نجمة عمرها سنتان.. عبير تستخدم "إنستجرام" لدعم أمهات أطفال متلازمة داون
كتبت- إشراق أحمد:
حينما اشتد حمل عبير نافع، لم تأمل سوى في نجاة ابنتها بعدما توفي توأمها في رحمها، واصلت الدعاء بالسلامة لمولودتها حتى رُزقت بها. ظنت السيدة وزوجها أن الاختبار انتهى بنجاة طفلتهما، لكنه كان قد بدأ؛ باليوم التالي أخبرتها الطبيبة أن ثمة اضطرابًا جينيًا جعل "كندة" من أصحاب متلازمة "داون سندروم". مرت الأم بما يجري لكل أمهات ذوي القدرات الخاصة، أصابتها الصدمة، لكن سرعان ما تجاوزت "بنتي بحبها وهفضل أحبها"، ووجدت في توثيق حياة الصغيرة شعورًا بالدفء لها، ولعشرات السيدات مثلها، طيلة عام ونصف العام كان لـ"الإنستجرام" بهجة خاصة لعائلة الكيلاني.
بعد ميلاد "كندة"، قررت عبير أن تفعل معها مثل ابنتها الكبرى "ليليا"، وكما اعتادت في حياتها عامة؛ لا تغادر الأم الثلاثينية هاتفها المحمول والكاميرا "بصور كل اللحظات.. دي طبيعتي أحب أصور وأرجع أتفرج على ذكرياتي"، فما كان الأمر غريبًا، لكن الجديد هو مشاركتها مع دائرة أوسع من أسرتها.
ما حسبت الأم أن الصور لها تأثيرًا مختلفًا، لكن عرفت ذلك حينما شاركتها صديقة صورة لابن أخيها لديه متلازمة "داون"، وأخبرتها أنه "أحلى حاجة في الحياة ووجود طفل داون بداية لدنيا جديدة مش نهاية"، ثم عبر المزيد من الصور تخطت عبير الصدمة قبل عامين، "لقيت عدد كبير من حسابات الإنستجرام لأهالي عاملين توثيق لحياتهم مع أولادهم".
أخذت عبير تتابع الصفحات، باتت طقسًا يوميًا لها، جرعة من الدعم النفسي تهنأ بها، لكن شيئًا لفت انتباهها "وقتها كل اللي شوفته لأجانب بقيت أقول طيب فين العرب فين المصريين؟"، وقررت أن تجيب بنفسها بإنشاء حساب باسم ابنتها "كندة الكيلاني".
أرادت والدة كندة في البداية، أن تمنح الأمهات خاصة الجدد منهن ما استشعرت "حبيت أدعمهم نفسيًا زي ما حصل معايا. أقول لهم الحياة طبيعية جدًا، يمكن في تعب أكثر للاهتمام بطفل الداون لكن الدنيا مش بتقف"، ومع الوقت اكتشفت هدفًا آخر، وجدت بالإمكان أن تصبح سببًا في تجنب الأهالي "متاهة" بداية المشوار مع أبنائهم، بمساعدتهم في معرفة الأطباء والمراكز المختصة في التعامل مع الأطفال مثل كندة، فضلاً عن رغبة أصبحت لا تفارقها "انشر الوعي. الناس تبقى عارفة يعني إيه متلازمة داون. عارفين قدراتهم. إنه طفل مختلف، أه هيتأخر في الكلام والمشي، لكن هيتعلم ويشتغل زي أي حد".
فيما يشبه ألبوم صور إلكترونيًا، تنشر عبير لقطات فوتوغرافية ومقاطع مصورة لـ"كندة" تباعًا، تفاصيلهم في المنزل وخارجه، ورغم أنها أنشأت الحساب بينما كانت الصغيرة في عمر تسعة أشهر، لكنها تحرص أن يضم مراحل حياتها منذ ميلادها وحتى الآن ببلوغها عامين ونصف العام، "عشان لما حد يحب يرجع يبقى شايف كل حاجة بالترتيب"، فتُرى بين أحضان والديهما وشقيقتها في أسبوعها الأول، وأثناء نجاحها قبل أشهر في إيجاد صورة سمكة بعدما طالبتها طبيبتها المختصة بذلك.
يعكس "الإنستجرام" ما أحدثه وجود "كندة" في حياة أسرتها؛ أعادت عبير اكتشاف نفسها "طاقة فظيعة من العطاء زي ما يكون ربنا حطها في قلبي من بعد ما كندة جت". قررت الأم أن تتحلى بالقوة لأجل زوجها وأسرتها المغتربة عنها. تقيم السيدة الثلاثينية مع زوجها يوسف الكيلاني في السعودية منذ زواجها قبل نحو سبع سنوات، فكان في إنشاء الحساب ونشر الصور وسيلة لتبادل الحديث بأن كل شيء على ما يرام مع أسرتها في مصر، وغيرها من الأمهات بمساعدتهن قدر استطاعتها.
لا تكتفي عبير بنشر الصور، تستقبل العديد من الرسائل من أمهاتٍ، خاصة حديثي العهد بطفل متلازمة داون، يخبرنّها "أنا مكتئبة.. هي الحياة طبيعية.. أنتوا مبسوطين بجد؟"، وتطلبن المساعدة. باتت الأم قبلة للاستشارة، فيما لا تجيب المتسائلات سوى بتجربة حية تعايشها إلى اليوم، وما لم تجد له رد تستعين بأطباء "كندة" تسألهم، وتعاود نشر الإجابة، أما الدعم النفسي، فبمشاركة هؤلاء الأمهات ما مرت به مع ميلاد صغيرتها، تحدثهن أنها كانت مثلهن "مكنتش مبسوطة.. كنت مصدومة ومش مصدقة وغضبانة وبسأل ليه؟".
لم تكن تعرف عبير ماذا تعني متلازمة "داون"، تبتسم بينما تستعيد أن الطبيبة ظلت تحدثها فترة طويلة، لكنها ما فهمت شيئًا، وحينما عادت بـ"كندة" للمنزل واصلت البحث والقراءة حتى استوعبت ما عليها أن تفعل، وهو ما تشاركه مع الأمهات "اللي عملته بقوله. إزاي يعدوا مرحلة الصدمة ويستغلوا الوقت في مساعدة أولادهم"، فوحده الانشغال بما يجعل ابنتها أفضل هو ما أخرج عبير من حالة الأسى.
أخذت الأم الثلاثينية تذاكر لتفهم كيف تتعامل مع ابنتها، أدركت أن الكثير من الصور الذهنية السابقة مغلوطة، منها أن ولادة طفل بمتلازمة يعود لأمر وراثي، لكنها علمت أن 1% فقط يكون لهذا السبب، بينما "كندة" من النوع الشائع، الذي يولد لحدوث خلل لا سبب إنساني فيه في كروموسوم 21.
أصبحت عبير وزوجها أكثر تأملاً للوضع "اللي فهمته إن طفل الداون حاجة مختلفة مش وحشة يعني زي أي طفل مختلف عن التاني"، وهو ما أهدته إليها ابنتها "ليليا" ذات الستة أعوام، والتي أصبحت تشارك شقيقتها كل شيء، كلما سألت عن تفاصيل في حياة كندة مثل التأخر في الكلام والمشي، كانت الصغيرة ترد "بس هتتكلم في الآخر طيب إيه المشكلة؟". شعرت الأم أن نظرة ابنتها للأمر محقة، وتمنحها الإجابة عما يساورها من قلق فاطمأنت.
يتابع "كندة" نحو 6225 شخصًا، يتفاعلون مع ضحكاتها البريئة، مرحها مع شقيقتها الكبرى ووالديها، ويشاهدون جلساتها التعليمية والتدريبية وخطواتها الأولى التي تحرص الأم على تسجيلها ونشرها، بل وإعلام الأطباء بما تفعل كي يشاركونها. تكبر الدائرة يومًا تلو الآخر، وصارت ترى عبير حصاد بذلها، "بقيت أحس إن الناس بقت تحب أطفال الداون"، تجده في تعليق أحدهم أنه يعرف طفلاً بنفس حالة كندة، ويشاركها تفاصيله، وحينما مرضت ابنتها، أخذ المتابعون يساندونها بالدعاء والكلمات الطبيبة، مما جعلها تلمس أن الحساب بإمكانه حقًا أن يحدث فارقًا في الوعي.
لا تفضل عبير حكي المواقف المحبطة لها مع ابنتها، تنحيها جانبًا، لهذا ما تنشره يبعث على البهجة، وإن مرت بما يسيئها تنبش عن الجانب الإيجابي فيه، تذكر كم تعرضت لكلمات أشبه باللوم، "وأني السبب في كون بنتي من متلازمة داون"، فتتمنى لو أصبح الناس أكثرًا وعيًا، فيما لا تنسى يوم أن أخبرها طبيب، "وفري فلوسك. جيب لها حد يقعد معاها وهاتي أطفال غيرها أنت لسه صغيرة"، فحولتها صدمة الكلمات إلى التساؤل، "إزاي ميكونش في كل التخصصات وعي بالحالات المختلفة زي متلازمة داون؟".
قبل 5 أشهر رُزقت عبير بطفلتها الثالثة، وصارت كندة شقيقة كبرى لأخرى ولدت بشكل طبيعي، ورغم أن حِمل الأسرة صار أثقل، لكن لم تتوقف الأم عن دورها على الإنستجرام، لعلها يومًا تكسر خوفها على ابنتها الوسطى، "نفسي ألاقي تعليم كويس ودايرة معارفها ناس كويسة مش بتضايقها"، أكثر ما تخشاه الأم أن تتعرض كندة يومًا للتنمر، فيما تحلم بأن يظل الحساب المصور انعكاسًا لحياتها، "زي ما الأكونت بقى له تأثير إيجابي يبقى هي كمان كل ما تكبر يبقى لها تأثير قوي وملهم".
فيديو قد يعجبك: