22 عاما بصحبة "ضمور العضلات".. فنان فلسطين ينتصر بالرسم
كتبت-دعاء الفولي:
كان محمد الدلو متفوقا في دراسته. رسم خططا كبيرة للمستقبل، رغم إصابته بمرض ضمور العضلات. لكن اشتداد وطأة المرض أقعدته عن المدرسة، دخل الشاب القاطن بقطاع غزة الفلسطيني، في نوبة اكتئاب استمرت 3 سنوات، اعتزل الناس، إلا أنه عاد لموهبة الرسم، التي أهملها خلال الدراسة، وبسببها فُتح عالم جديد له، استعاد قدرته على التنفس، باتت لوحاته تُعرض في أماكن كثيرة بغزة، حقق أحلاما أفضل من تلك التي تمنّاها.
داخل منزله، يجد صاحب الـ22 عاما بالكاد مساحة للوحات جديدة، يقضي يومه بين الرسم وتطوير ذاته، يتابع المواقع المختصة، ويُجرّب خامات مختلفة في الرسم "بعد ما كنت لا أستخدم إلا الرصاص فقط" حسبما يقول الفنان الغزّي.
منذ صغره، تعايش الشاب مع المرض، علم أن تقدمه في السن يعني مزيد من الضعف، إلا أن مرحلة الثانوية العامة كانت فارقة "لبثت بالمستشفى طيلة الفصل الثاني ما بين كسر بكتفي الايمن ومن ثم التهابات حادة بالصدر ومن ثم استفراغ دم واجراء عملية منظار لمعرفة السبب"، حين خرج من المستشفى لزم المنزل، قبل أن يتعرف عام 2013 على مجموعة أصدقاء جدد "كانوا يشجعوني على الرسم والابداع"، حتى أنهم أقنعوه بعمل معرض للرسومات "كنت مرعوب، إنه كيف أعمل معرض وانا لسة بجرب وبتعلم"، ساعدوه في التواصل مع الأماكن ووفروا له الإمكانيات، حتى خرجت أعماله الأولى للنور.
كان ذلك عام 2015 "هاي هو أسعد يوم بحياتي". داخل قرية الفنون والحرف بغزة، تم تنظيم معرض "الإنمي حياتي"، جمع فيه الشاب 100 رسمة تحكي قصصا عن الأصدقاء، الحب، والوطن. رسمه الشاب بأقلام رصاص، مستعينا بأبطال يُشبهون الشخصيات الكارتونية، ورغم الخوف الذي سيطر عليه قبل الافتتاح "لكن ردود فعل الناس وتشجيعهم هوّن كل شيء".
انطلق الدلو منذ ذلك الحين، شجّعه الرسم على الاختلاط بالناس "بدأت اتطوع في أكثر من عمل خيري وأحاول أتحدث أكثر عن ذوي الهمم ومشاكلهم"، استغل كل مناسبة لدعم من هم مثله، بينما عانى في المقابل من نوبات مرضية متكررة، أشدّها تلك الواقعة منذ 3 سنوات تقريبا "دخلت العناية المركزة وفقدت الوعي"، كاد الأطباء يستسلمون لليأس "حتى أن أحدهم أخبر والدي أن يدعو لي فقط"، غير أن الدلو تعافى بمعجزة إلهية "خرجت بعد أيام، مريض صحيح، لكن حي وأعافر".
لا يترك الدلو نفسه دون تطوير "بدأت استخدم ألوان الاكريلك والمائية وتعلمت فن الماندالا وفن البوب أرت والفن التعبيري"، ظل موقع فيسبوك هو المنصة الأهم له، تنزل كلمات المتابعين بردا وسلاما على نفسه "عم يشجعوني أتطور، رسايلهم كتير بتعطيني القدرة لاستكمل". الطريق ليس ممهدا طوال الوقت، يواجه الفنان صعوبات جمّة "أبرزها إني بقدرش أرسم لوحات ذات حجم كبير بسبب الإعاقة"، لذا قرر الاستعانة بالرسم على الموبايل من خلال برامج متخصصة "وبالتالي بقدر خليها على الورق بأي حجم أريده".
مرض الشاب الفلسطيني لم يمنعه عن الفن، إلا أن استكمال الدراسة شبه مستحيل "ما بقدر ألتزم في أي كلية بسبب التعب"، كذلك لا يتمكن من الحصول على ورش تدريبية في الرسم، فيستعيض عنها بالإنترنت وما يحويه، يعرض ما يُنتج دائما على جمهور التواصل الاجتماعي "آخر شيء كان رسمة القطة"، التي استغرقت أسبوع من العمل "حوالي 56 ساعة عمل متواصل"، إذ أنجزها عبر الهاتف المحمول من خلال أحد برامج الرسم ثم طبعها واحتفظ بها داخل إطار "لأنه هاي الرسمة هي الأقرب لقلبي على الإطلاق".
الحياة داخل القطاع المُحاصر مُرهقة "أحيانا أساسيات الحياة ما بتكون موجودة، ما بالنا بالأشياء الفنية"، لذا
استخدم الشاب تلك الفكرة للتعبير عنها في معرضه الخاص الثاني عام 2017 "كمان كنت حابب ركز على ذوي الهمم وأزماتهم في ظل الحرب"، شارك بأكثر من 10 معارض أخرى، ولم يتوقف بعد عن الحلم "نفسي أعمل معارض خارج غزة".
فيديو قد يعجبك: