لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

24 يومًا رفقة "كورونا".. كيف وثّقت منة عُزلة مرضها بالكاميرا؟

05:43 م الأربعاء 06 يناير 2021

منة عارف

كتبت-دعاء الفولي:

تصوير - منة عارف:

حين تنظر منة عارف للخلف، تمتن إذ تتذكر نجاتها من "كوفيد-19"، تستعيد شعور الخوف، نظرات والدها الحانية، مساعدة أخيها لها رغم بُعد المسافات، ووجود والدتها التي التقطت منها العدوى. في مطلع ديسمبر الماضي باتت منة من المصابين. مكثت صاحبة الـ25 عاما ما يقارب الشهر داخل غُرفتها لا تغادرها إلا للشُرفة، اشتد عليها المرض أحيانا فلم تبرح السرير، كانت أياما ثقيلة، لكن منة لم تخرج منها خالية الوفاض؛ وثقت ما استطاعت بالكاميرا، ظلت رفيقتها خلال المرض وشريط الذكريات الذي يعيد لها تفاصيل الإصابة.

تمنّت المصورة بمجلة روزاليوسف دائما أن توثق حال المصابين بالفيروس المستجد "وكنت كل ما أحاول أعمل دا أتعطل"، حتى أنها مزحت مع أصدقائها في إحدى المرات "قولتلهم لو جالي كورونا هصور نفسي عشان أبقى حققت اللي نفسي فيه"، تضحك حين تتذكر الجُملة "عشان بعدها بفترة قليلة اتصبت فعلا ومكنتش أعرف"، تُعاني منة أحيانا من أزمات في الجيوب الأنفية "عشان كدة لما لقيت إني مش بشم ماما وبابا قالولي ممكن تكون حاجة عادية بس عملت مسحة احتياطي".

1

أسبوع مكثت فيه منة داخل منزلها بعد المسحة "كنت فاكرة إنه إجراء روتيني وأول ما تطلع سلبية هنزل"، كانت الشابة بحكم عملها لا تعود للمنزل إلا مع نهاية اليوم "وعندي حاجات كتير طول الوقت"، لذا حينما جاءت نتيجة المسحة إيجابية أصابتها صدمة؛ انزعجت المصورة من فكرة البقاء بالمنزل، غير أن ذلك فيما بعد تحول لأبسط همومها "خلال أيام تعبت جدا.. الأكسجين في جسمي بدأ يقل وماما عملت مسحة وطلعت إيجابية هي كمان". ترك والد منة وشقيقها المنزل، بدأت عُزلتها رفقة الأم لمدة 14 يوما.

2

لم تُغادر منة غرفتها، غير أن أصدقائها لم يتركوها "كنت بخلص فيديو كول أدخل في مكالمة تانية.. كان وجودهم دعم كبير ليا ولماما"، وقتها مرت في عقلها فكرة التوثيق بالكاميرا، إلا أنها ترددت "عشان كنت تعبانة في أيام وحاسة إنه دا هيخليني معملش صور حلوة"، استمر تشجيع أصدقائها لها على خوض التجربة، حتى قررت البدء.

3

كانت منة تُوثق لحظات متباينة للمرض؛ تارة بين زجاجات الدواء، أخرى بينما تقيس درجة حرارتها، جلستها الصباحية في الشُرفة للحصول على الشمس، أو نظرتها لأخيها من الشُرفة والإجراءات الاحترازية داخل المنزل، كانت تُسجل كيف تتحول الأشياء العادية لرفاهية مستحيلة "كنت بستبعد مشوار الشغل بتاعي، بقى بالنسبة لي وقتها أكتر حاجة ممكن تبسطني لو حصلت"، لم تتوقف الشابة عن التوثيق خلال 24 يوما من العزل، إلا بضعة أيام غلبها فيهم الإرهاق، وفيما عدا ذلك مرت لحظات "كنت بقوم أظبط الكاميرا وأنا حرارتي عالية ومكنتش ببقى شايفة كويس"، فيما استعانت بمساعدة والدتها بأوقات أخرى "أظبط الكاميرا واقولها أنا تعبانة مش قادرة أقوم تاني معلش دوسي على الزرار".

4

والدا منة طبيبان. اتخذ آل البيت الإجراءات الاحترازية بمجرد إصابتها؛ بات لها كيس ضخم للقمامة عليه إشارات تُنذر بالمخلفات الخطرة، غُرفتها تحولت لمستشفى عزل صغيرة، عُلق خارجها ملصق يدل على الإصابة، حتى أن والدتها ورغم إصابتها "مكنتش بتقعد معايا من غير كمامة أبدا ودا حتى في أوقات قليلة"، إذ كانت الأم تضع لها الطعام عادة على باب الغرفة، وإذا اضطرت للدخول ترتدي ملابس معينة تُعقم قبل التواصل وبعده.

5

أحيانا كان الألم يستبد بالمصورة وتشعر بالوحدة "فكنا نفتح باب أوضتي وأوضة ماما وهي تقعد في أوضتها وأنا جوة أوضتي ونتكلم واحنا لابسين الكمامات"، عقب أيام من الفيروس اعتادت الشابة قليلا على أعراضه المرهقة "واللي اتحولت بعد كدة لمشاكل في الجهاز الهضمي"، لكنها لم تعتد أبدا على الصمت المطبق المخيم على المنزل.

6

حين قررت منة البدء في مشروع التوثيق "اتفرجت على أفكار شبيهة شوية برة مصر عشان أقدر اتخيل الكادرات اللي حابة أعملها"، كانت تصور بلا انقطاع "طالما قادرة أقف على رجليا"، لم تنظر في جميع الصور خلال العمل بسبب التعب الشديد، غير أنها علمت أن ثمة صور لن تستطيع الحصول عليها طالما تُصور نفسها "زي إني مثلا أوثق لحظة ما ماما بتحط لي الأكل على باب الأوضة، كان لازم اللي يعمل دا حد غيري"، عملت الشابة بما هو مُتاح، بعض الصور كانت تلقائية "كنت بحط الكاميرا في زاوية معينة عشان أصور لقطة في دماغي فتطلع لقطة أحلى وطبيعية أكتر".

7

كانت أيام المرض شديدة الوطأة، بات الوضع أصعب نفسيًا حينما أجرت مسحة أخرى "واكتشفت إني لسة إيجابي بس الحمد لله ماما كانت خفت"، انفك الحصار قليلًا عن منزل المصورة الشابة؛ عاد الوالد للبيت بعد تعقيمه "ساعتها أدركت أد إيه وجود ماما وبابا مهم في حياتي ولولا كورونا مكنتش يمكن عرفت دا"، أدركت منة أيضا أن التصوير كان سلواها أثناء المرض، أصبحت أكثر تقبلا للوضع وهدأ غضبها "وساعات كنت بنزل أمشي حوالين البيت وأرمي القمامة بتاعتي في الصندوق"، وعندما جاءت نتيجة المسحة سلبية أخيرا، قررت نشر مشروعها المصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

8

ردود فعل عديدة تلقتها منة "اتخضيت جدا من إن الناس حبت الصور ولمستهم"، عادت الشابة لعملها آخر ديسمبر الماضي "وبقى هوا الشارع شيء جميل وبستناه كل يوم"، مازال حلمها الأكبر توثيق حالات العزل المنزلي، تعتبر ما حدث لها تدريبا على التصوير، ومنحة ربانية أنقذتها ووالدتها من يد الفيروس المفترس.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان