إعلان

هل أراك؟| (9).. معركة الأرض (بروفايل)

10:28 م الجمعة 04 سبتمبر 2020

فلسطيني يحمل العلم في يوم الأرض


كتبت-إشراق أحمد:

لبى خيري حنون النداء كما يفعل منذ أبصر الحياة في طولكرم، قبضت يداه على علم فلسطين وانضم لزمرة المحتجين على مصادرة أراضي الضفة الغربية، كان الرجل الستيني هدفًا مميزًا، ارتدى دون الجميع الزي الخاص برجال فلسطين من جلباب وعقال رأس، فما إن هب جنود الاحتلال لردع المتواجدين العُزّل إلا من هتاف وعلم، لم يجد الجندي الإسرائيلي أفضل من "حنون" للاعتداء عليه وطرحه أرضًا، فكل ما يظهره يستفز وجود حامل السلاح.

1-"حنون" ضمن نحو 5 ملايين يعيشون على أرض فلسطين، 2 مليون يسكنون الضفة الغربية المحتلة، يقيمون في القلب من وجود الإسرائيليين وسلطتهم المفروضة على البلاد منذ 72 عامًا، هم مَن ورثوا لواء الحفاظ على ما تبقى من الأرض، خلفًا لمن بقوا بعد انتهاء الانتداب البريطاني وتسليم فلسطين إلى المحتل الإسرائيلي عام 1948.
بعد وقوع النكبة، لم يبق سوى 150 ألفًا من إجمالي نحو 2 مليون فلسطينيًا، أبقت عليهم إسرائيل ليعطوا شرعية "المواطنة" في دولتها، فرضت عليهم الهوية الإسرائيلية بعد ضغط الأمم المتحدة، حملوا وصف "عرب إسرائيل أو فلسطينو 48"، أرادتهم رهائن لمشروعها، خاصة وهم أهل الأرض، مَن يعرفونها ويعملون فيها.

فرض الاحتلال على الفلسطينيين المتبقين حصارا من الفقر والترهيب "والتهويد" تمثل في حكم عسكري استمر لـ18 عامًا، حُرم فيها أي فلسطيني من سماع كلمة عربية والانتقال لرؤية ذويه في بلدة أو محافظة أخرى، لاسيما في القدس والضفة الغربية اللتين احتلتا عام 1967. كانت الحياة أشبه بسجن جماعي تحت سماء الوطن المفتوحة، لكن الفلسطينيين لم يستسلموا.

2-

أمام كل توسع صهيوني، يدخل الفلسطيني معركة، يقاتل للحفاظ على كل شبر ولو بأيدي عارية، إلا أن تلك المواجهة لا تُنسى؛ مع العام 1975 كان الإسرائيليون أحكموا السيطرة على كافة
فلسطين، صاروا يعيثون في الأرض استيطانًا، قبل ذلك التاريخ صادروا أكثر من مليون دونم –الدونم ألف متر- في منطقة الجليل (شمال فلسطين) والمثلث بالجنوب، والمبرر موجود "أراضي دولة" تلزم لأغراض عسكرية أو عامة، وهو ذاته ما قيل حين عزم الاحتلال على مصادرة 21 ألف دونم من أراضي 12 قرية يسكنها الفلسطينيون العرب، أطلقوا عليه "تطوير الجليل".

فاض الكيل، سنوات ويرى فلسطينيو الداخل فرحة المحتل بدولتهم أمام شعورهم بالنكبة، تعمل إسرائيل على محاصرتهم بكل شيء عبري، المدارس والمشافي والعمل، كتموا فلسطينيتهم حتى تخيل المحتل أنه تمكن من نفوسهم فلم يقاوموا بعد ذلك أبدًا، لكن خاب الظن؛ لملم أهل الأرض شتاتهم، كونوا جبهة لمجابهة مصادرة الأراضي، وفي حيفا بتاريخ 29 يوليو كان اللقاء الأول لكافة أطياف الفلسطينين، الشعراء والمزارعين، التجار والسياسيين، وتقرر تشكيل لجنة الدفاع عن الأراضي العربية.

3

للمرة الأولى تقام مؤتمرات شعبية على الأرض المحتلة منذ النكبة، يقف الشاعر توفيق زياد شاحذًا الهمم، تقلد رئيس بلدية الناصرة حينها، فيما يعكف المثقفون على الكتابة والحديث لتوعية الشعب الصامد بأهمية دورهم، كان في ذلك فعل عظيم، أن يجد الفلسطينيون القوة داخلهم بعد معركة نفسية أدارها الاحتلال طيلة سنوات لتوطين شعورهم بأنهم أقلية لا صوت ولا نصير لهم،
لكن كيد المحتل دومًا ضعيف مهما بلغ.

تصاعدت الأجواء في شهور، واشعلها ما قامت به سلطات الاحتلال من مصادرة 3 آلاف دونم من قرية كفر قاسم، ثم في فبراير 1976 مُنع الفلاحين من قرى سخنين، دير حنّا، وعرّابة من دخول أراضيهم لأنها تقع في زمام "المنطقة رقم 9" المستخدمة لتدريبات عسكرية، وإن فعلوا عُد هذا مخالفة جنائية.

لم يجد الفلسطينيون بدًا، في آخر اجتماع بالناصرة، دعا رؤساء المجالس المحلية العربية ولجنة الدفاع عن الأراضي إلى إضراب شامل وتظاهرات تطوف البلاد على أن يكون ذلك في 30 مارس. خرج النداء لنصف مليون فلسطيني يحيا تحت الحكم الإسرائيلي على مساحة تساوي تعدادهم، فضلاً عن 2 مليون دونم أخرى في النقب، وتذكرت الدعوة اليهود المنصفين للخروج في
مسيرة أمام الكنيست في القدس.

4

ارتبك الاحتلال، لم يواجه أمر مماثل منذ سلب فلسطين، فقرر التعامل مع التظاهرات بعدة الحرب، خاصة بعد خروج الفلسطينيين باكرًا، بعدما اعتقلت القوات الإسرائيلية فضل نعامنة عضو المجلس المحلي لقرية عّرابة، وقفت الآليات العسكرية على مداخل القرى، وفتح الجنود النار على المتظاهرين العّزل، لكن هذا لم يضعف العزيمة.

مع الخامسة فجرًا انتشر الفلسطينيون على محطات الحافلات لثني العمال الذين توجهوا تحت ضغط إلى العمل، وزحف أهل القرى لساحات الميادين، كان تحدي كبير أمام قوة عسكرية تملك كل شيء، ووجدت أن تعيد بناء حاجز الخوف لدى أهل فلسطين، إلا أنه ما عاد بالإمكان ردع المارد؛ واجه الشباب، النساء والرجال بالحجارة الآليات والمجنزرات المداهمة للقرى، عرفوا الانتفاض بحجر قبل أن يراه العالم على شاشات التلفاز في الثمانينيات، واشتعلت الطرق الرئيسية بالزجاجات والإطارات الحارقة.

5
معركة دامية، سقط 6 شهداء، وأصيب 50 أخرين وتعرض نحو 300 فلسطينيًا للاعتقال، فيما شهد أهالي قرية سخنين وعرّابة التفاوض الشعبي الأول، بعدما احتجزوا 10 من جنود الاحتلال في أحد البيوت، وأسروا مصفحة عسكرية، بأيديهم أجبروا القائد العسكري الإسرائيلي رفائيل إيتان -الذي أصبح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقت حرب لبنان- على سماع مطالب
الفلسطينيين لتحرير جنوده.

انقضى "يوم الأرض" كما اسماه أهل الصمود حينها، لكنه حفظ 21 ألف دونم سالمة لأصحابها، انتصر الفلسطينيون في جولة من معركة مستمرة إلى الآن. لم تتوقف إسرائيل عن مصادرة الأراضي، تعمل على ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية التي تسيطر على 60% من مساحتها، فيما تواصل إصدار قرارات الإخلاء والهدم لقرى بعينها مثل فراسين غرب محافظة جنين، لكن الفلسطينيين عرفوا الطريق.

6

44 عامًا منذ ذلك اليوم، ومازال الفلسطينيون يلبون النداء؛ في النقب يعيد أهالي العراقيب بناء قريتهم بعد هدمها للمرة 177، ويتمسك أخر بمنزله وسط المستوطنات، ويلجأ أحمد عمارنه لسكن كهف في الجبل، وقرب المنطقة المقرر تحويلها لمستوطنة صناعية في طولكرم، لن يكف "حنون" ورفاقه في هيئة مقاومة الاستيطان عن الخروج حاملين أعلام فلسطين، لا يهابون السلاح الموجه لأعناقهم، ففي كل نهار يقف فلسطيني بمواجهة المحتل الرامي لسلب بقعة جديدة هو "يوم للأرض".


المصادر:

- دراسة بعنوان جغرافيا الاستيطان كيف يتم تحويل الضفة الغربية إلى "كنتونات"؟ لدكتور أحمد الأطرش، صدرت عن المركزالفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ديسمبر 2014

- الكتاب الأسود عن يوم الأرض 30 أذار 1976، إصدار اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي العربي

- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
- موقع رحلات فلسطينية.

-مركز المعلومات الفلسطيني (وفا).

- مؤسسة الدراسات الفلسطينية.


اقرأ أيضًا:

هل أراك؟| (1).. "حصّادين" الأرض المقدسة (بروفايل)

هل أراك؟| (2).. كانت تسمى "عيون قارة" الفلسطينية (بروفايل)

هل أراك؟| (3).. زارعو الألغام في سوق حيفا (بروفايل)

هل أراك؟| (4).. يوم أن حملت مُعلمة فلسطينية السلاح (بروفايل)

هل أراك؟| (5).. الثلاثاء الأحمر في سجن عكا (بروفايل)

هل أراك؟| (6).. ليلة عيد في ديار فلسطين (بروفايل)

هل أراك؟| (7).. مَوطني (بروفايل)

هل أراك؟| (8).. رسالة بريطانية: ليس لإسرائيل صديق (بروفايل)

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان