لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من داخل مستشفيات ألمانيا.. كيف يتعايش أطباء مصريون مع فيروس كورونا؟

11:35 ص الثلاثاء 17 مارس 2020

دكتور حاتم النجار مع الفريق الطبي باحد المستشفيات

كتبت-دعاء الفولي:

لا ينسى حاتم النجار ذلك اليوم، حين قام بتشخيص أول حالة مُشتبه بإصابتها بفيروس كورونا في مستشفى "ليبه"، وقتها عاد الطبيب المصري لمسكنه ببلدة دتمولد الألمانية "وكنت مخضوض إنه الفيروس وصل عندنا". ست سنوات مرت على النجار منذ ذهابه لألمانيا، رحلة طويلة قطعها الطبيب كي يُصبح عضوا بالمنظومة الصحية هُناك، مر بتحديات كثيرة، لكن أحدها لم يُهدد صحته أو أسرته، سوى الفيروس المستجد.

7.272 عدد الحالات التي تم تأكيدها في ألمانيا إلى الآن، تٌوفي منها 17 فقط، فيما تعافى 67 شخصا، يتعامل النجار يوميا مع عشرات الحالات المشتبه فيها "خاصة وإن المستشفى اللي بشتغل فيها مركزية، يعني بتخدم مجموعة البلدات اللي موجودة في ليبه".

"المخ والأعصاب" هو تخصص النجار "بس لأني موجود في الطواريء بتعامل مع كل الحالات". حين بدأ تفشي الوباء في الصين يناير الماضي "اتعممت إجراءات على كل المستشفيات إنه إزاي نتعامل مع الحالات المشتبه فيها"، حصل الأطباء على تدريب للتعامل مع الوضع الجديد "أول حاجة بنعملها إننا نسأل المريض كان فين.. هل خالط أي حد جاي من الصين أو بؤر تفشي الفيروس".

لم تكتفِ المستشفى الذي يعمل به النجار بذلك "لما الدنيا بدأت تزيد عملوا غُرفة عزل قبل استقبال الطواريء أصلا.. يعني لو حد مشتبه بيدخلها الأول ويتعمل له التحليل ومبيدخلش المستشفى"، كل لحظة تطرأ أحداث جديدة "ومعاها بنحاول كأطباء نستعد"، صار الوضع أكثر خطرا مع تفشي الوباء في إيطاليا، لكن قلقه وقتها لا يُقارن بحالته حين تعامل مع حالة مشتبه بها.

"كان جاي من النمسا بس قابل إيطاليين في مؤتمر واختلط بيهم"، عندما علم النجار تلك المعلومة "بالإضافة للأعراض اللي كانت عنده فالمستشفى اتقلبت حرفيا"، منذ ذلك اليوم، بات تفكير الطبيب المصري مختلفا، ليس تجاه المستشفى أو العمل "ولكن تجاه أسرتي.. بقيت خايف على مراتي وبنتي اللي عندها سنة ونص".

القلق لم يرافق النجار فقط؛ زوجته مُنى شرف طبيبة جلدية "بس انا بشتغل في عيادة ودا بيخلي فرص احتكاكي بحالات أقل كتير"، وضع الزوجان قيودا أكبر على أنفسهما أكبر خوفا على الطفلة "اتفقنا إنه مينفعش أي لبس بنشتغل بيه سواء بالطو أو جزمة أو غيرها نروح بيه البيت رغم إنه اللبس بيتم تعقيمه"، ظل الحذر مصاحبا للطبيبة العشرينية طوال الفترة الماضية "في العيادة لازم بنسأل اللي داخل لو خالط أي حالات أو ظاهر عليه أعراض وقتها بنحوله على مستشفى"، فيما تحكي أن بعض المستشفيات تأخذ مسحة من الحالات المشتبه فيها "من شباك للمستشفى زي خدمات طلب الأكل كدة، والشخص بيفضل جوه عربيته".

صورة-1

عدا خروجهما للعمل، انعزل الزوجان عن الحياة بشكل كامل "مفيش فُسح طبعا، السلع كلها بتتاخد أول بأول مفيش مؤتمرات علمية كلها وقفت"، كان النجار يُخطط لعطلة عائلية "ومبقاش ينفع"، بينما أصبح السفر لمصر أمرا مستحيلا "ركوب طيارة في الوقت ده شيء فيه مخاطرة كبيرة".

لم يتعامل الطبيب الثلاثيني مع أمراض مُعدية أو وبائية بتلك الصورة من قبل، إلا أنه قبل عامين عايش حالات عديدة مُصابة بحمى وارتفاع درجة حرارة "حصلت لأن الطقس متقلب جدا.. بينخفض أو يعلى 10 درجات كل يوم.. بس دا مكنش فيه خطر لأنه مش معدي"، غير أن الطبيب دسوقي أحمد، الذي يعمل بالمستشفى الجامعي بمدينة فوبرتال، رأى الأسوأ في السنوات السابقة.

صورة 2

قبل ثماني سنوات بدأ أحمد العمل في ألمانيا، كطبيب متخصص في الأمراض الصدرية والعلاج التلطيفي وسرطان الرئة "وبحكم شغلنا كنا بنتعامل مع حالات وبائية"، يتذكر حين عالج مرضى الإيبولا الذين تم نقلهم لألمانيا من بعض الدول الإفريقية "الإيبولا فيروس قاتل وأسوأ بكتير.. رغم إنه أكثر نُدرة من كورونا"، وتتمثل أعراضه في حمى موهنة وآلام في العضلات وصداع والتهاب في الحلق، يتبعها تقيؤ وإسهال وظهور طفح جلدي واختلال في وظائف الكلى والكبد، والإصابة في بعض الحالات بنزيف داخلي وخارجي "الفترة دي كانت صعبة جدا بس خلت التعامل مع حالات تانية أكثر سهولة بالنسبة لي".

بحكم تخصصه، يُفرق أحمد جيدا بين طبيعة الأمراض، لا ينفي ذلك قلقه من تفشي كورونا، خاصة مع وفاة حالتين في ولاية فوبرتال "خوفي الأكبر هو من تعامل بعض الناس هنا معاه"، يشاهد الطبيب الثلاثيني الهلع بين المواطنين بل وحتى بعض أفراد الفريق الطبي "اللي ممكن يتصرفوا بشكل خاطيء" كأن يصطحب أحدهم الكمامة الطبية الخاصة به من المستشفى للمنزل أو الأوفر أول (رداء طُبي يتم ارتدائه للحماية) أو زُجاجة المُطهر، وفيما عدا تلك الممارسات، يسير يوم الطبيب المصري بشكل عادي داخل العمل "نفس عدد ساعاتنا ونفس طريقتنا في الشغل"، فإجراءات العزل داخل المستشفى أو المنزل كانت تتم مع أخطر الأمراض وأكثرها انتشارا "زي الإنفلونزا الموسمية".

في بداية تفشي الفيروس، كان من المفترض أن يكون العزل مركزيا "في مستشفيات معدودة" حسب قول النجار، لكن زيادة المصابين دفع الدولة لتوعية المواطنين "بإنه اللي عنده اشتباه وتم تشخيصه ممكن يعزل نفسه في البيت وبنتابع معاه"، ومن لا يلتزم حال اشتباهه "بيدفع 4000 يورو غرامة".

تلك التوصيات وغيرها لا تأتي جُزافا، يُصدر معهد روبرت كوخ الموجود في برلين والمختص بمراقبة الأمراض المعدية، تقاريره دوريا "والتعميمات بتتطبق على النظام الصحي كله"، لذا ظلت زوجة النجار مُطمئنة لدرجة كبيرة حتى عدة أيام "وقتها كانت الحالات متكملش ألفين فجأة بقوا 5000".

الجمعة الماضية، أعلنت الحكومة الألمانية إيقاف الدراسة بشكل تام، أدى ذلك لحالة من التخبط في منزل النجار ومُنى "عشان لازم حد فينا يقعد ببنتي"، وقع الاختيار على الزوجة "حاتم شغله في مستشفى كبير وعدم وجودة هيؤثر بشكل أسوأ على المنظومة الصحية"، لا تعرف مُنى بعد متى سيمكنها العودة لعملها "قالولنا إنه هيبعتوا إيميلات الفترة الجاية عشان نعرف الأوضاع". رغم ارتباط الطبيبين ببيئات حاضنة للفيروس "لكن احنا خايفين جدا على أهلنا اللي في مصر مش بس هما اللي خايفين علينا".. تقول مُنى.

صورة 3

منذ انتشار فيروس كورونا المستجد حجّم الأطباء الثلاثة تعاملاتهم "هنا الناس بطبيعتها مش بتسلم أو بتتواصل جسديا زي عندنا في مصر" يقول النجار إنه خلال يومه الذي يمتد لـ12 ساعة أحيانا خارج المنزل، لا يُقابل إلا بضعة أشخاص جُدد "وكلهم عارفين قواعد التعامل في الظروف دي".

لا تنقطع الاتصالات بين الأطباء الثلاثة وذويهم في مصر "بيبقوا قلقانين بحكم الأخبار اللي بيسمعوها بس كتير منها بيكون مبالغ فيه" كما يروي أحمد، غير أن مُنى ما تنفك تُخبر أسرتها أن الأمور تحت السيطرة "طالما بنتبع التعليمات"، في المقابل ما تزال تحذيرات رئيسة الوزراء الألمانية أنجيلا ميركل تتردد في عقل النجار "هي بتتوقع إن 70% من الشعب الألماني ممكن يُصاب"، تُحاصره المخاوف أحيانا "إنه ييجي يوم ويكون فيه خطر شديد على حياتي بسبب الشغل"، لكن صاحب الـ33 عاما لا ينوي التخلي عن عمله "دا القسم الطبي اللي أقسمته ومش هكسره، ولو فيه خطر على أسرتي هعزل نفسي بس مش هبطل أقوم بدوري".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان