إعلان

قصة صورة تعذيب طفلي دار الأيتام المقيّدين.. ومتبرعون: "مش أول واقعة"

07:28 م الخميس 13 ديسمبر 2018

دار السابقون للخيرات للأيتام بالجيزة

كتب- أحمد شعبان:

في الساعة السابعة والربع من مساء الأحد الماضي، كان طارق – اسم مستعار- أحد أطفال دار "السابقون للخيرات" للأيتام الموجود بمنطقة كفر غطاطي بالجيزة عائدًا من الخارج. مرّ بلافتة خضراء تحمل اسم الدار، ثم قطع ممر يفضي إلى باب الدخول، وصعد السلم وفي الطابق الثاني، شاهد الطفل "وجدي"، 10 سنوات، بجسده الصغير، مقيّد اليدين والقدمين، يقف في وضعية الركوع على البلاط، محمرّ الوجه يلتقط أنفاسه بصعوبة، وخلفه زميله "زيد"، 9 سنوات، جالسًا على أرضية الغرفة.

لم يتوقف "طارق" أمام المشهد كثيرًا، صورة اعتاد عليها، والسنوات الطوال التي قضاها في دور الأيتام عوّدته على ذلك، حسب ما يقول لـ"مصراوي". صعد إلى غرفته وبعد نصف ساعة عاد ليجد الصغير كما هو، فأخرج هاتفه والتقط الصورة سرًا، وأرسلها إلى أحد المتبرعين للدار يطلب المساعدة، والأخير أرسلها لمسئولي وزارة التضامن الاجتماعي، وحكى تفاصيل ما يتعرّض له الأطفال، إلا أن الوزارة لم تحرك ساكنًا، حسب متبرعة سوى أمس الأربعاء، بعد أن انتشرت الصورة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
FB_IMG_1544627529935

عاطف صابر، مدير الجمعية، أقرّ بالواقعة التي رواها ووثقه بهاتفه أحد أطفال الدار، وقال لـ"مصراوي": "المشرف االلي عمل كده لسه جديد ومعندوش خبرة وخد الموضوع من باب إنه بيخوّف الطفل لكن هو مش عدواني ده غلبان خالص، والطفل لم يصب بأي إصابة".

ووصف طبيعة العمل داخل الدار بـ"الصعبة"، فبها 6 مشرفين فقط، ويحتاج إلى ضعف العدد، لافتا إلى أنه قدم عدة شكاوى للجمعية الشرعية التابع لها الدار، ووزارة التضامن الاجتماعي، ولم يستجب أحد.

دار الأيتام التي شهدت الواقعة افتتحت عام 2003، وتضمّ 35 طفلًا، موزّعين على مبنيين، الأول به الأطفال من عمر 4 إلى 9 سنوات، والثاني الأطفال من 10 إلى 17 عامًا. والدار واحدة من قرابة 472 دارًا للأيتام موزّعة على مستوى محافظات مصر، تخضع جميعها لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي.
20181212_203516

في عام 2009، قدم "طارق" إلى دار "السابقون للخيرات" ضمن 22 طفلا قادمين من دار أخرى في مدينة السادس من أكتوبر، اسمها "الوفاء والأمل"، لتبدأ سلسلة أخرى من الانتهاكات ضدّهم: "احنا اللي كبار شوية لينا الشتيمة والصغيرين ليهم الضرب".

طارق كان شاهد عيان على ضرب الصغار أكثر من مرة: يُضربون لأسباب تافهة، كأن يتغيّب أحدهم عن المدرسة أو لا يقوم بواجباته المدرسية، وحين يسأل المشرفين عن ذلك يأتي الرد "احنا بنعلمهم الرياضة؟!"، وقد كان هذا رد المشرف "مصطفى" حين قيّد الطفلين وجدي وزيد، مساء الأحد. يبدي طارق دهشته "إزاي بتعلمهم الرياضة وانت بتوقفهم على صوابع رجلهم وتقولهم العبوا 100 ضغط!".

في إبريل 2017، اعترفت الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي بالانتهاكات التي تحدثت في دور الأيتام، وقالت: في السنوات الأخيرة شهدت الدور زيادة في المخالفات من انتهاكات جسدية ونفسية واستغلال مادي وجنسي، وأكثر من 75% منها يستحق الإغلاق لافتقادها لأبسط قواعد الحياة الكريمة بدعوى قلة الموارد والمرتبات وعدد المشرفين، بل أصبحت تلك الدور مشروعات تجارية معتمدة على التبرعات في المقام الأول".

أيدت إحدى المتبرعات –التي تحفّظ على ذكر اسمها- مع ما رواه "طارق"، وقالت إنها بدأت التبرع بانتظام للدار قبل 3 سنوات، "فلاتر مياه أو لبس للأولاد وأي طلبات بيحتاجوها كنت بجيبها"، لكنها استدركت قائلة: "اكتشفت إن مشرفي الدار لا يعطون شيئًا للصغار، يأخذون ملابسهم وأموالهم فبقيت بجيب الحاجات للولاد وأديهالهم بشكل شخصي بعيدًا عن الإدارة".

السبب في استمرار إهانة أطفال الدار ترجعه المتبرعة إلي كون مشرفي الدار "غير مؤهلين وبيبقى معهم دبلومات فنية ومش عارفين إزاي يتعاملوا مع الأولاد نفسيًا واجتماعيًا، المفروض لكل 4 أو 5 أولاد مشرف اجتماعي، لكن حاليًا هو مشرف واحد بس اللي في الدار ، وأحيانًا بيقعدوا فترة طويلة من غير مشرف".

بدوره، نفى مدير الجمعية الشكاوى التي ذكرها المتبرعون، سواء بسوء معاملة الأطفال أو حرمانهم من المصروف، وقال: "أنا جيت من 9 شهور بس، ولقيت حالها مايل وسمعتها مش كويسة، وبحاول أصلح الموجود، وأول حاجة عملتها إني أكدت على المشرفين أنه ممنوع الضرب أو إهانة الأطفال، وطردت أحد المشرفين بسبب ذلك".

وتابع: الأطفال تعرضوا للتعذيب بوسائل وأشكال غريبة في الدار السابقة، ما خلّف في نفوسهم عدة مشكلات نفسية، وجعل التعامل معهم صعبًا يحتاج مشرفين وأخصائيين على قدر من الكفاءة والخبرة".
20181212_203557

فيما يشير "طارق" إلى أن الأمور المعيشية في الدار "كويسة" لكن المشكلة في المعاملة وحرمان الأطفال من المصروف، فضلًا عن أن الدار لا تتكفّل بأي مصروفات سوى المصروف اليومي، "المدير بيقول لنا اعملوا على حسابكم، حتى الحلاقة بندفعها على حسابنا، واللي بيساعدنا ندبر احتياجاتنا ان في مننا اللي بشتغلوا في مصنع، والفلوس اللي بيديها لنا المتبرعون بعيدًا عن أعين أصحاب الدار، وكل مرة بنشتكي للمتبرعين وللجان وزارة التضامن لكن بتمشي والحال زي ما هو".

متبرّعة أخرى، قالت لمصراوي، إنها تبّرعت بغرفة نوم أطفال ولم تجدها بالدار بعد ذلك، فيما تشير إلى واقعة طرد 12 طفلًا قبل سنوات، "الولاد اتدمّروا وتشرّدوا وبعضهم أدمن، ومش عايزين ده يتكرر تاني، والأولاد الأكبر سنًا بيعانوا من مشاكل نفسية كتيرة، وخايفين من مصير أخواتهم اللي مشيوا".

كما ذكرت واقعة إصابة الطفل تامر أثناء تنظيف زجاج أحد نوافذ الدار قبل 40 يومًا، ووصفت مدير الدار بأنه "متعنّت، يحرم الأطفال من الحصول على أي نقود من المتبرعين".

"بعض المتبرعين مستاءين من طريقة إدارتي للدار لأني أحاول إصلاحها، هم عايزينها تخرب، والأطفال هم الضحية الأولى"، قالها عاطف صابر مدير الدار معقبا على اتهامات المتبرعين.

وأضاف أنه فوز قدومه وتسلمه مهام إدارة الدار، فتح المخازن وأعطى الأطفال ملابسهم، التي خزنها مسؤولو الدار في السابق، وقال إنه يدعم الأطفال بالتبرعات من ماله الخاص، ويشجعهم على التوفير والادخار.

تزامنت زيارتنا للدار أمس، مع زيارة للجنة من وزارة التضامن برئاسة علاء عبد العاطي، معاون وزيرة التضامن، وعضوية فريق التدخّل السريع، ومسؤول الضبطية القضائية، والتي استمعت لشكاوى الأطفال، وحققت مع المشرفين والإداريين.

وأكد محمد العقبي، المتحدث باسم وزارة التضامن، لمصراوي، واقعة تعذيب الطفلين، لافتا إلى تحرير محضر إداري في قسم الهرم برقم 21227. علق قائلا: "الولد كان ضرب زميله في المدرسة فهم بيعاقبوه، ودور الأيتام في مصر لا تخلو من المخالفات، عندهم مشكلة في الالتزام بالاشتراطات الضرورية اللازمة مثل وسائل الأمن وغيرها".

وذكر أنهم علموا بالواقعة قبل أن تنتشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت الوزارة بالتحرك، "الأمر أصبح بيد النيابة المختصة، وننتظر أن تحدد المدان، ونقيم الموقف، ونبحث في مشكلات الأطفال المقيمين بالدار، سواء كانوا يحتاجون إلى دعم نفسي أو غيره".
IMG-20181213-WA0001

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان