الجميع يبحث عن مخرج.. حيل مشجعي الكرة للهروب من جحيم "مباراة القرن"
كتب- أحمد الليثي وشروق غنيم:
باقٍ من الزمن 3 ساعات، يُحصيها علي أحمد بتروٍ في انتظار المباراة النهائية في دوري أبطال أفريقيا. عدّاد الزمن دار في عقله بالفعل منذ شهر مارس المنصرف، حين وصل ناديه الأبيض إلى نصف النهائي قبل ثمانية أشهر: "من اللحظة دي والماتش مخرجش من دماغي".
ومع وصول الزمالك إلى المباراة النهائية، أصبح الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة للشاب الثلاثيني، لا يخلو قاموسه اليومي من الحديث عن النزال الكروي، كل تفصيلة يمر بها في حياته يُحيل تفسيرها إلى اللقاء، لذا قرر لأول مرة منذ شجع فريق الزمالك أن يهجر التوتر، يقتل الانتظار، ويستغنى عن مُتعة مشاهدة أول مباراة للفريقين في نهائي بطولة أفريقيا منذ 26 عامًا "مش هقدر أتحمّل أتفرج على 90 دقيقة.. حاسس إني محتاج أختفي وقت الماتش وعشان كده قررت أجيب منوّم".
كلما اقترب موعد المباراة، يربط علي ما يحدث في يومه بالمباراة حتى لو كان في أحلامه "علامات ببدأ أجمعها"، تُجسد له توقعاته ويُصبح تكرارها محل تأكد عما قد يحدث "لو شوفت قطة سوداء خلاص اليوم اتلغى بالنسبة لي، لو العربية زمزأت في الحركة، الدنيا زحمة، أي تفاصيل فيها عطلة بعتبر كده إن اليوم مش بتاعنا"، يبلغ الأمر ذروته بأن له تمائم في التفاؤل أو النقيض تمامًا "في شخص معين لو شوفته بعرف إن الزمالك خلاص خسر، في مرة عشان أتجنّب أشوفه قبل الماتش قعدت في الحمام نص ساعة لحد ما يمشي من مكتب الشغل".
حلم يتكرر لثلاث مرات بفوز الأهلي على الزمالك خلال الأيام الماضية، كانت أبرز التفاصيل التي سبقت مباراة النهائي بالنسبة لهشام الفقي، حضر هشام خصيصًا من دولة الإمارات لمشاهدة المباراة رفقة أصدقاء المدرج كالعادة، لكن نتيجة اختبار اللاعب ديانج بإصابته بفيروس كورونا وإقصائه من المباراة بددت أحلام الفقي حيث كان الحلم المُكرر يتمحور عن اللاعب الأفريقي، لذا ينتظر هشام بشغف ما ستسفر عنه المباراة على أرض الملعب بعيدًا عن دُنيا الأحلام.
لم يكن هشام قد أكمل عامه التاسع وهو يحضر أول نهائي للأهلي أمام الهلال السوداني في العام 1987 "رغم إن عدى 33 سنة على اليوم ده، لكن جسمي لسّة بيقشعر لحد دلوقتي، فاكر الناس الكبيرة صحاب أبويا وهما بيعيطوا في الإستاد من الفرحة، وشكل الخطيب وهو بيلعب آخر ربع ساعة في حياته".
حضر هشام جميع النهائيات داخل مصر وخارجها منذ 1987، فيما عدا نهائي رادس 2006: "كنت لسة مخلّف جديد، حسيت هبقى ندل أوي لو سيبت مراتي وروحت الماتش، غير كده مفيش حاجة تمنعني عن الماتش"، ولا ينسى هشام أن آخر نهائيين حضرهما في تونس والمغرب خسر الأهلي النهائي وهو يتمنى ما يتبدّل هذه المرة؛ ليظفر المارد الأحمر بالبطولة الأفريقية التاسعة في تاريخه، ليُثبت مكانه على عرش أكثر الأندية تتويجًا بالبطولة.
خلال الأيام الماضية سمع هشام كمًا من الحكايات، في دُنيا غير الكرويين هي محض أساطير، لكنه يؤمن بها تمامًا: "خمسة من صحابي قالوا لي بنفكر إزاي نبعد عن الضغط، اللي قال آخد منوّم، وهل في حاجة تغيبني عن الوعي وأنا قاعد بتفرج ولا أعمل إيه".
لم تكن علاقة علي بالزمالك اعتيادية منذ صغره، مع كل مباراة يدّق قلبه بعنفوان، يتقّد حماسه ولا يطفئه سوى نهاية المباراة: "لو خسرنا بيبقى يوم ما يعلم بيه إلا ربنا، أما لو كسبنا بحس إن الحياة فاردة دراعتها ليا، وكل أحداث اليوم بتبقى حلوة، حتى أي حاجة ممكن تعكر صفو اللحظة بتجاهلها".
يعرف أن لكل طريقته في التشجيع: "وكل واحد بيحب النادي بطريقته، لكن اليوم اختار ابن نادي الزمالك أن يغيب طوعًا عن الدُنيا لحظة لعب المباراة، ينتظر قدوم الساعة التاسعة مساء؛ ليتناول حّبة منوّم تُعيده للزمن في اليوم التالي: "مش عايز أفضل متوتر وأبني أحلام، أنا عايز الكام ساعة بتوع الماتش يخلصوا وأصحى من النوم يقولوا لي النتيجة على طول".
اليوم الجمعة عقارب الحادية عشرة صباحًا تدّق في مقهى بمصر القديمة؛ لتستقبل أحمد عطية ورفاقه، طقوس احتفظ بها منذ سنوات "أقابل صحابي بدري نقعد على القهوة من الصبح نستنى الماتش"، فيما بينهم يبدأ أستوديو تحليلي لكل خبر يتناول اللقاء، في ذلك اليوم لا يعرف جوفهم الطعام: "من التوتر آخرنا ممكن ناكل بسكوت"، غير أن أهم قرار يتخذه الشاب العشريني هو: "إني أخد أجازة من الشغل؛ لأن لو اشتغلت يوم ماتش مهم للأهلي ممكن أعمل أي غلطة وأنا مش واخد بالي".
حين شجّع عطية النادي الأهلي صار منتميًا لكيانه بكُل ما يحمل ذلك من معنى، يطوف معه في المباريات المحلية، لا يخلو الإستاد من مقعد له؛ للتشجيع برفقة أصدقائه، لكن آخر عهد بالشاب بتلك الطقوس كان عام 2014. في "ستاد القاهرة" حيث مباراة نهائي الكونفدرالية بين الأهلي وسيوي سبور الإيفواري، الوقت يعبر الدقيقة 90 من عُمر المباراة فيما أوشك النادي الإيفواري على حسم اللقب: "كنت على أعصابي ومش متحمّل فكرة إننا ممكن نخسر، قلت لصاحبي يالا نمشي عشان نلحق نروّح"، غير أن صديقه أبلغه: "لسّة في وقت، هنستنى"؛ ليُعلن المارد الأحمر أنه لا يأس من تشجيعه: "في الدقيقة 95 و22 ثانية كان متعب جاب هدف الفوز"، لا تزال تلك الروح تُستدعى بين عطية ورفاقه، حينما صار المقهى مكانهم؛ لمشاهدة المباراة: "بنفضل نتكلم عن الماتشات الصعبة وإزاي قدرنا نعديها".
على عكس المنتظرين للقاء بحرارة، تمنى عبدالحكيم محمد لو أنّ المباراة يؤجل موعدها، إذ تزامن مع يوم زفافه على رفيقة دربه "قررت أحجز بعيدًا عن يوم 6 اللي كان مقررًا له النهائي، وحجزت بعيدًا عن الميعاد عشان حتى لو زعلنا من الماتش الناس تكون نسيت"، غير أن تراتيب القدر كان لها كلمة أخرى، إذ تم تأجيل الموعد؛ ليصير يوم السابع والعشرين من نوفمبر: "الحمد لله إن فرحي كان الصبح، لو بليل كانت هتبقى معضلة تانية".
رغم ذلك يعتبر الحكيم نفسه في أصعب موقف يمر عليه مشجعًا زملكاويًا: "الموضوع أكبر من استيعاب الناس وقدرتهم على إنها تفهم رياضة، اللي هيخسر هيواجه حقيقة إنه خسر كل حاجة"، يأمل الشاب العشريني أن تتّم فرحته بفوز الفرسان: "لأن دي أكثر بطولة نفسي الزمالك يكسبها".
أرسى مصطفى فتحي منذ عام 2010 قواعد؛ لمتابعة لقاءات فريقه الزمالك، هو و15 صديقًا لم يتفارقوا في أي مباراة للزمالك، وحتى في المباريات التي تُلعب دون جمهور، يصير منزل الشاب العشريني مُدرجًا في حد ذاته، وتُصبح غرفة الجلوس بالمنزل: "التالتة يمين" "اتعودنا نشوف الماتش مع بعض، لما بنتجمّع بنتفائل، وأي حد جديد بيكلمنا عشان ييجي يتفرج معانا بنقوله مش هنتفرج، بنخاف إن حد جديد يدخل على المجموعة ويطلع فقري ولا ملوش في الكورة".
لا يزال يذكر صاحب الـ27 ربيعًا كيف بدأت رحلة مشاهداته لمباريات مهمة للنادي الأبيض من المنزل: "آخر بطولة أفريقيا كان عندي 10 سنين، فضلت من الصبح أتحايل عليه نروح الإستاد وغبت من المدرسة مخصوص، لما وصلنا كنا متأخرين ومعرفناش ندخل، لسه فاكر كل تفصيلة، وإن حتى الأمن المركزي كان بيركب خيول للتأمين، القدر وقتها رجعنا البيت نتفرج وساعتها احتفلنا بالبطولة".
لا يُغير فتحي من طقوسه خلال المباراة: "لو عندي حركة معينة وأنا قاعد بتفرج على الماتشات لا يمكن أغيرها، في ماتش الرجاء لو كنت حاطط رجل على رجل وكسبنا، أكرر الحركة الماتش اللي بعده"، لا يفوّت الرفاق أي نبأ عن النادي قبل المباراة: "بنتابع كل تفصيلة، حتى وإحنا مستنيين نتيجة مسحة كورونا لكل لاعب كان التوتر أكبر من نتيجة الثانوية العامة". عشق الزمالك يدّب في جسد فتحي كما دمه: "لو بطولة كبيرة وكسبنا لازم ننزل على النادي نحتفل، لو هما بره بنروح لهم المطار نستقبلهم".
لهشام الفقي ورفاق المدرج طقوس لا تتبدّل: "زميلنا عادل لما الدنيا تعصلج في الماتش، بيقف في آخر المدرج ودي بتبقى علامة إن ربنا هيفكها، ساعات أقف أجري في أول المدرج لوحدي وأقعد أدعي".
لكن رجاء هشام خاب حينما أعُلن بحسم عن عدم حضور جماهير في المباراة، لكنه لم يدع الحُزن يسكنه: "أنا جيت وكنت ناوي لو دخلت المدرج هبقى في قمة سعادتي، لكن بعد القرار هبقى قاعد في وسط حبايبي اللي متعود أتفرج معاهم.. ويا رب انصر الأبطال".
لا تزال الذكريات السابقة تطوف في عقل علي، يتذكر مباريات الزمالك التي قرر ألا يُكملها للنهاية ويهرب إلى غرفة منعزلة لا يُسمع فيها صوت المباراة: "في لحظة ببقى مش عايز أعرف أي حاجة في ساعتها حتى لو هنكسب"، وحتى إذا أكمل المباراة يُصبح له حساباته بمشاهدتها في غرفة منفردة، يبتعد عن أي تجمعات، يُغلق هاتفه ويعيش اللحظة: "لما بنكسب بتبقى فرحة عارمة، ولما نخسر بيبقى حزن عارم وبتحتاج في اللحظة دي تحزن لوحدك".
فيديو قد يعجبك: