حلقة تزيد أحيانا بانضمام أشخاص أو تقل برحيل البعض، كان بعض ملاك الشقق يجلسون مع بعضهم البعض للحديث عن مستقبلهم، يخشى جميعهم ما ستؤول إليه الأحداث، وكان محمود هاشم أحدهم. لم يجد الرجل مكانا يجلس فيه لساعات طويلة قرب العقار الذي ما يزال يحترق حتى الآن، سوى المقهى، يذهب لشراء طعامه وشرابه ثم يجلس هناك حتى يأتي الليل، ثم يرحل عنه ويعود مرة أخرى، على عكس حسن طه الذي يقضي الليل كله مترددا بين المقهى والعقار، وهو أول من اشترى شقة في العقار الذي احترق السبت الماضي، تماما كما يفعل سيد جودة، أول من سكن في العقار، ووفقا للثلاثة وبقية الملاك فإن المقهى وما حوله من المقاهي صارت أماكن جلوسهم الرئيسية في ظل غيابهم عن منازلهم: «امبارح مثلا كان في مجموعة صغيرة خدت مشاريب بـ100 جنيه في كام ساعة مخدتش منهم غير النص وكله لله، وده اللي أقدر أقدمه».
فيديو قد يعجبك: