إعلان

في الأردن.. كيف ركب ذوي الاحتياجات الخاصة "مرجيحة" لأول مرة؟

05:07 م الثلاثاء 31 يوليه 2018

أرجوحة لذوي الاحتياجات الخاصة في حديقة عامة

كتبت- إشراق أحمد:

رغم أن الذهاب إلى حديقة عامة يبدو أمرًا بسيطًا، لكن لبعض الأسر يكون أشبه بـ"كابوس" يفرون منه، إذ يخشون أن تقع نظرات أطفالهم على ما فيها من ألعاب، فيطالبون بالمرح مثل نظرائهم الصغار، ومن ثم يصطدمون ويتألمون لحقيقة أن أصحاب الكراسي المتحركة يصعب عليهم ركوب الأرجوحة مثل غيرهم.

ظلت حالة تجنب المرور قرب أي حديقة بها ألعاب، لدى عدد من الأمهات في الأردن، حتى 17 يوليو الجاري، إذ أصبح في عمان "مرجيحة" خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة في حديقة عامة.

لم تهجر باكزة الخليلي الحدائق حال غيرها، حاولت بما أوتيت من قوة أن تدمج ابنتها منة الله مع أشقائها الثلاثة ومحيطها لحظات اللعب، لكن ذلك لم يكن يسيرًا حينما ترغب الصغيرة ركوب الأرجوحة مثل نظرائها "كنا نحملها ونحطها على المرجيحة ونضل ماسكينها من ورا وقدام عشان ما تقع".

تعانى منة الله من إعاقة حركية ألزمتها الكرسي منذ طفولتها، بلغت 15 عامًا وظلت أبسط الأشياء التي ترغب فيها لا تتوفر لعدم تهيئتها لما يناسب حالتها، إلى أن رأت والدتها منشور المشاركة في تجربة أول أرجوحة لأصحاب الكراسي المتحركة، وقت قضاء الإجازة السنوية لهم في عمان قادمين من الدوحة حيث يقيمون منذ سنوات.

قبل نحو ثلاثة أشهر نشرت إحدى الأمهات صورة أرجوحة وُضعت في حديقة عامة في لبنان، رأت الصورة إحدى السيدات في الأردن، أحبتها وأرادت أن يكون لطفلها ورفاقه مثل تلك الأرجوحة، فنشرتها على جروب خاص بالأمهات، فتلقتها لمى جمجوم بنظرة مختلفة، قررت بحكم توليها مبادرة "بهجة" لذوي الاحتياجات الخاصة أن تتبنى تنفيذ الفكرة.

1

جاء طرح عمل أرجوحة لأصحاب الكراسي المتحركة، متفقًا مع هدف مبادرة لمى، التي أطلقتها قبل نحو عام ونصف، لدمج ذوي الإعاقة وعمل نشاطات تدخل البهجة والسرور على قلوبهم وأفئدة ذويهم.

لم ينقضِ وقتًا طويلاً، عثرت لمى على نضال أبو صوفة، مهندس تصميم تحمس هو الآخر للفكرة، أخذ الأمر على عاتقه بشكل إنساني كما تقول صاحبة مبادرة "بهجة"، وعكف على البحث على الإنترنت عن تجارب مشابهة، وتصميمات لإخراج الأرجوحة في شكل مناسب ودرجة أمان عالية.

بعد ثلاثة أسابيع انتهت الأرجوحة وباتت جاهزة للتركيب. يوم الجمعة 13 يوليو وضعت لمى صورة الأرجوحة اللبنانية على صفحة مبادرتها، وذكرت أنه سيكون مثلها في عمان، ثم في يوم 16 يوليو طالبت أسر الأطفال ممن يستخدمون كرسياً متحركاً أن يرسلوا لها رسالة لأن "في خبر حلو".

2

داخل حديقة تسمى الإيمان، وُضعت الأرجوحة، لم يكن اختيار المكان بالصدفة "الحديقة تابعة لجمعية نور البركة عاملها مجموعة من الأهالي لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة فكنا واثقين أن تواصلنا معهم هيكون أفضل وراح يحتضنوا الفكرة ويحبوها". وبالفعل مولت الجمعية الأمر إلى جانب الأهالي.

في 17 يوليو الجاري كانت البداية، من جمع أصحاب الكراسي المتحركة وذويهم تطوعت شابة تسمى زينة لبدء تجربة الأرجوحة، أدخلت مرافقتها الكرسي إلى "المرجيحة" عبر بابها الذي ينفتح فيتحول لمرور مستقيم، ثم انغلق جيدًا على مَن بالداخل. ابتسامة لم تغادر زينة بينما تتحرك بها الأرجوحة لتخبر من حولها "حاسة حالي رجعت لطفولتي".

فرحة غير عادية شملت المشاركين، صغارًا وكبارًا ممن تواجدوا لخوض التجربة، كان ركوبهم للأرجوحة مميزًا لاسيما أنه لأول مرة؛ أخذت لمى تلتقط ردود الفعل بتأثر بالغ، كيف لهذا الشيء البسيط أن يسبب تلك السعادة المرسومة ليست على وجوه ذوي الإعاقة بل ذويهم أيضًا؟.

"حاسة حالي طايرة في السما" قالتها منة بينما تتحرك الأرجوحة على مهل، قد وُضع عليها لافتة بيضاء صغيرة تشير إلى خصوصيتها لأصحاب الكراسي المتحركة بينما في خلفية المشهد يسارع صغار آخرين بأرجوحتهم.

ليست أول محاولة لمنة في ركوب الأرجوحة، لكنها كانت كذلك في ذلك اليوم، فقد حظت الفتاة للمرة الأولى بلحظات لعب حقيقية "ركبت لحالها بدون مساعدة حدا وكان في آمان"، وهو ما تراه والدتها يعزز ثقة ابنتها بنفسها، لذلك تمتن باكزة للفكرة، وتسعى لمحاولة نقلها إلى الدوحة بمجرد عودتها.

3

تعليقات عديدة تلقتها لمى من الأمهات، كانت أولها أنهم طالما هربوا من الذهاب إلى الحدائق العامة لأنها غير مناسبة لأولادهم، لذلك جاءت سعادتهم مختلفة "الأهالي انبسطوا كتير أنهم جايين لشيء مخصوص لأولادهم، صار الأم ممكن تاخد ابنها اللي مش من الاحتياجات الخاصة يركب على المرجيحة، وابنها التاني على مرجيحة تانية".

حرصت لمى إلى جانب المشاعر الفياضة في تلك اللحظة أن تعرف من الأهالي مقترحاتهم للعمل على تحسين الأرجوحة. دونت السيدة ملاحظات تعلقت بزيادة الأمان من وضع حزام وسلاسل يتمسك بها الطفل، وشيء يثبت الباب حتى يتمكنوا من الركوب بسهولة وبمفردهم، وكذلك وضع لافتة توضح كيفية استخدام الأرجوحة، وأنها لذوي الاحتياجات الخاصة، حتى لا يلعب بها آخرون.

4

نجاح التجربة الأولى للأرجوحة، زاد حماس لمى للتعاون مع مبادرتين آخرتين لذوي الاحتياجات الخاصة لتنفيذ 10 أراجيح أخرى في مناطق مختلفة في عمان، بل وتطمح السيدة الثلاثينية في عمل ألعاب أخرى.

ترى لمى أن التجربة بسيطة التكاليف إن ما توفرت عزيمة التنفيذ، لذلك تحلم ألا تخلو ولو حديقة واحدة في نطاق كل محافظة أردنية من "مرجيحة" تعطي الحق لأصحاب الكراسي المتحركة في اللعب ومتعة الدمج مع بعضهم البعض وكذلك رفاقهم، بل وتطمح أن تنتشر الفكرة في الدول العربية وتصبح أبعد من حدود لبنان والأردن.

5

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان