حوار- الطريق إلى إفرست.. رحلة مصري نحو القمة الأعلى في العالم
كتبت- رنا الجميعي:
عند أحد معسكرات التخييم في جبل إفرست يجلس الآن المصري شريف العبد يراجع حياته، هناك حيث لا شئ سوى الصمت والصقيع من حوله، والمخاطر التي تواجه 16 عربيا، من ضمنهم العبد، لتسلق القمة الأعلى في العالم.
قبل نحو ثلاث سنوات لم يكن شريف العبد ذلك الفتى الجبلي، كما يصف نفسه في حواره لمصراوي، يفعل شيئا سوى العمل "وحضور مؤتمرات متعلقة به، ودراسة الشهادات الخاصة به"، حيث اشتغل العبد كمديرا لاستراتيجية الصناعة والابتكار في دبي، التي عاش فيها الأعوام العشر الأخيرة.
في لحظة ما قرر العبد ألا يترك نفسه أسيرًا لتروس العمل، كان بداخله رغبة ملتهبة لتحقيق التوازن في حياته، وبعد أن كانت راحته تكمن في عشاء جيد بعد يوم طويل من العمل، صارت إجازاته الأسبوعية والسنوية عبارة عن قصة حب للجبال.
بدأ العبد الانتظام في التمرينات الرياضية، ثم انضم لأحد نوادي الجري خلال عام 2016، وخاض أول تجربة بماراثون لمسافة 5 كيلومترات، بعدها اشترك في رحلة إلى نيبال للمشي مسافات طويلة "هايكينج"، هناك كانت التجربة التي غيّرت من الشاب الثلاثيني "رغم إنها كانت 5 أيام بس".
منذ ذلك الحين لم يُفوّت العبد إجازة دون "هايكينج" لمدة يوم أو يومين، حيث مشى لمسافات طويلة في جبال رأس الخيمة، بالإمارات، مغامرات العبد لم تنتهِ، لكنه وضع هدفًا مغايرًا لعام 2018 وهو التركيز على تسلق الجبال بدلًا من المشي لمسافات طويلة، حيث قام بتسلق جبال التوبقال في المغرب "كان عن طريق غير تقليدي ومش هو المسار الطبيعي للتسلق"، لذا استغرق العبد حوالي 15 ساعة للصعود ثم العودة بعدها، كانت تلك التجربة التي علّمته أنه في حاجة لتأهيل أكبر يساعده في تحمل هذا النشاط الشاق.
بعدما كان يقضي عطلاته مع عائلته في القاهرة، صار يمضيها بين الجبال، مُغامرًا ومتحديًا ذاته، لم يجد العبد الدعم من عائلته منذ اللحظة الأولى "أسرتي مش من النوع المخاطر"، مع خطواته الأولى كان رد فعلهم مُحايدًا تجاهه، لكن مع الوقت تغيّر الأمر "لما شافوا أد ايه أنا جد في اللي بعمله بقوا بيشجعوني".
بعد فترة كان شريف العبد على موعد مع تجربة جديدة، حيث معسكر قاعدة جبل إفرست مع المغامر عُمر سمرة، وهو أول مصري يتمكن من تسلق قمة إفرست، تعرّف العبد على سمرة منذ سنتين، وصارا صديقين "مبيبخلش على حد بنصيحة وهو على وعي كويس باستعدادات السفر للجبال إزاي".
بعد شهر من التجربة مع سمرة، ذهب العبد إلى سلاسل جبال روينزي في أوغندا، ثم توجه إلى جبال الألب، حيث الجبل الأبيض أو مونت بلانك، وهو جبل واقع على الحدود الإيطالية الفرنسية -ضمن مجموعة جبال الألب.
في إحدى ليالي إبريل 2018 بعد مغامرة أخرى تسلق خلالها العبد جبال أكونكاجوا في الأرجنتين، والذي يبلغ ارتفاعه 7000 متر، كان الشاب الثلاثيني يتناول العشاء برفقة شريكته في التسلق، اللبنانية نيللي العطار، كانت أحلامهم وسع السماء، تحدثا عن قابليتهما لتسلق قمة إفرست، التي تصل إلى حوالي 9000 متر فوق سطح البحر، يقول العبد إن رأسيهما امتلأت بتلك الفكرة، وقررا تأهيل نفسهما لها، لتكون إحدى أهدافه للعام التالي.
خلال ذلك الوقت كان العبد انضم إلى مجموعة جري في الإمارات، دفعوه لمستوى جديد في تسلق الجبال، وشملت استعدادته نحو القمة بالبعثات الجبلية "بسافر في شغلي كتير وخلال السفريات دي قمت بخمس سباقات في ويلز وألمانيا والنمسا والإمارات"، كذلك قام بتسلق قمة لينين في قيرغيزستان، ثم اتجه نحو الجبال في ألاسكا، والهيمالايا.
لم يرتاح العبد لحظة واحدة، كانت عيناه لا تحيد عن الهدف فقط، وهو تسلق قمة إفرست، "مكنتش برتاح غير يوم واحد في الأسبوع بس".
في الرابع من إبريل الماضي خطا العبد أول خطوة نحو إفرست، برفقة 16 عربيًا -بينهم أربع سيدات، من السعودية وعمان واثنتان من لبنان- وهي مُبادرات فردية تمامًا لأصحابها، حيث تجتمع العديد من الجنسيات العربية.
للوصول إلى إفرست جهز العبد نفسه جيدًا، حصل على إجازة لمدة شهرين من عمله "ودا مكنش سهل لأننا في نهاية السنة المالية"، احتاط العبد كذلك من التحديات الشائعة لرحلة مثل تلك "وهي تجنب الإصابة خلال المراحلى الأولى من التسلق، وتحدي فقدان الشهية".
يتحدث العبد لمصراوي وهم لم يزل يتسلق قمة إفرست، حيث انتهى من دورتين من أصل ثلاثة نحو القمة "والدورة التالتة هي الأطول والأصعب".
لم يكتفِ العبد بالتسلق فقط، والبقاء على قيد الحياة، بل قرر برفقة شريكته نيللي دعم تعليم الأطفال اللاجئين، حيث رفعا علم بسمة وزيتونة، وهي جمعية خيرية في لبنان، لجمع التبرعات لتعليم نحو مئة طفل لاجئ، وقاما برفع صورتهما على حساب العبد على الانستجرام.
لا يُصدّق المغامر المصري نفسه، بأنه على مسافة بسيطة من تحقيق حلمه، ليكون المصري الأول بعد 12 عام، وفي الشهر ذاته، من تسلق سمرة قمة إفرست، وما كان محادثة عشاء منذ سنة يتحقق الآن، لن تُصبح إفرست المحطة الأخيرة للعبد، مازال لديه الكثير من الأحلام، يضع في اعتباره مشروعًا آخر، ينتهي منه هذا العام، وهو الجري لمسافات طويلة عبر 5000 كم في سيناء. يستطيع العبد تحقيق الكثير، يرجع كل ذلك بأنه مؤمنًا: أن الجسم يُترجم ما يؤمن به العقل، وأن قوتك العقلية هي التي تجعلك تتحرك حينما تستنزف طاقتك.
فيديو قد يعجبك: