بطل "غزة مونامور": كنت صديقا لنور الشريف وسأسدّ ديني للجمهور المصري قريبًا
حوار- رنا الجميعي:
لازال يتذكر أنه كان مُهرّج "العيلة"، وأن "لسانه الطويل" كان سبب في إضحاك الأهل والأصحاب داخل قريته الفلسطينية، حتى أنه كان يأخذ النقود مقابل إضحاكهم، وهو بعد طفل صغير، تلك "العَفْرَتة" أو الموهبة كانت سبيله لعالم التمثيل، حتى أضحى هو "سليم ضو" الممثل والمخرج والفنان الفلسطيني.
أدهش "ضو" الجمهور المصري خلال عرض فيلمه "غزة مونامور"، في الدورة الـ42 من مهرجان القاهرة السينمائي، فاجأ الجميع بدور شديد الحساسية والرقة والكوميديا في آن واحد، رجل ستيني بائع سمك يعيش في قطاع غزة، يقع في حب امرأة تعمل كخيّاطة، ويُحاول من أجل خطب ودّها.
حصل "غزة مونامور" على جائزة أفضل فيلم بمهرجان القاهرة، مناصفة مع الفيلم الوثائقي "نحن من هناك"، كما حاز "ضو" على جائزة أفضل ممثل من مهرجان أنطاليا 2020، كما يُمثّل الفيلم فلسطين ضمن منافسات جائزة الأوسكار.
مصراوي حاور "سليم ضو" ليعرف الكثير عن تفاصيل قيامه بدور البطولة بـ"غزة مونامور"، شعوره حين الفوز بجائزة أفضل فيلم بمهرجان القاهرة، وماهي مشاريعه الفنية القادمة، وكيف استمرّ في العمل لمدة خمسين عامًا بين المسرح والسينما والتليفزيون، ورؤيته لدور الفنان نحو القضية الفلسطينية، فإلى نص الحوار..
احكِ لنا عن ظروف فيلمك "غزة مونامور"، وعن انطباعك الأول حين قرأت سيناريو الفيلم؟
وصلني سيناريو الفيلم في أكتوبر من العام الماضي، لم أصدق عينيّ، اتصلت فورًا بالمخرجين الشباب، الأخوين عرب وطرزان ناصر، قولت لهم "أنتوا عباقرة"، بالفعل السيناريو كان محكم التفاصيل ومبهر في كل شيء "من القراءة الأولى أنا فهمت عيسى السماك، شفته كيف بيحكي، كيف بيمشي كيف بيتنفس".
قدمت أفلام سينمائية مع مخرجين عديدين، فكيف وجدت التعاون الأول بينك وبين المخرجين الشباب؟
كان مميز، التقيت عرب وطرزان للمرة الأولى بعد قراءتي للسيناريو بنحو شهر، حيث سافرت الأردن في نوفمبر الماضي للتصوير، وكان التعاون بيننا فيه الكثير من الاحترام والدقة والمحبة الكبيرة "ولا مرة انقطعت الضحكات خلال التصوير"، ولم تواجهني أية عوائق خلال التصوير "بكل اللحظات أنا كنت طاير من الفرح".
غزة مونامور هو الفيلم الروائي الثاني للأخوين ناصر، برأيك لماذا حقق كل ذلك النجاح في المهرجانات الدولية؟
الشروط جميعها كانت مُجتمعة بالفيلم؛ فهناك تواصل عميق بيني وبين المخرجين، وبيني وبين بطلة الفيلم هيام عباس، وهي صديقة عزيزة منذ إدارتي لمسرح بيت الكرمة في فترة الثمانينيات "وهي ومايسة عبد الهادي الممثلة معنا ياللي رشحوني للدور"، كما أن السيناريو عبقري "كانوا راسمين كل المشاهد بدقة متناهية"، حتى أن المنتج الفرنسي قال لي ذات مرة "عرضوا عليا فيلم مرسوم"، وكانوا يمتلكون نظرة جمالية خاصة أنهم خريجي فنون جميلة، وأضيف لذلك مهارة المصور كريستوف جرايلو "كان بيشتغل بشكل دقيق وبإحساس راقي".
رغم أن الفيلم لم يُصور بغزة.. كيف رسمتم المشاهد وكأنها قطعة من القطاع المُحاصر؟
كنا نعرف أن التصوير بغزة مستحيل، لذا قمنا بتصوير معظم الفيلم بالأردن، أما ميناء غزة بمشاهد العمل فكانت بالبرتغال،ووقع الاختيار عليها لأنها "أقرب الأماكن المشابهة لميناء غزة".
أعجب الجمهور المصري كثيرًا بشخصية عيسى السماك، الذي يتسم بحب الحياة والسخرية، فإلى أي مدى تتشابه مع تلك الشخصية؟
بالفعل فيه تشابه كبير، الكوميديا والسخرية جزء من شخصيتي "وروح النكتة والنظرة اللي فيها حداقة دي عندي أنا كمان".
"غزة مونامور" فاز بجوائز عديدة، آخرها جائزة أفضل فيلم بمهرجان القاهرة السينمائي.. إلى أي مدى تعتبر الجوائز معيارا لنجاح العمل؟
سعدت كثيرًا بخبر الفوز، تحديدًا من مهرجان القاهرة الذي أكنّ له حب عميق، فتلك ليست المرة الأولى التي أشارك فيها بالمهرجان، ففي عام 1993 اشتركت بفيلم "حتى إشعار آخر" للمخرج رشيد مشهراوي، الذي فاز حينها أيضًا بجائزة أحسن فيلم.
لكن عامة أنا مؤمن أن الجوائز لا تصنع الفنان "أنا ما عملت بحياتي أي عمل ونصب عيني جائزة"، بل إن أعظم جائزة في نظري هي محبّة الجمهور، تلك المحبة التي وصلتني بالفعل من الجمهور المصري، وأعترف أني مقصر في حقه كثيرًا، فلم أتواجد خلال الدورة الأخيرة بسبب انشغالي في تصوير فيلم جديد، لكن آمل قريبًا القدوم إلى القاهرة، وأحلّ ضيفًا على أسبوع السينما الفلسطينية، بعرض مسرحيتي "ساغ سليم": "وأحكي مع الجمهور وجهًا لوجه، وأقوله إني عايز أسد الدين اللي عليّ بسبب محبتهم لفيلم غزة مونامور ولشخصية عيسى السماك".
هل كان فيلم غزة مونامور سبب لتوطيد علاقتك بمصر والجمهور المصري، أم أن هناك علاقة سابقة على ذلك؟
صحيح أنها توطدت أكثر بالفيلم، لكن علاقتي بمصر سابقة على ذلك، فقد بدأت منذ شغفي الرهيب بالسينما المصرية "أنا تربيت على عمالقة السينما في الخمسينيات والستينيات"، لدرجة أني في طفولتي وبدايات شبابي كنت أحمل جزدان -أي حقيبة- بها عدة جيوب بلاستيكية، كنت أحمل على وجهها صور عديدة للممثلين والممثلات الذين أعشقهم "مريم فخر الدين، فاتن حمامة، فريد شوقي وشكري سرحان وتوفيق الدقن، وكتير كتير، وحياة الله شي بيجنن بحكي عنهم بتأثر شديد"، كذلك صورة لعبد الحليم حافظ الذي أعشقه كإنسان وكفنان "الله يرحم روحه"، كل هؤلاء أحببتهم وتربيت على أفلامهم، كما كانت لي علاقة صداقة بالفنان نور الشريف "وحبينا نشتغل سوا بس ما ظبطت، بسبب الظروف الصعبة لفلسطيني الداخل".
طفولتك كانت غنية ومليئة بالتفاصيل.. فإلى أي مدى أثرت تلك الفترة في مسيرتك؟
"أنا كنت مهرج العيلة"، لساني لاذع وأحب السخرية كثيرًا "حتى إن كان عندي منصة أقلد الأعمى والكسيح"، وأصحاب والدي ينبسطوا "ويدوني ثمرة أو بونبوني مكافأة"، وكان لدينا لعبة اسمها "الشتايم"، بمعنى أسبّ شخص مقابل تلك المكافأة "فأشتم، فاللي شتمته يضحك ويقولي رجعله شتيمة أكبر، ويدفع"، ظلت السخرية جزء مني "حتى في التعليم الثانوي كان لا يمكن أفوّت نكتة أو ضحكة، في الأول المدرسين تعصبوا عليّ وبعدين فهموني"، ومن هنا بدأ حبي للمسرح والتمثيل.
رغم العمل في السينما والتليفزيون، يبقى المسرح عمود الأساس في حياتك الفنية، فلماذا؟
أنا عندي خمسين سنة من التجربة الفنية بالمسرح، ولدي عشرات المسرحيات بلغات عديدة، تمثيل وإخراج أيضًا، بدأت في عمر العشرين بمسرح الكرمة عام 1970 "وقتها ابتديت أولى خطواتي مع مسرح للأطفال"، ثم أصبحت مُديرًا له عام 1986 لمدة 12 عام، وكانت تجربة في غاية الأهمية بالنسبة لي، لأني بدأت الإدارة وكان وقتها الوضع سيء داخل مسرح الكرمة، وحين غادرت المنصب كانت مسرحيات الكرمة تذهب لمهرجانات خارج البلاد، وتحوز على الجوائز، لكن المسرح الفلسطيني عمومًا لازال يُحاول "ما ارتقينا كفاية بالمسرح داخل فلسطين"، لكني عُدت مُجددًا لإدارة مسرح الكرمة قبل خمس سنوات "وعم بنشتغل مسرح للأطفال والكبار".
قمت بالعديد من المسرحيات الكلاسيكية مثل "حلاق بغداد" و"الملك هو الملك"، لكنك مقل في عروضك المعاصرة، فلماذا؟
صحيح.. "لأني ما بدّي أركض"، لم يكن عندي الجرأة الكافية لتقديم عروض أصلية، أعتبرها مسئولية كبيرة بيني وبين نفسي، وبيني وبين الجمهور، فقمت بعمل عرض مونولوج "إضراب مفتوح" عام 1999، وأديت حوالي 250 عرض أمام الجمهور "وهو عدد رهيب بالنسبة للمسرح الفلسطيني"، ولم أتجرّأ بعدها للقيام بعمل آخر سوى في عام 2011 "لأنه لازم يكون متفوق عن العمل الأول"، فكان عرض "ساغ سليم".
"ساغ سليم" كان له مذاق خاص، ويعتبر سيرة ذاتية لك، وفي نفس الوقت هي حكاية كل فلسطيني، فاحك لنا عنه.
أتذكر أنه لما بدأت كتابة العرض تشاورت مع زوجتي سهاد "قولتلها مش معقول أفضل أحكي عن حالي، بس فيه حاجة تدفعني أكمل"، وبعدها لمّا اكتمل النص اكتشفت أنه لا يحكي عني فقط، بل هو أقرب لسيرة جماعية لفلسطيني الداخل، في "ساغ سليم" كنت أحكي عن طفولتي في قرية البعنة التي لا أنكر فضلها عليّ أبدًا، وحكيت كذلك عن المشاكل الشخصية بحياتي "كل ذلك بكل جرأة وبدون حساب لأي شخص"، وتفاجئت كثيرًا بردود فعل الجمهور العظيمة "فيه ناس قالتلي إنهم شافوه أربع مرات وحلفولي إنهم هييجوا تاني يشوفوه".
والعرض مونولوج مدته ساعتين بدون فاصل "برقض وبغني وبحكي"، واستخدمت فيه الكوميديا والسخرية والمأساة أيضًا "أنا ببكي في ساغ سليم لما بحكي عن والدي ووالدتي وبسمع الجمهور بيشهق، وخلال 10 ثواني بطلعه من البكا للضحك"، وآمل أن يُعرض "ساغ سليم" أمام الجمهور المصري قريبًا خلال أسبوع السينما الفلسطينية.
بعد نجاح أعمالك في فلسطين والوطن العربي.. ما التحدي الذي تقدمه الآن في عملك العالمي القادم؟
انتهيت منذ فترة قصيرة من فيلم إنتاج شبكة "إتش بي أو" العالمية، وسيبث بعد عام، وقمت فيه بدور السياسي الفلسطيني "أحمد قريع"، هو فيلم "أوسلو"، وفيه أتحدث باللغة الإنجليزية للمرة الأولى "بحياتي ما اتكلمت إنجليزي، كنت بتكلم فرنساوي فقط لأني عشت بباريس"، واندهش طاقم الفيلم حين رأوني أتحدث الإنجليزية لأنهم لم يُصدّقوا أنها أول مرة أتحدث بها "ضليتني أشتغل شهرين على اللغة"، كما أني مُرشح لعمل من إنتاج شبكة نتفليكس العالمية "هو عمل محترم، مسلسل كاسح الدنيا، بس ما بقدر أحكي عنه دلوقت، وراح تكون نقلة لي عالميًا".
دورك في "أوسلو" فيه حساسية كبيرة، كيف وافقت على أداء دور أحمد قريع، كبير المفاوضين في الاتفاقية الشهيرة؟
الآراء نفسها انقسمت على شخصية قريع، لكن الفيلم يحكي عن زمن الاتفاقية في التسعينيات "يعني بعمل شخصية قريع في الوقت ده، وهو ما كان يِعْرف النتيجة الكارثية للاتفاقية"، وأنقل للمشاهد عناد قريع ونضاله تجاه فلسطين، وصراخه لكي يُرجع الأرض المسلوبة.
القضية الفلسطينية دومًا موجودة في أعمالك، سواء في "أوسلو" أو غيرها من الأعمال، فما الذي تعنيه لك القضية الفلسطينية كفنان؟
سأخبرك.. لقد قمت قبل ذلك بعمل فيلم وثائقي اسمه "مفاتيح"، أحكي فيه عن القرى الفلسطينية المُهدّمة، وعددهم 480، وعُرض الفيلم في القرى والمدن، حتى المدارس الثانوي طلبوا عرضه بمدارسهم "الفيلم يظهر كيف كانت القرى، وأديش كان فيها تنوع، بين قرى فيها آثار وقرى مليانة بالخيرات تين ورمان ولوز"، وذات مرة عُرض الفيلم بـ"رام الله" في حضور وزراء بالسلطة الفلسطينية، ومثقفين، ومن بينهم كان الكاتب يحيى يخلف الذي أقسم لي "بعمري إن هذا الفيلم يساوي نضال 10 آلاف محارب"، والحقيقة أن تعليق يخلف "دفالي قلبي"، لأني أومن بذلك، ليس تقليلًا من النضال العسكري بالطبع، لكن في أحيان كثيرة لا يُثمر سريعًا "وأنا عم ناضل بالفن والثقافة".
فيديو قد يعجبك: