إعلان

"الحرب اغتالت طفولتنا".. حكاية طفل سوري مرشح لجائزة السلام الدولية (حوار)

07:03 م الأربعاء 20 أكتوبر 2021

محمد الأسمر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث


كتب- عبدالله عويس:

كان لـ"محمد الأسمر" أن يعيش طفولة عادية. يلعب بطائرة ورقية في الصيف، ويلهو بكرة القدم في الشارع. لولا حرب مزقت البلاد وفي القلب منها أهلها.

لم يكد يحتفل الصغير بعامه الثاني في 2011، حتى اشتعلت الأحداث في سوريا وتطورت، فرأى بعينيه ما لا يطيق الكبار، وعايش مفردات الخوف والرعب، في مسرح اتسع للصراع الدولي في بلاده، وضاق بأهله. فكانت كلمات القصف والحرب والأشلاء والهجرة والدم، مما أضيف لقاموسه في سن صغيرة.

قُتل رفيقه في قصف صاروخي، وبُترت ساق الآخر، وأصيب آخرون بعاهات مستدامة، فلم يجد أقوى من صوته في الميكروفونات، ومن وجهه الطفولي أمام الكاميرات، ليلعب دورا رشحه فيما بعد لنيل جائزة السلام الدولية للأطفال لعام 2021. ليكون العربي الوحيد في قائمة المرشحين. وهو فوق ذلك كله لم يتخط الـ13 عاما بعد.

1

والجائزة تمنح سنويا منذ عام 2005، لطفل "حارب بشجاعة لأجل حقوق الأطفال"، كما يوضح الموقع الرسمي للجائزة، التي ترعاها مؤسسة "كيدز رايتس"، وهي منظمة لها مقر في هولندا، معنية بالدفاع عن الأطفال.

وما قبل الترشح للجائزة، قصة طويلة لطفل صغير، جذب أنظار العالم، ولاقت كلماته اهتماما، كان لها أثر في تغيير ولو طفيف بحياة بعض أطفال سوريا، وما يزال يحلم بتغيير أكبر. يقول محمد في حديثه لـ"مصراوي" عن الجائزة، إنها ليست الهدف: "إيصال معاناة الناس وأصواتهم ما أبتغيه".

2

ويسجل محمد مقاطع فيديو، وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث فيهما عن أزمات المواطن السوري، لا سيما الأطفال. يروي حكاية فتاة أجبرت على الزواج مبكرا، وعن صديقه الذي اضطر لترك المدرسة ليوفر الأموال لأسرته، وعن زميله الذي فقد ساقه بسبب ضربة صاروخية. ويأمل في أن تكون لكلماته صدى، وأن يكون لذلك الصدى رد فعل، يوقف ذلك النزاع المستعر منذ سنوات: "حين قتل رفاقي وأصيب بعضهم لم أستطع السكوت، وصوتي ربما يغير شيئا.. هذه الحرب قتلت طفولتنا" يحكي محمد.

3

ويعيش الأطفال في سوريا في ظل ظروف صعبة، فبحسب بيان لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، في مارس الماضي، فإن 90% من أطفال سوريا يحتاجون إلى مساعدة إنسانية. ويعاني نصف مليون طفل دون سن الخامسة من التقزم، نتيجة سوء التغذية. كما أن مليوني ونصف المليون طفل بسوريا، و750 ألف طفل سوري في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدارس. كما قتل وأصيب نحو 12 ألف طفل خلال 10 سنوات. وتم تجنيد 5700 طفل للقتال، لا تزيد أعمار بعضهم عن سبع سنوات.


حين كان محمد في الخامسة من العمر، أطلق عليه جيرانه لقب "الآلة الحاسبة البشرية"، لتميزه في الرياضيات، وقدرته على جمع الأعداد في رأسه في ثوان معدودة، مهما كانت كبيرة. كما أنه يلعب الشطرنج بمهارة تفوق سنه. وأكسبه هذان الأمران شهرة كبيرة في محيطه، وصلت إلى وسائل الإعلام المحلية، وهو في سن التاسعة، ومنذ تلك اللحظات وهو يخطف الأنظار.

4

إلى جانب الرياضيات والشطرنج، استطاع محمد حفظ القرآن سريعا، يعرف أرقام الآيات والسور. كما يعد أبرز طلاب مدرسته تفوقا. يقول والده عزيز الأسمر لـ"مصراوي" إن ابنه اكتسب حب الرياضيات والأرقام والتفوق الذهني من أخواله: "لأنهم متميزون أيضا في ذلك الأمر، وحققوا في الشطرنج مثلا جوائز كثيرة، وربما ورث عنهم الأمر". ويرى الرجل في ابنه موهبة كبيرة، وأملا في المستقبل.

5

لدى عزيز والد محمد، موهبة الرسم، ورث هذا الأمر عن والده، ويستغل الرجل الجدران في رسومات تعبر عن الواقع الصعب الذي تعيشه سوريا منذ سنوات، والتعبير عن القضايا التي تشغل بال العالم. ولاقت رسومات عزيز إعجاب وسائل الإعلام الدولية، فانتشرت أخباره في الصحف العالمية، وأقيمت لأعماله معارض خارج سوريا. وكان الرجل قبل سنوات يعيش في لبنان، ويعمل هناك في مجال الخط، ويرسم على الكتب أسمائها بفن مميز، قبل أن يعود ويستقر في سوريا، تحديدا في مدينة بنش بإدلب.

6

يحب عزيز الفن، ويفتش عنه في رأس أطفاله، فاكتشف في ابنه الأكبر أحمد، صوتا حسنا، مكنه فيما بعد من الغناء. وكانت تصوراته عن محمد وهو ابنه الأوسط، أنه يملك عقلا يحب الأرقام فحسب، على أن الأيام ستظهر موهبة أخرى ستغير حياة الصغير، وتجعله صاحب رسالة، ستصل إلى العالم فيما بعد: "وعندي طفل آخر اسمه عمر، لكنه ما يزال صغيرا، لا أعرف هل سيكون موهوبا كأخويه أو غير ذلك".

7

كان عزيز ذو الـ48 عاما، يرسم على حائط مدرسة أصابها دمار، وكان محمد يقف إلى جواره، حين رأى أحد المصورين طفلا مبتور الساق، يتابع فرشاة عزيز وهي ترسم فنا. ليطلب المصور من الطفل الاقتراب والمشاركة. وكان الطفل صديقا لمحمد، فاستغل وجود كاميرا في يد صحفي، وقرر تسجيل مقطع فيديو يتحدث فيه عن المعاناة التي يلقاها أطفال سوريا. كانت تلك حلقة أولى في سلسلة فيديوهات سينشرها محمد فيما بعد.

8

كان محمد يسجل مقاطع مصورة قبل ذلك لكنه لا ينشرها، ومع نشر الفيديو الخاص بصديقه الذي بترت ساقه، انتشر المشهد سريعا، وقرر بعض الأشخاص التواصل معه، وقاموا بتجهيز طرف صناعي لصديق محمد. كانت تلك اللحظة التي قرر فيها الصغير أن يتحدث عن كثير من القضايا علَّ صوته يشكل فرقا ولو بسيطا: "صار يتحدث عن اللاجئين والمبتورين والقصف وغياب التعليم والموت المنتشر وصراع النفوذ" يحكي والد محمد.

9

يقول عزيز إن الرسالة حين تخرج من طفل، تصبح أكثر تأثيرا، تلقى وجوههم البريئة قبولا، ويصغي لكلماتهم الناس، لا سيما حين يكون الحديث عن الأطفال، ممن هم في سن نجله أو أصغر. وكان لمحمد رغبة في أن تتخطى كلماته النطاق العربي، وتصل إلى العالم كله، فدرس اللغة الإنجليزية في أحد المراكز المحلية لتعليم اللغات الأجنبية، والتي يشرف عليها عمه: "لأن هدفي أن تصل الرسالة لكل الناس، وأن تصل أصوات المستضعفين من الأطفال للجميع، وأن تتوقف الحرب وننعم بالأمان" قالها محمد، الذي كان ينشر ما يصور عبر صفحة والده على موقع فيسبوك.

10

يكتب محمد، النص الذي سيقرأه باللغة الإنجليزية، ويعرضه على عمه لتصحيح الأخطاء التي قد ترد فيه، ويصور نفسه بنفسه، أو بمساعدة من الإعلاميين الذين يعرفهم. ويتذكر الصغير حين قُتل ثلاثة من أصدقائه نتيجة قصف، ولم يتمالك نفسه من البكاء، قبل أن يهدأ ليسجل مقطع فيديو يحكي فيه ما حدث. وفي حين أن بعض المنظمات تستجيب لما ينشره محمد، وتقدم عونا للأطراف المتضررة التي يحكي عنها، إلا أنه لا يقبل الهدايا التي ترسل له بشكل شخصي، على ما حكى والده.

11

ولا يقتصر حديث محمد على الأطفال فحسب، كانت له كلمات بشأن المصابين في الحرب، والأسر المهجرة، وانتشار فيروس كورونا وغياب الرعاية الطبية، وعن خطورة إغلاق معبر باب الهوى الذي يعد شريان حياة لسكان إدلب. يقول محمد إنه تعلم اللغة الإنجليزية ويحاول إتقانها بغرض انتشار مقاطعه المصورة، ووصولها لأكبر قدر من الناس حول العالم: "وبدأت في نشر الفيديوهات منذ عام تقريبا، ومنذ 4 أشهر أنشأت صفحة على فيسبوك باسمي، وكل ما أتمناه أن نعيش في أمان في سوريا، وأن يتوقف الصراع والحرب".

وبمرور 10 سنوات على النزاع والحرب في سوريا، كانت اليونيسيف، قد نشرت على موقعها الرسمي، تذكيرا للأطراف المتنازعة، بأنها في حاجة لدعم يصل إلى 1.4 مليار دولار لأطفال سوريا، وناشدت بإعادة دمج الأطفال في المجتمع. وطالبت أطراف النزاع بالامتناع عن الهجمات على الأطفال، والبنية التحتية بما في ذلك المدارس والمستشفيات. وقالت في بيانها الذي نشرته في مارس الماضي إنه "لا منتصر في هذه الحرب، بينما تلحق الخسارة الكبرى بأطفال سوريا".



في اللحظة التي عرف فيها محمد نبأ ترشحه لجائزة السلام الدولي للأطفال، ضمن 169 مرشحا آخرين من 39 دولة، كانت سعادته كبيرة، كونه العربي الوحيد في القائمة، ويتمنى أن تصل رسالته للعالم أجمع، فاز بالجائزة التي ستعلن نتيجتها خلال شهور، أو لم يفز. ويحلم لنفسه بغد أكثر لطفا، وأن يتميز في دراسته. لكن حلما أكبر من ذلك كله يراوده بين الحين والآخر: "أحلم بإنشاء مركز يسلط الضوء على أطفال سوريا ويرعى مواهبهم، وأن يجد كل طفل سوري حقه في الطفولة والتعليم والحياة".

فيديو قد يعجبك: