في مسلسل "الفتوة".. كيف نجح الباحث التاريخي في نقل تفاصيل الحارة المصرية؟
كتبت-رنا الجميعي:
هي النداهة، ما إن تغوي المرء حتى لا يجد بُدًا من الانصياع لها، هكذا أصبح أيمن عثمان أسيرًا للتاريخ، مُحبًا له، وغارقًا في تفاصيله التي لا تنتهي، وجد أيمن أن التاريخ هو مرآة للحاضر، وما إن أيقن بذلك حتى امتلأت سنوات عمره بالبحث وراء التاريخ، التي جعلته واحدًا من فريق عمل مسلسل "الفتوة"، الذي يعرض في شهر رمضان، كباحث تاريخي.
داخل المسلسل ستجد أن كل تفصيلة خاصة بتاريخ تلك الفترة، التي تحكي عن صراع الفتوات، هي حاضرة، ويتضح أن ورائها مجهود كبير، أولها الحارة المصرية في ذلك الزمن القديم، الذي حدده أيمن بعام 1875، مُتحدثًا بذلك إلى مصراوي، لكن الحلقة الأولى فاجأته بكتابة الحقبة الزمنية على الشاشة "القاهرة-1850"، وخالفت ما حدده هو مع مؤلف العمل هاني سرحان، والمخرج حسين المنباوي، بعدم كتابة تنويه عن الفترة الزمنية التي تُجرى فيها الأحداث، كما أنها تتقدم عدة سنوات عمّا حدده عثمان.
حدد عثمان في بحثه التاريخي الفترة الزمنية لصراع الفتوات منذ عام 1875 حتى قبل الثورة العرابية في 1881، حيث يعتقد عثمان أن زمن الفتوات كان زمن مُبهم ومرتبك "وكانوا بقدر الإمكان بيحاولوا إنهم يوجدوا هوية ليهم في الشارع"، وفي تلك الفترة أيضًا كان لا يوجد حكم مباشر من الخلافة العثمانية على مصر، صحيح أنها تتبعها اسمًا، ولكن منذ عصر محمد علي كانت مصر تحت حكم الأسرة العلوية، وهم أبناء محمد علي.
كان هناك جهد كبير واقعًا على عثمان، لمحاكاة تلك الحقبة الزمنية بكل تفاصيلها من مفردات كلام لعادات وتقاليد وطقوس شعبية وأغاني أطفال، فمثلًا كان عثمان يعي أن على الممثلين ألا يقولوا كلمة "قسم بوليس"، بل "التُمن"، و"الفقي" وهو المأذون في لغتنا اليومية، وشيخ الحارة وليس المحقق، كذلك يجب أن تحضر أماكن مثل "الخمارات"، وهي المكان التي تعمل فيها جميلة، إحدى شخصيات المسلسل، ومن الطقوس الجنازة والسبوع وغيرها، وكل طقس منهم يتحدد بحسب الفترة الزمنية أيضًا "يعني مثلًا المعددة دي جزء أصيل من الطقس المصري".
من أين يستقي عثمان تلك المعلومات؟ منذ عام 2011 غرق الباحث في بحر التاريخ، فاجئته ثورة يناير بإحتياجه لقراءة الثورات التي انتفض فيها المصريون من قبل، ومنذ ذلك الوقت وجد سعادته اللانهائية في البحث التاريخي، فأنتج العديد من الأفلام الوثائقية التاريخية، وألف موسوعة تراث مصري بجزئيها الأول والثاني، كانت المصادر والمراجع بالنسبة لعثمان متعددة، منها الكتب والدوريات القديمة "أنا عندي فيما لا يقل عن 30 ألف اصدار"، وكذلك البحث داخل دار الوثائق التي لجأ إليها كثيرًا "قعدت أسبوعين بس أبحث في أغاني الأطفال في دار الوثائق"، حتى عثر عثمان على كتاب طبع في ثلاثينيات القرن الماضي عن أغاني الأطفال في العهد العثماني، وكيف تطورت مع الوقت.
كانت مغامرة كبيرة بالنسبة لعثمان، استغرقت عامًا بأكمله، خلالها كان خيال الباحث يُسافر بالزمن لأواخر القرن التاسع عشر، مُصطحبًا معه صوت الجدّات الذي يبدأ الحكاية بـ"كان ياما كان، في سالف العصر والأوان"، هكذا فكّر عثمان في مسلسل " الفتوة"، تتعلق به القلوب قبل العيون، وتهيم بأجوائه التاريخية "احنا بنتكلم عن سيرة شعبية زي سيرة أبو زيد الهلالي وعلي الزيبق".
صغيرًا تابع عثمان المسلسلات التاريخية بشغف، يتذكر للآن مسلسل قدّم فيه الممثل نور الشريف شخصية الشاعر ابن عروس، كما لا ينْس تفاصيل مسلسل الرجل والحصان، بطولة محمود مرسي، والذي يحكي عن رحلة هروب البطل الذي يقوم بدور شاويش برفقة حصانه، مُتجولًا في أنحاء مصر "في رحلة الهروب كنت بتفرج على مصر بمعالمها وطقوسها واللهجات المختلفة اللي فيها"، كل ذلك وأكثر تشرّبه عثمان، حتى جاءت فُرصته في الدراما.
كانت تجربة مُميزة بالنسبة لعثمان، ورغم ما حدث من بعض الأخطاء، مثل وقوع اسمه من تتر المسلسل حتى الحلقة الخامسة عشر، وبعض السقطات التي وقع فيها العمل من بعض المفردات المعاصرة والتنويه الظاهر على الشاشة، الذي يذكر عنه عثمان أنه لم يكن بيد فريق عمل المسلسل، فطوال رحلة العمل كان هناك تقدير مُتبادل مع مؤلف ومخرج العمل، حتى أن الخطأ الخاص بتحديد الفترة الزمنية سيتم تداركه بعد موسم رمضان "هنتواصل مع القناة في حين إعادة بث المسلسل بعد رمضان إن زمن الحدوتة يتم حذفه، أو لو لزم التنويه هنقول في أواخر القرن التاسع عشر بس".
مهمّة الباحث التاريخي لم تكن سهلة أبدًا، لكن عثمان كان يعرفها قبل زمن بعيد، ويحترمها كثيرًا، قرأ عن الصحفي السكندري الذي لجأ إليه نجيب محفوظ خلال كتابته لفيلم ريا وسكينة "كان اسمه لطفي عثمان واتحط اسمه على الأفيش"، كان احترام التخصصات والدخول لعمق التفاصيل جزء من مهارة أي عمل، وهو ما حدث أيضًا في مسلسل ريا وسكينة "كانت أول مرة مسلسل يستعين بدكتور نفسي عشان تقديم الشخصيات"، ذلك التقدير الذي رآه عثمان خاب أمله فيه حينما جرّب بنفسه العمل كباحث تاريخي "كنت متخيل اسمي هيكون في مكانة تانية، لكن اتصدمت بعدم وجوده على التتر لحد الحلقة 15".
ورغم دسامة التجربة، وتقدير عثمان أنها فتحت له الباب لعالم الدراما، لكنه لن يكرر العمل كباحث تاريخي ثانية "شغلانة مرهقة اوي وعايزة تفرغ"، بينما يقوم عثمان بالعمل على عدد من المؤلفات، كما أنه يكتب مسلسل تاريخي للمرة الأولى، يدور في فترة الثلاثينيات.
يتحمّس عثمان للتجربة؛ حيث يعتقد أن الفترة القادمة ستحمل اهتمامًا أكبر بالأعمال التاريخية "من سنة 2011 ولحد دلوقت فيه صفحات كتير بتتكلم عن التاريخ والتراث المصري، وبقى فيه آلاف المتابعين، دا عمل أرضية كبيرة"، مما يجعله متأكدًا أن المنتجين سيلتفتون لتلك الأعمال بشكل أكبر "مسلسل الفتوة عامل زي الحجرة اللي حرّكت المياه الراكدة".
فيديو قد يعجبك: