إعلان

كيف أصبح الصعيد الأكثر بحثا عن "المهرجانات" في 2020؟ (تقرير بيانات)

07:50 م السبت 26 ديسمبر 2020

تصوير - محمود بكار

تقرير- مارينا ميلاد:

قبل أكثر من 15 عامًا، بدأ "طارق" يتردد على الأفراح مع خاله الذي كان يعمل منظما لها، ووجد الطفل نفسه في هذا العالم الذي طالما جذبه تفاصيله، فاعتاد مشهدًا يشكله صوت المزمار والأغاني الفلكورية الصعيدية وتمايل إحدى الراقصات.

مرات متتالية من الحضور والاندماج وتحول الأمر عنده إلى هواية ثم عمل، وما إن حصل على شهادة الدبلوم حتى فتح مكتبه الخاص وصار متعهدًا للأفراح والحفلات في، مدينته، المنيا.

لكن لم يعد هذا المشهد قائمًا في الأفراح التي بدأ ينظمها، إنما بات لـ"الدي جي" وجود أكبر، ينطلق منه أغانٍ لحكيم، ثم شعبان عبدالرحيم، ثم سعد الصغير وعماد بعرور فيما بعد. اختلفت الطقوس وكذلك الذوق والطلب وصولا إلى أغاني المهرجانات اليوم، التي نَحّت كل ما سبقها جانبا.

"الناس هنا بقت دماغها كلها مهرجانات".. يقول طارق سليم (30 عامًا)، ويؤكد على حديثه قائمة محرك البحث "جوجل" للموضوعات الأكثر بحثًا خلال هذا العام، والتي تتصدرها أغاني المهرجانات في 8 مراكز: "شمس المجرة، عود البطل، بنت الجيران، هلا والله، مع السلامة للي عايز يمشي، إخواتي، ولغبطيطا". وكان الملاحظ أن محافظات الصعيد هي الأكثر اهتمامًا وبحثًا، وعلى رأسها محافظته.

وتضع "مؤشرات جوجل" درجة من صفر إلى 100، لكل محافظة بحثت عن كل مهرجان من الأكثر بحثًا في "جوجل"، وتدل 100 على زيادة انتشار المهرجان في المحافظة. وبجمع درجات محافظات الصعيد الموجودة بالقائمة؛ فيمكن ترتيب المحافظات الأكثر متابعة.



يجلس طارق في مكتبه أمام جهاز الكمبيوتر الذي يخرج منه صوت أغنية مهرجان جديدة لمطربين باسم "الصواريخ دقدق و فانكي و زوكش و شحتة كاريكا". يصب تركيزه على مشاهد أحد الأفراح، يعدلها ويرتبها؛ ليصنع منها فيديو دعائيًا قصيرًا مستعينًا بتلك الأغنية، ثم ينشرها على منصات التواصل الاجتماعي؛ ليجتذب بها زبائن آخرين.
اختيار طارق لهذه الأغنية ليس عشوائيًا. فيقول إنه لم يستهوه أبدًا استخدام أغاني المهرجانات في صنع فيديوهاته، لكن كان عليه تغيير موقفه بعد متابعته أرقام مشاهداتها على يوتيوب، و"قائمة ترند جوجل"، فأصبح يختار الأعلى بينهم أو حسب وصفه: "اللي هتعلم مع الناس".



وقبل أن يصل هذا اللون الموسيقي إلى طارق ومدينته. قد بدأ في مصر منذ نحو 10 سنوات بأوساط الشباب بالمناطق الشعبية، لكنه أخذ طريقه إلى جمهور أكبر من طبقات مختلفة خلال السنوات الأخيرة معتمدا على كلمات شباب غير محترفين، وجهاز الكمبيوتر لتشكيل الألحان، وتدور معظم أفكاره حول مشكلات الشباب.
في تلك الأثناء تعرف طارق على عالم الإنترنت عام 2011 وأنشأ حسابًا له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كذلك جيرانه وأصدقاؤه. ومن هنا بلغت مسامعهم أغنية لفرقة جديدة باسم الدخلاوية وأخرى تسمى "مهرجان السلام" لفيجو وفيفتي.
يقول طارق: "أغلب الناس هنا بتشتغل في القاهرة وبحري. والإنترنت قرب المسافات أكتر وفتح العيون على كل حاجة مش بس المهرجانات. فمبقاش فيه فرق بين بحري وقبلي وأي ظاهرة في القاهرة بتوصل هنا علطول".
مستخدمو الإنترنت ونسبة استهلاك الصعيد

يتلقى طارق اتصالا من أحد الأشخاص الذي يتفق معه على تنظيم فرحه، يحدثه طارق وفي يده الأخرى ورقة يباشر تدوين بعض المعلومات فيها، والتي تشير إلى أنه يريد عمل جلسة تصوير، فيديو، قاعة، و"دي جي" فقط وليس فرقة غنائية. ينهي مكالمته ثم يوجه السبع أشخاص الذين يعملون معه بهذه الطلبات.
يكاد لا يمر زبون عليه إلا ويؤكد على تشغيل أغاني المهرجانات طوال الفرح بدلا من الأغاني الرومانسية حتى إن العروس نفسها تطلب ذلك منه –كما يقول– مشيرا إلى أن نظام الفرق الغنائية الشعبية هي الأكثر طلبا ومن بعدها "الدي جي" الذي لا تتعدى تكلفته الخمسائة جنيه.
ويوضح أن أقل تكاليف للفرح الذي يقام في الشارع بفرقة غنائية من المحافظة نفسها يصفها بـ"محدودة الإمكانيات" قد تصل إلى 20 ألف جنيه، لكن تختلف هذه التكلفة تماما إذا طلبوا حضور مطرب مهرجانات، فوقتها قد تصل إلى 70 أو 80 ألفا– بحسب طارق: "حتى لو كان عمل أغنية واحدة بس كفاية تطلع ترند".
لذلك لا يأت إليهم أحد من مطربي المهرجانات على الأغلب لعدم قدرة كثيرين على الدفع لهم.
وكانت نقابة الموسيقيين، قد قررت في فبراير الماضي، منع مطربي المهرجانات من الغناء باعتبار أن كلمات أغانيهم "تحمل ألفاظا متجاوزة وتتعدى على الرواسخ الثابتة للمجتمع المصري"، وفقا لبيان النقابة.



لكن لم يمر شهر على ذلك القرار إلا وتأثروا بقرار حكومي أكبر منه وهو توقف الأفراح والحفلات، بداية من منتصف مارس، خوفا من انتشار فيروس كورونا: "كانت أصعب فترة في حياتي"، هكذا يصف طارق الملقب بـ"الماجيكو" الأشهر التي أعقبت القرار؛ إذ توقف فيها عمله تمامًا. تأثرت حياة طارق سلبًا كما تأثر كل شيء فيما عدا أرقام أغاني المهرجانات– سواء في البحث والمشاهدة- التي ظلت تقفز طوال تلك الأشهر.



في وجهة نظر طارق، فهذا الاهتمام بأغاني المهرجانات في المنيا وغيرها ترجع إلى قربها من حياة الناس؛ فكلماتها هي أحاديث الأصدقاء مع بعضهم عن مشاكلهم وأحلامهم ونظرتهم لمن حولهم. رغم أنه شخصيا لا يفضلها وتنتهي بمجرد انتهاء عمله: "أغلبها ملوش هدف. أنا ينفع أحط كلمات مهرجان وأنا قاعد كده". لذلك يفضل سماع الأغاني الشعبية للمطربين رضا البحراوي وأحمد عامر وموسيقى عازف الأورج عبدالسلام.
فيما يرى الكاتب والناقد الغنائي، مصطفى حمدي، خلال لقاء تليفزيوني، أن "أغاني المهرجانات مرآة تعكس الوعي والذوق العام الموجود حاليًا، والذي تغير خلال السنوات الأخيرة تحديدًا منذ 2011"، موضحًا أن الاهتمام بتعليم وثقافة الجمهور هو الأساس الذي سيؤثر على مدى وجودها وانتشارها.



يتحرك طارق مع زملائه في مكتبه بالمدينة إلى أحد المراكز: "كأنني تحركت إلى القاهرة". يقول ذلك في إشارة إلى الاختلاف بين المدينة والقرى والمراكز في معرفة اسمه والمعاملة والأمور المادية. لكن: "ما يتشابهون فيه جميعا هو إجماعهم على الذوق نفسه وحب المهرجانات"، وفقًا لحديثه.
يذكر طارق أن الفرح الذي يتجه إليه يخص إحدى العائلات الكبرى في هذا المركز، وهنا يختلف مع رأي الناقد مصطفى حمدي أو غيره ممن يرون أن محبي المهرجانات هم أشخاص من طبقات اجتماعية متدنية أو غير متعلمين: "أنا بروح أفراح ناس من كل الطبقات ودكاترة وشرطة وغيره وغيره وكله نفس الطلب".
ورغم قدرة عشوائية المهرجانات وعدم انضباطها على المقاومة للوصول والتمدد والانتشار، إلا أن المسؤولين يقفون في وجهها دوما، إذ يقول المتحدث باسم البرلمان المصري صلاح حسب الله إنها: "أخطر على مصر من فيروس كورونا". كما تقدم النائب البرلماني فرج عامر بمقترح لتعديل قانون العقوبات يدعو فيه إلى تشديد عقوبة اللفظ الخادش عموما لتتراوح بين عام وثلاثة أعوام، بدلا من غرامة بقيمة 500 جنيه حاليًا.
ذلك قبل أن تعود وتقرر نقابة الموسيقيين تقنين أوضاعهم بإنشاء "شعبة للأداء الشعبي"، ليحصل أعضاؤها على ترخيص سنوي بالغناء، لكن أعضاء الشعبة الجديدة ملتزمون- وفقًا لبيان النقابة- بالإجازة من قبل لجنة الاستماع المشكلة، مع التزام عضو الشعبة بالمعايير الرقابية والخطوات الإجرائية، ما يمنح النقابة الحق في التحكم بمحتوى الأغاني، وحقها في سحب الترخيص من المطرب.
ووصف الناقد الفني، طارق الشناوي، هذا القرار بـ"المتخبط"، قائلا في تصريحات سابقة لـ"مصراوي": "النقابة خجلت في بيانها من الاعتراف باسم المهرجانات، حيث وصفه البيان باسم الأداء الشعبي، فهي تريد أن تجعل لها قبضة حديدية"، متسائلا: "هل النقابة دورها المنع والمصادرة، أو خلق مناخ صحي للفن ووجوده؟".
يصل طارق الفرح الذي يقصده ومعه فرقة المزمار التي انتهى دورها المطلوب عند دخول العروسين قاعة الفرح. وفي هذه اللحظة تذكر طارق قدامى هذه الفرقة الذي كان يراهم وهو صغير رفقة خاله. تذكر الأرغول، الربابة، والدفوف، وأنه لم يكن يمكن مغادرتهم مبكرًا، لكن الآن تغير كل شيء وباتت فقرتهم لا تتعدى الـ10 دقائق - إن طُلبوا- ليحل محلهم أغاني المهرجانات.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان