الدواء بالمجان| حكاية مبادرة خففت آلام أصحاب الأمراض المزمنة بإمبابة
كتب- محمود عبدالرحمن:
غلاف- أحمد مولا:
محل صغير، بالعقار المعروف برقم 10 بشارع نصحي كامل بمنطقة إمبابة، ولا يختلف عن المحال التجارية المنتشرة بالشارع الشعبي؛ لكن لافته زرقاء تعلوه؛ تعرفه بـ"الصيدلية المجانية"، لتوفير الدواء بدون مقابل للمحتاجين وغير القادرين من أهالي الحي الأكثر كثافة سكنية بشمال الجيزة.
وسط عشرات المصطفّين أمام باب الصيدلية، كانت ملك عمر تحجز دورها، لتتمكن من صرف الدواء لوالديها، اللذان يعانيان من أمراض مزمنة، قبل نفاذ الدواء كما حدث أمس الأول، حينما عادت إلى والديها بدونه، ليضطرا إلى اقتطاع جزء من مصروف البيت؛ لشراء دواء يكفيهما لأيام معدودة، حتى يتوافر مجددا بالصيدلية المجانية، ويتمكنا من الحصول عليه، "اشتريت نص العلاج من الصيدلية العادية لحد ما أجي أصرف من هنا تاني "، تقول ملك، التي تخشى حدوث مضاعفات لوالديها بسبب حالتهما الصحية المتأخرة.
وعن والديها تحكي، والدي يعاني من قصور في شرايين القلب منذ سنوات، بينما والدتها تعاني من مضاعفات ضغط الدم المرتفع؛ استقرار حالتهما مرهون بالالتزام بتعاطي الدواء بصفه دائمة، ومنذ خمس سنوات، تحصل أسرة ملك على 70% من الدواء من الصيدلية المجانية، بينما 30% الأخرى تكون الأسرة مجبرة على شرائها، لعدم تمكنها من الحصول عليها مجانا، "في مرات كتير بيكون الدواء مش موجود، وبنكون مجبرين على توفير فلوس لشرائه".
مبادرة "العلاج ببلاش"، التي دشنها رامي جمال، الذي يعمل في مجال الأدوية منذ 14 عاما، تعود فكرتها إلى يناير 2017، عندما لاحظ أثناء عمله كمساعد صيدلي بإحدى الصيدليات بمنطقة إمبابة، تردد العديد من أهالي المنطقة، لصرف روشتات الدواء، "في ناس كتير كانت تيجي الصيدلية تسأل على أدوية ومش معها فلوس، وكانت ممكن تمشي من غير ما تأخذ الدواء"، بينما الأكثر حظا منهم: "وفي مرضي كانوا يصرفوا جزء من الدواء، والجزء التاني يأجلوه"، ومجموعة ثالثة كانت تشتري الدواء وتدفع جزء من ثمنه وتأجل الباقي"، هذه النماذج المختلفة والمتنوعة، كانت السبب في تبنى "رامي" للفكرة والعمل من أجل تطبيقها.
عرض الشاب الثلاثيني فكرته على إدارة جمعية خيرية، لها نشاط ملموس بمنطقة القومية العربية بإمبابة، بناء على اقتراح صديق له؛ ليرحب القائمين عليها بالفكرة، التي وفروا لها مقر بشارع نصحي كامل، المتفرع من شارع العروبة، ليكون مركزا لتجميع الأدوية وإعادة توزيعها على المرضي المحتاجين إليها.
أدوية القلب والضغط التي يصرفها والد ووالدة ملك؛ تعتبر من أكثر الأدوية التي يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة من أهالي المنطقة وخارجها، الذين يأتون إلى الصيدلية بصفة شبة دورية من أجل صرفها، بحسب تقديرات رامي جمال، الذي يصرف متوسط 900 روشة أسبوعيا، حيث تعمل الصيدلية 3 أيام من كل أسبوع، من الساعة 3 مساء وحتى الـ 5 مساء.
"كنا بنصرف فلوس كتير على الأدوية أما هنا ببلاش"، تقارن "ملك" بين إنفاق أسرتها على الدواء قبل وبعد الحصول عليه من الصيدلية المجانية، وتعد الرعاية الصحية ثالث أعلى بند إنفاق لدى الأسر المصرية، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ الذي يقدر إنفاق الأسر على الرعاية الصحية بـ 10%، من حجم الإنفاق السنوي للأسرة.
أسرة ملك تنتمي إلى محدودي الدخل، وفقا للتصنيف الحكومي لشرائح الدخل والانفاق، حيث تعتمد الأسرة على مّرتب شقيقتها التي تعمل بأحد مصانع مدينة 6 أكتوبر، بمقابل أجر 2200 جنيه شهريا، ولا تمتلك الأسرة المكونة من 4 أفراد "الأب والأم وملك وشقيقتها" مصدر دخل أخر ثابت، نظرًا لمرض الأب وعدم قدرته على العمل، تقول ملك: "أبويا كان شغال في النقاشة بس دلوقتي في البيت، وشغله قليل مش زي الأول".
"أنا بصرف علاج من المستشفى، بس مش بيكفي"، يقول محمود صادق، الذي تردد على الصيدلية المجانية حديثا، لاستكمال صرف أدوية حساسية الصدر، الذي يصرفه على نفقة الدولة من إحدى المستشفيات الحكومية، حيث يصرف 6 علب كل ثلاثة أشهر من صيدلية المستشفى، لكنها لا تكفي استخدامه "أدوية المستشفى بتخلص في شهر".
وكان يضطر للشراء من الصيدليات الخارجية، بمتوسط 200 جنيه، لتوفير باقي أدوية علاجه، وعندما علم صاحب 66 عامًا، الذي يعاني من حساسية الصدر منذ 10 أعوام، بالصيدلية المجانية لم يتردد بالذهاب إليها وصرف ما يحتاج إليه إذا كان متوافر بها.
شراء الأدوية والأجهزة الطبية يستحوذ على النصيب الأكبر من إنفاق المصريين على الصحة، بنسبة 55.5% من الإنفاق على الرعاية الصحية، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
تعتمد الصيدلية المجانية على توفير الدواء من ثلاثة مصادر، التبرع بالأدوية من شركات الدواء؛ التي يتواصل معها القائمون على الصيدلية. وتبرعات أهل الخير تأتي كمصدر ثاني للدواء، حيث تخصص هذه التبرعات لشراء الأدوية التي يوجد عليها إقبال واحتياج دوري. بينما تأتي الأدوية التي تجمع من المرضى بعد تعافيهم كمصدر ثالث، كما يروي رامي جمال.
الأدوية التي تأتي من المصدر الثالث، تخضع لمعاملة مختلفة؛ حيث تتولى أمرها سمية رشاد، المتطوعة بالصيدلية، وتتمثل مهمتها في عملية فرزها، "الأدوية اللي لسه صلاحيتها شغالة بحطها على الرفوف واللي منتهية تترمي"، فهذه النوعية من الأدوية التي تجمع من المنازل، تصل إلى الصيدلية مجمعة في أكياس بلاستيكية، وبعد استبعاد الأدوية منتهية الصلاحية، وتراص الأدوية التي ما زالت صالحة وفقا لمدة الزمنية المتبقية، وتفحص صلاحيتها بصفة دورية.
ولا يقتصر المستفيدين من "مبادرة العلاج ببلاش" على أهالي إمبابة، حيث يتردد على الصيدلية المجانية العشرات من خارج المنطقة، منهم فادية سعيد، التي جاءت من شبرا الخيمة، وسلمت روشتة الدواء الخاصة بزوجها وولدتها، وكانت تنتظر دورها لاستلام الدواء، "العلاج غالي وظروفنا على أد الحال والحمد لله إن فيه مكان زى ده نصرف منه الدواء ببلاش"، تقول السيدة الأربعينية، التي يعاني زوجها من شلل نصفي فرض عليه البقاء في المنزل، وبينما والدتها تعاني من السكر وآلام المفاصل.
لدي فادية التي تعمل بمشغل ملابس خاص، أسرة مكونة من 5 أفراد، وتحصل على 2500 جنيه كراتب شهري، كانت تنفق 400 جنيه منه على الدواء، لكن حصولها على الدواء مجانا، ساعدها في توفير هذا المبلغ أو جزء منه لاحتياجات البيت الأساسية، التي توصفها، بأنها "لا تنتهي، لكن أحنا بنشترى منها على قد اللي معانا".
أُسر ملك وفادية سعيد ومحمود صادق، التي ينتمي إليها بعض أصحاب الأمراض المزمنة، الذين قدرتهم وزيرة الصحة 23 مليون مصاب بمرض مزمن في مصر، يقتصر تعامل رامي جمال صاحب المبادرة على المئات منهم، ويرى أن التعامل معهم يحتاج إلى معاملة خاصة، لأن عدم توفير العلاج لهم يعنى حدوث تدهور في حالتهم الصحية، ولذلك روشتات هؤلاء المرضي التي تصرف لأول مرة، لابد أن تتم تحت إشراف الصيدلي المشرف على الصيدلية، بعد ذلك نوفر لهم العلاج بشكل مستمر، "يعني اللي عنده السكر كل شهر معروف ليه علاج إحنا بنوفره ليه".
فيديو قد يعجبك: