بعد حصولها على لقب "المعلم العالمي لـ2020".. كيف كسرت فلسطينية الحصار على غزة؟
كتبت- إشراق أحمد:
تعود طالبات مدرسة حليمة السعيدية إلى صفوف الدراسة، عام 2008 لم يمر بسلام على غزة، 21 يومًا انقضت من عدوان إسرائيلي متواصل على القطاع المحاصر، يستقبل المعلمون التلميذات بالألعاب محاولين التخفيف عنهن، تقف "وردة" والسعادة تشع من عينيها، تعبر الصبية عن مشاعرها لمعلمة اللغة الإنجليزية "يا ميس أنا مبسوطة كتير. أنا معنديش ولا لعبة في البيت أنا عمريش بابا اشترى لي عروسة".
حركت كلمات "وردة" مشاعر أسماء مصطفى، وسريعًا قطعت المعلمة على نفسها عهدًا بأن تعوض تلاميذ غزة عن النقص الموجود في حياتهم. 13 عامًا عكفت فيها أسماء على كسر الحصار عن طالبتها، واصلت المسير حتى حصلت مؤخرًا على لقب "المعلم العالمي لعام 2020" من قبل مؤسسة AKS Education Award في الهند، والتي تهتم بتقديم الدعم للمعملين المبدعين.
تزامن بدء عمل أسماء كمعلمة لغة إنجلزية مع العدوان الإسرائيلي الثاني على غزة خلال آخر 15 عامًا: "تخرجت في الجامعة الإسلامية، في كلية التربية، قسم اللغة الإنجليزية، ثم التحقت بصفوف المعلمين والمعلمات العاملين في وزارة التربية والتعليم، وتسلمت مهامي في هذا العام"، كانت المعلمة تعرف ثلاثة ألعاب تربوية فقط تعلمتها أثناء دراستها، لكن تغير الحال في ذلك الوقت بعدما قررت تغيير نمط تدريسها.
عايشت أسماء رد فعل الطالبات وقتما ابتعدوا عن روتين الدراسة بعد الحرب: "كانوا سعيدين جدًا بترك المناهج والاندماج أكتر في الألعاب"، لذا انطلقت المعلمة في رحلة للبحث عن أفضل اللعب والوسائل لتعليم اللغة الإنجليزية، تقول أسماء لمصراوي: "بدأت أطور وأبتكر إلى أن جمعت 45 لعبة تربوية لتعليم اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها وجمعتها في كتاب واحد"، وبدعم من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أصبح الكتيب متاحًا منذ الشهر السابع من العام المنصرف.
داخل الفصل، أسماء ليست معلمة تقليدية رغم ما تحمله بين يديها من أدوات بسيطة، دومًا تعج ساعات تواجدها بالتفاعل، تشارك الطالبات في تمثيل قصة، يغنين أنشودة، توزع عليهن عددًا من المرايات ليرين أنفسهن بينما ينطقن الكلمات بالإنجليزية ويتعلمنها بشكل صحيح، بل تتجاوز الحصة حدود الأربعة جدران؛ أحيانًا تصحبهم إلى فناء المدرسة؛ ليكون الدرس عمليًا عبر اللعب بالكرة، وغيرها من الأدوات، تحاول أسماء بشتى الطرق أن تكسر: "جمود الإنجليزية مع الطلبة لكي تعيش كلغة معهم".
الوضع في غزة يتطلب التعامل المختلف مع الطلاب: "إحنا كمعلمين نعتمد على أسلوب التنويع في الاستراتيجيات والأساليب بشكل إنساني يليق بالمواطن الغزي اللي بيعاني من العدوان المتكرر وسوء أوضاع المعيشة"، تضرب المعلمة لمصراوي مثالًا بانقطاع التيار الكهربائي المجدول: "نحنا عندنا الكهرباء بتيجي 8 ساعات وتقطع 8 ساعات"، تلك العقبة التي طاردت أسماء بينما تحاول الخروج بطالباتها لأفق أوسع من القطاع المحاصرين فيه.
مبكرًا علمت معلمة اللغة الإنجليزية البديل الإلكتروني للتعليم، لم تعرف أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) سيجعل العالم يتشارك معها وطالبتها ما بدأته قبل شهور عديدة، وأطلقته رسميًا ديسمبر 2019؛ إذ قررت "ميس أسماء" ترتيب لقاءات إلكترونية بين طالباتها وطلاب ومعلمين في دول أخرى: "كسرت الحصار المفروض على طالباتي. الحصار جسدي لكن الشاطر اللي بيخرج من هذه الأزمة"، وبالفعل خرجت المعلمة والطالبات من حدودهن.
52 لقاء عبر منصات زووم وسكايب، زارت خلالها طالبات مدرسة حليمة السعيدية ومعلمتهن نحو 35 دولة وهن داخل الفصل في غزة، تواصلت صبايا فلسطين مع زملائهن من جنسيات مختلفة: "كنا نتحدث أنا وطالباتي إليهم باللغة الإنجليزية. يتعرفن على هذه الدول وثقافاتها وكانت النتائج مذهلة"، هذا يحكي لهم: "شو بياكل في المدرسة"، فيخبرونه: "أننا بناكل سندويتشات فلافل وحمص وكذا"، ساعات ذابت فيها الحدود العراقيل، وحدها المتعة والمعرفة ما لاقته الطالبات في رحلاتهن الافتراضية، التي منحتها معلمة اللغة الإنجليزية اسم: "مشروع الشراكة العالمية في التعليم".
كل فكرة تنفذها "ميس أسماء" مع طالبتها تعتبرها مشروعًا، تضع له أهدافًا تسعى لتحقيقها، فمن الرحلات الإلكترونية أرادت أن تستشعر كل طالبة أنها تعيش في بلد أجنبي: "وبالتالي تعيش اللغة مع الطالبة بتوجيهي حتى لو جابت علامة مش كاملة في المادة لكنها تبقى متحدثة جيدة باللغة الإنجليزية"، لذا حرصت معلمة غزة على عمل شراكة مع شبكة الإذاعة البريطانية BBC، والمشاركة في أي برنامج من شأنه دعم طالبتها.
فاق أثر فاعليات المعلمة الفلسطينية مع طالبتها حدود ما تمنته، فقد ساهمت مشاركتهن بالجلسات التي تنظمها BBC في أن يتواجد اسم فلسطين بشكل مستمر ضمن 10 دول على مستوى العالم.
حرصت أسماء على العمل دون انتظار جزاءً ولا شكورًا، لم تشارك من قبل في مسابقة تخص المعلمين، لا محليًا أو دوليًا، لكن فوز المعلم الفلسطيني إياد السوقي بجائزة مؤسسة AKS Education Award العام الماضي، دفعها للتقدم هذا العام. حملت المعلمة ما أنجزته مع طالبتها خلال الفترة الماضية وانضمت للمنافسة، وبينما تملأ استمارة المشاركة تفاجأت: "كل حاجة بكتبها لازم يكون عليها دليل موثق بالصوت والصورة"، سعدت أسماء، فقد كانت تملك المطلوب دون تخطيط منها، حينها شعرت بالامتنان للخطوات الصغيرة التي لولا وجودها: "ما كنت هقدم للمسابقة".
أرسلت أسماء طلب المنافسة وعادت للعمل مع طالبتها، كثفت جهودها مع إغلاق المدارس لتفشي "كورونا" في غزة، يوميًا على مدار ساعة، مع الرابعة عصرًا تلتقي تلميذات الصف الثامن، وبعدها تجتمع بطالبات الصف العاشر، وقبل تلك الساعات ثمة مشروع أطلقته تحت اسم "100 رسالة من غزة"، تستقبل فيه رسائل من الفتيات من أجل تطوير قدراتهم في الكتابة، تقول المعلمة إنه في ظل "كورونا" تطورت مهارات الكتابة لدى طالباتها.
كذلك امتد عمل أسماء إلى زملائها من معلمي فلسطين؛ أطلقت معلمة اللغة الإنجليزية مبادرة: "معلمون خلف الشاشات"، شعرت أن لزامًا عليها نقل تجربتها في التعليم الإلكتروني إلى رفاقها، وحتى الآن قدمت 30 لقاءًا تدريبيًا لـ120 معلمًا في كافة مديريات فلسطين.
وبينما تقضي معلمة اللغة الإنجليزية أوقاتها محاولة تجاوز صعاب الوباء المستجد من ناحية وظروف الحصار تارة أخرى: "بعض الأحوال تنقطع الكهربا 20 ساعة متواصلة وبتواصل 4 ساعات فقط في اليوم الواحد"، استقبلت أسماء بريدًا إلكترونيًا، نوفمبر المنصرف، يبشرها بفوزها بلقب: "المعلم العالمي لعام 2020".
في العشرين من ديسمبر الجاري، يقترن اسم أسماء مصطفى بـ"فلسطين" في حفل تكريم الفائزين بالمسابقة الدولية للمعلمين، تنتظر معلمة غزة تلك اللحظة بفارغ الصبر، تحضر من خلف الشاشات عبر الإنترنت، تبتسم حينما تتذكر كلمات البعض لها: "أنت فاضية.. أنت معاكِ وقت"، توقن أن تعبها لن يضيع هباءً، تتزود برؤية طفلتيها: "سارة وسندس"، ومِداد من أحلام لا ينقطع: "نفسي أكمل مسيرتي التعليمية والعلمية.. نفسي أجد فلسطين دايمًا في الصدارة.. أنا سيفي هو القلم وأتمنى أكون بشارك في تحرير هذا الوطن".
فيديو قد يعجبك: