إعلان

بهجة الحجاج.. "سيلفي" إنشاد من البوسنة وتوزيع المياه من اليمن

02:23 م السبت 02 سبتمبر 2017

كتبت-إشراق أحمد ودعاء الفولي:

طال بهم الشوق، وحين بلغوا مرادهم، فاضت المشاعر تعبر عن حبها وامتنانها، لم يضعوا حساب لعتاب أو اتهام؛ تركوا لأرواحهم عنان فرحة التقائهم بمكة وحجاجها، فغنوا طربًا وتمايلوا فرحًا وامتدت أياديهم بالتصوير تسجل تلك اللحظة. مقاطع مصورة عديدة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي حملت بعيدًا عن مشقة الحج، بهجة عفوية لأصحابها القادمين من كل فج عميق إلى الأراضي المقدسة.

منذ حوالي 10 أيام وصلت سنيدا كليسورا من سراييفو إلى السعودية لأداء فريضة الحج. حين دلفت الأم الثلاثينية أرض المدينة المنورة، حلّقت روحها فرحًا. وما أن زارت قبر الرسول حتى ابتسم ثغرها تلقائيا، ولسانها يدندن بأغنية مُحببة للقلب.

في ساحة المسجد النبوي وقفت "سنيدا" بصحبة صديقتها القادمة معها من البوسنة، ودون سابق تخطيط بدأتا في الغناء.

سلاسة شديدة انطلقت بها السيدتان. "يا رسول سلام عليك" للمُنشد ماهر زين كانت اختيارهما "أنا أحبها وأغنيها كثيرا".. تقول "سنيدا" لمصراوي. اختارت الشابة وصديقتها لغة البوسنة للغناء، إلا المقطع المتكرر بالأغنية فقد كان بالعربية.

بشكل تلقائي رفعت "سنيدا" الفيديو على صفحتها بموقع فيسبوك "وفي خلال وقت قصير فوجئنا بردود الفعل". انهال الإعجاب على المقطع القصير، والتعليقات التي تُثني على الأداء. لم تتخيل السيدتان أنه خلال أسبوع ستتخطى المشاهدات 150 ألف شخص.

لا يبدو الغناء أمرا غريبا على "سنيدا"، إذ تُؤدي الابتهالات والقصائد في بلدها أحيانا، سواء بمفردها أو مع صديقتها.

"حين نشرنا المقطع كُنا نعبر عن سعادتنا بالتواجد على أرض الرسول الكريم".. تقول "سنيدا"، مضيفة أن العديد من أصدقائها أبدوا بهجتهم "لمجرد أننا التقطنا صورا من داخل الحرم النبوي".

ذلك العام هو الأول للسيدة البوسنوية "على عكس صديقتي التي ذهبت للعمرة منذ 3 أعوام". يصاحب "سنيدا" الانبهار والسعادة، لا تُبالي بإرهاق المناسك مادامت في حضرة الأراضي المقدسة، حتى أنها لا تعلم تحديدا هل ستبقى عقب انتهاء شعائر الحج أم ستعود لبلادها، أما مشاهدو المقطع على موقع التواصل الاجتماعي، فقد طلبوا منها المزيد من تلك الأناشيد "وقررت أنا وصديقتي إنه كلما كان لدينا وقت سنغني".

مقاطع مصورة استمر تداولها، طيلة الأيام السابقة للمشهد الأكبر للحج "يوم عرفة"، تنقل بهجة الحجاج بموقفهم هذا، في لحظتهم المهيبة تلك، فتتسلل الفرحة من تلاحم صوت وفود أندوسية وصلت لمطار المدينة، بينما تأهبت لاستقبال حجها بإنشاد في مدح النبي محمد، يطل على السامعين عبر الفيديو في تناغم غير مسبوق الإعداد، حتى أنه دفع صفحة جوازات السعودية على تويتر إلى نشره تعبيرًا عن وصول ضيوف الرحمن وسعادتها لخدمتهم. 

نقلت الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة أشبه بالتي في الأراضي المقدسة، لا فرق بين عربي وأعجمي، كٌل يعبر بعفوية وحب؛ يتمايل وفد حجيج من إفريقيا، بملابسهم المزركشة المميزة، وطأوا لتوهم الأراضي المقدسة، فاستوحشوا الانتظار، وأمام حافلات نقلهم أخذوا يصيحون بانبساط جلي ولغة عربية متكسرة "سيدنا محمد اللهم صلي عليه".

والمصريون كذلك كان لهم نصيب من البهجة؛ أثناء استقبال بعض الحجيج القادمين من مصر إلى أرض المطار، خرجوا بين صفين من المرحبين السعودين، كبارًا وضمنهم صغارًا تطوعوا لحسن استقبال ضيوف الرحمن على أنغام "طلع البدر علينا"، فيما شاركهم المصريون سعادتهم بالتلويح، والتمتمة بكلمات النشيد الشهير، إطلاق بعض النساء الزغاريد. 

وفي السعودية، كان إبراهيم السودي يعوض غصة عدم استطاعته السبيل لحج البيت، بفرحة تأتيه من خدمة الحجيج، يحرص على توثيقها بصورة "سيلفي" يلتقطها بينما يمسك زجاجات المياه الباردة التي يعكف على منحها للمارين بطريق منطقة جبل ثور.

كان ذلك في شهر شعبان حين استقر الشاب اليمني في مكة، وعمل في تركيب الألعاب، وجاءته منحة البهجة بعد أشهر، حين أخبره رب عمله السعودي عن إمكانية تطوعه في توزيع المياه على الحجاج، فوافق السودي دون تردد وبدأت منذ تلك اللحظة رحلته السنوية، حاملا في قرارة نفسه يقين أن "الماي من أفضل الصدقات".

فر السودي من اليمن وأحداثه، قبل 4 أعوام، ليسكن أمام جبل غار ثور-على بعد 4 كيلومترات من المسجد الحرام- سعادة غامرة تملكته حين آوى إلى حيث آمن الله خوف النبي محمد وصديقه أبو بكر الصديق في الهجرة، حتى أنه لملم تفاصيل المكان "طلعت الجيل 9 مرات طوله 728 متر ومحيط أرضه قرابة 4آلاف متر".

قرابة 20 يومًا حتى الاثنين الماضي، ظل السودي يستهل يومه بالوقوف على الطرقات منذ السابعة صباحًا، يحمل صندوقًا يضم زجاجات مياه، تم تبريدها باليوم السابق، إذ يحضرها يوميًا فاعل الخير السعودي كما يصفه الشاب، ثم ينتظر قدوم الوافدين إلى المنطقة حيث المزار للجبل أو المرور، فتتهلل أسارير السودي فرحًا، يمد يده بالزجاجات قائلاً "سبيل لله حلال"، بدون تلك الكلمات لن يأخذ الحجاج الأجانب المياه حسب قوله.

كأن امتلك السودي الدنيا وما فيها حين يلمس أحد الحجاج زجاجة مياه "هي أفضل اللحظات في حياتي.. أروي عطش حاج على الطريق واسمع دعائه"، يقول الشاب اليمني أن أول مرة قام بذلك امتلأ بالسعادة حينما رأى ابتسامة حاج بعد شرب الماء، ودعائه له "الله يعطيك الجنة".

يتمركز الشاب واثنين معه من المتطوعين طيلة ثلاثة ساعات حتى العاشرة، وقت اشتداد الحرارة وانطلاق الحجيج إلى وجهتهم قبل ظلاة الظهر، لذلك تأتي سقاية الحاج بردًا وسلامًا على نفس كلا من الشارب والساقي. دعوات تنهال على السودي طيلة أيام توزيع المياه، يصفها أنها نابعة من القلب، تكفيه عن طلب دعوة خاصة.

أوقات تحفها المحبة رغم قيظ النهار، يخص الشاب اليمني من الذكر الحجاج الإندونسيين، الذين كثيرًا ما يطالبونه بالتقاط صورة معه، فيضحك متذكرًا كم انتشرت صوره على وسائل التواصل الاجتماعي في دول شرق آسيا، وفي المقابل يحتفظ بصورة خاصة له مع الحجيج ينشرها على صفحته.

لا يجد السودي حرجًا ولا شبهة رياء في نشر صوره كل عام، له مبرره في ذلك "بدي أوصلها للناس اللي يبغوا يسووا خير لكن مش عارفين يعملوا ايه والماي شيء بسيط لكن ثوابه كبير"، يقول إن البعض أرسل له يستفسر منه عن كيفية إحضار الماء وتوزيعه، وأن أخرين أخبروه أنهم فعلوا الشيء ذاته في أماكن مختلفة من مكة بعدما رأوا صوره.

يتمنى الشاب كل عام أن يلحق بركب الحجيج، يتذكر ظن والدته المقيمة في صنعاء بأنه أدى فريضة الحج حين رأت صورته لأول مرة من مكة على فيسبوك، لكن عزائه يأتيه في ابتلال ريقه بكلمة الماء التي بات يعرفها بلغات عدة لينال بها دعوة علها تصيبه العام المقبل.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان