طابور الإسعاف| عندما يكون شراء الدواء سبباً في الإصابة بـ"كورونا" (معايشة)
كتب وتصوير- محمود عبدالرحمن
حائط مبنى خرساني، يتوسطه باب حديدي، وخمسة منافذ زجاجية مثبث عليها شبكات حديدية.. يفصل الجدار الذي تعلوه لافتة توضح ماهية المكان بـ"صيدلية الإسعاف - الشركة المصرية للتجارة الأدوية" بين العاملين بالصيدلية الحكومية داخل المبنى المكون من طابقين، وعشرات المئات من المترددين عليها، لشراء الأدوية لذويهم المعزولين منزلياً، للاشتباه في إصابتهم بفيروس "كوفيد - 19" أو الذين تأكدت إصابتهم، ولم يتم حجزهم بمستشفيات العزل.
العزل المنزلي لمصابي كورونا أحد بروتوكولات وزارة الصحة المعتمدة، منذ 5 يونيو الحالي، لعلاج ومتابعة حالات "الاشتباه/ المؤكدة" إصابتهم بفيروس كورونا المستجدّ، لكن حالتهم مستقرة أو يعانون من أعراض بسيطة، ولا توجد إحصائيات رسمية معلنة عن علاج هذه الفئة من المرضى.
يتواصل المئات من المتواجدين بالخارج مع العاملين داخل الصيدلية، عبر ثلاث فتحات صغيرة بالشبكات الحديدية المثبتة على النوافذ الخمسة، إحداها للرجال والثانية للسيدات والثالثة للخزنة، بينما الرابعة والخامسة مغلقتان.
الوصول إلى الشباك الذي تتوسطه فتحة صغيرة للاستفسار أو طلب العلاج أو حجزه في حالة عدم وجوده قد يمتد إلى 3 ساعات من الانتظار في طابور طويل، كما حدث مع محمد على، الذي جاء من مدنية الإسماعيلية، من أجل شراء حقنة "أكتيمرا" التي أكد له الطبيب المعالج أنها لا توجد إلا في صيدلية الإسعاف بالقاهرة "واقف في الطابور أكتر من ساعتين ولسه ما وصلتش للشباك" يقول الشاب الذي حرص على إحضار تقرير طبي يشخص حالة والده ويحدد مدى احتياجه لهذه الحقنة، وكذلك روشتة معتمدة من الطبيب المعالج، وصورة من بطاقته الشخصية.
بغير تلك المستندات لن يتمكن المريض أو من يشتري له العلاج من الحصول عليه، كما يقول أحد العاملين بالصيدلية التي تعمل على مدار 24 ساعة، يأتي الدور على "محمد" الذي وصل إلى الشباك، يقدم التقرير الطبي وصورة البطاقة والروشة للصيدلي "تيجي تستلمها بكرة بعد الساعة 4 العصر"، يخبره "محمد" أنه جاء من محافظة أخرى، وسوف يضطر إلى السفر والعودة مجددا، ليؤكد له الصيدلي عدم وجود بديل آخر "الحقنة بتيجي من المخزن بالطلب ومش موجودة دلوقتي"، لكن الصدمة الثانية التي تلقاها الشاب ذو الـ35 عاما هي عندما أخبره الصيدلي أن سعر الحقنة 6 آلاف و641 جنيهاً، "الدكتور اللي كتب الحقنه قال إنها غاليه، بس ما توقعتش توصل للمبلغ ده".
ارتفاع ثمن العقار الطبي الذي يتجاوز 6 آلاف جنيه، يصفه الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة، بالسعر الطبيعي الذي يباع به حتى قبل ظهور وانتشار "كورونا"، ويعتبر من أرخص الأسعار عالمياً، حيث يتم استيراده من الخارج، موضحا أن الصيدليات لديها تعليمات بعدم بيع الأدوية التي تعالج أعراض كورونا؛ إلا بعد التأكد من وجود روشتة معتمدة من الطبيب.
(أكتيمرا/ actemra) عقار مضاد للالتهاب، يتوافر في سوق الدواء المصري بثلاثة تركيزات (80 و200 و400)مجم، ولكل تركيز سعر محدد بنفس الترتيب(1334، و3648، و6641) جنيها، وزاد الطلب عليه مؤخرا، بعدما أعلنت الشركة المصنعة "روش السويسرية للأدوية" يوم 28 مايو الماضي أن العقار حقق نتائج جيدة عند مزجه مع عقار "ريمديسيفير" الذي تصنعه شركة "جيلياد ساينسز"، في علاج الالتهاب الرئوي الحاد الناتج عن الإصابة بمرض "كوفيد - 19"، مما يجعله علاجا فعالا في رد الفعل المناعي الشديد الذي يحدث أحيانا عندما يصاب المريض بفيروس كورونا.
"أنا ليا أقارب في القاهرة، بس ما ينفعش أروح أبات عند حد فيهم في الأيام دي، الكل هيكون خايف"، يقول محمد أثناء تحركه إلى موقف العاشرة بالسلام، للعودة إلى الإسماعيلية، قبل ساعات الليل.
وفي اليوم التالي وقبل الساعة 4 مساء، كان محمد واقفا في الطابور مجددا أمام صيدلية الإسعاف، ليتسلم الحقنة التي حجزها أمس "ربنا اللي يعلم الفلوس دي جمعناها إزاي"، يقول "محمد" لموظف الخزنة أثناء دفع ثمن الحقنة، وينتظر النداء على اسمه لتسلم الحقنة.
"احرص على ترك متر ونصف بينك وبين غيرك".. تنبيه علق على جدار الصيدلية الشهيرة بميدان الإسعاف بمنطقة وسط البلد، لكنه لم ينفذ على أرض الواقع، حيث يصطف العشرات من الرجال منذ ساعات الصباح الأولى في طابور ممتد، يتزايد مع مرور الوقت واستمرار توافد الراغبين في الحصول على العلاج، بينما طابور السيدات كان أقصر طولاً وأقل عدداً من طابور الرجال.
لكن الرجال والسيدات اشتركوا في التزاحم وعدم ترك مسافة الأمان ومراعاة التباعد الاجتماعي والإجراءات الوقائية، وفي محاولة من الشركة المصرية للأدوية لمواجهة الزحام على صيدلية الإسعاف، علقت لافتة كبيرة لإخبار القادمين إليها الذين يأتون من جميع محافظات الجمهورية بتواجد عدد من الصيدليات الأخرى التابعة للشركة سيتوفر بها بروتوكولات علاج فيروس "كوفيد - 19" خلال الأيام القادمة.
تقول سامية فايد إنها تأتي إلى صيدلية الإسعاف بصفة دورية حتى قبل ظهور "كورونا" من أجل الحصول على برشام "ترامادول" لوالدتها المريضة، حيث يدخل في بروتوكول علاجها كمريضة سرطان، لكنها لم تشاهد هذا الزحام إلا في فترات معينة، مثلما كان يحدث وقت أزمة ألبان الأطفال قبل عامين، أثناء صرف حقن البنسلين التي لم تكن موجودة في الصيدليات العادية وقتها، لكن المشكلة هذه المرة، كما ترى السيدة الأربعينية أن المرات السابقة لم يكن هناك وباء ينتشر بين الناس "ربنا يستر، لو واحد بس تعبان ممكن يعدينا كلنا وإحنا ننقل العدوى لبيوتنا".
يقول "محمد" مهما كانت المعاناة التي يعانيها من أجل الحصول على العلاج تهون أمام شفاء والده "مقدرش أشوف والدي تعبان ومش عارفين نجيب له العلاج، حتى لو من آخر الدنيا"، لكنه ينتقد إصرار العاملين بالصيدلية "يعني لو واحد بيموت هيروح وييجي تاني يوم برضه".
"الحقنة مش موجودة في أي صيدلية غير الإسعاف وكمان غالية جدا"، يقول عاصم خليفة، الذي كان يستفسر من الموظف عن موعد وصول الأدوية من المخازن وصرفها، بحثنا عنها في أغلب صيدليات كفر الشيخ، ولم نجدها، لذلك لجأ إلى صيدلية الإسعاف بالقاهرة، بناء على نصيحة أحد الأطباء.
وعن سبب عدم تواجد العقار الطبي في الصيدليات العادية، يقول الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن الإقبال الشديد على العقار بعد تحقيقه نتائج إيجابية في علاج المصابين بالفيروس، وخصوصا مع الحالات الحرجة - أحدث نقصا في الكميات المطروحة، وكان البديل المؤقت المخزون الاستراتيجي بالشركة المصرية لتجارة الأدوية، موضحا أن هيئة الدواء قامت باستيراد كميات كبيرة منه لتلبية الطلب المتزايد عليه، لكن المشكلة أن الناس ماتعرفش غير صيدلية الإسعاف بوسط البلد، لأنها الأكثر شهرة.
في أحد الأركان جلس سليمان إبراهيم، بعدما حجز دوره في الطابور "مش قادر أقف والوقفة شكلها هطول" يقول الرجل الأربعيني القادم من منطقة دار السلام بمصر القديمة، من أجل شراء عقار بلاكنيل 200 لشقيقه الأكبر، يقول "لفيت بالروشة على صيدليات كتير، كل ما أروح صيدلية يقولي هتلاقيه في الإسعاف".
عقار "بلاكنيل 200" يُستخدم لعلاج الملاريا وأمراض نقص المناعة، وتم النظر إليه مرة أخرى، عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إمكانية استخدام عقار: "هيدروكسي كلوروكين سلفات"، المادة الفعالة في عقار: "بلاكنيل" في علاج الفيروس، ليصبح العقار ضمن برتوكولات العلاج المستخدمة.
يتساءل "سليمان" عن سبب عدم توفير الدواء في الصيدليات "ليه مفيش أكتر من صيدلية تبيع أدوية كورونا" لتفادي الزحام " اللي ممكن يسبب نقل العدوى، لأن فيه ناس من غير كمامات والناس لازقة في بعضها ولا طابور الجمعية".
"تحولت منطقة الإسعاف برمسيس لبؤرة لانتشار فيروس كورونا".. بهذه الكلمات تقدمت النائبة البرلمانية إيناس عبد الحليم بطلب إحاطة موجه لرئيس الوزراء ووزيرة الصحة، منتصف يونيو الحالي، وأرجعت السبب إلى تزاحم المصابين أو مخالطيهم للحصول على عقار "الأزيثرومايسين" الذي يستخدم في أحد بروتوكولات علاج "كوفيد - 19".
الزحام أمام صيدلية الإسعاف ليس من أجل الحصول على أدوية لعلاج أعراض كورونا فقط، يفسر الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، لكن هناك مرضى يحصلون على أدوية الجدول كعلاج الصرع والسرطان، ولا يتوافر أغلبها في الصيدليات الخاصة، لوجود مخدر في تركيبتها، ولذلك يشترط لبيعها وجود روشتة معتمدة أو تقرير طبي.
الدكتور أبو الفتوح الطويل، رئيس الشركة المصرية لتجارة الأدوية، يقول إن هناك العديد من الإجراءات التي اتخذتها الشركة لتخفيف الضغط على صيدلية الإسعاف والشكاوى المتكررة من الزحام، بدأت باستيراد كميات إضافية من الأدوية المستخدمة في العلاج، ورفع حجم المخزون لتلبية الاحتياج في السوق المحلية، والتوريد لوزارة الصحة والمستشفيات الجامعية.
على مستوى الصيدليات، تمت إضافة فترة عمل مسائية في 5 فروع من صيدليات الشركة بالقاهرة والإسكندرية، لمواجهة الإقبال المتزايد عليها لصرف الأدوية، وتدرس الشركة حالياً تشغيل خدمة توصيل الأدوية خلال الفترة المقبلة، بحسب رئيس الشركة التابعة لقطاع الأعمال العام.
وتبيع الشركة التي تمتلك سلسلة صيدليات تضم 56 فرعاً أدوية علاج أعراض فيروس كورونا في جميع فروعها، وحققت هذه النوعية من الأدوية زيادة مبيعات، وفقا لرئيس الشركة، مقابل تراجع مبيعات أصناف أخرى من الأدوية.
فيديو قد يعجبك: