لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"شرايين جفت بها الحياة".. بحيرات مصر بين تعديات الردم ووضع اليد

03:25 م الجمعة 21 يوليو 2017

كتبت- علياء رفعت ونانيس البيلي:

"الدولة جادة في حل مسألة البحيرات واستعادتها بشكل كامل" تصريحٌ أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته بمؤتمر إزالة التعديات على أراضي الدولة، منذ أيام، ومعه إشارة البدء للجهات التنفيذية والمحلية بإزالة التعديات على البحيرات المصرية.

إهمال كبير طال البحيرات طوال سنوات ماضية، ما أدى لاستنزافها وتقليص مساحاتها، بالتجفيف والردم تارة، وباستخدامها كمزارع طبيعية للأسماك تارة أخرى، في حين تعرض بعضها لضرر شديد بسبب الصيد الجائر وتعديات "القراصنة"، وإنشاء المزارع السمكية غيرالمرخصة، إلى جانب ضخ الصرف الزراعي والصناعي بمياهها دون معالجة.

"مصراوي" انتقل إلى بٌحيرتي البرلس وإدكو، ليرصد الأوضاع هناك بعد الحملات التي شنتها إدارات المحافظات التي تقع بها البُحيرات الشمالية، وذلك لإزالة التعديات عقب التصريحات الرئاسية، بضرورة استعادة بحيرات مصر، حمايتها، والحفاظ عليها.

1

لم تقتصر"التعديات" على الأراضي الزراعية والصحراوية فقط، لكنها امتدت لتشمل أحد شرايين الحياة في مصر، بحيراتها.
يتم التعدي على البحيرات باقتطاع جزء كبير من المساحة الكلية للبحيرة، والذي عادة ما يكون إما بالقرب من شواطئها فيتم تحويله لمناطق سكنية، أو في قلبها ليُشكل إحدى المزارع السمكية الخاصة التابعة لواضعي اليد عليها، في ظل غياب كامل من شرطة المسطحات المائية ورقابة الدولة.  

وكشف تقرير رسمي أصدرته الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، أن عدد حالات التعديات على أملاك الدولة للبحيرات الشمالية خلال عامى 2015 و2016 بلغ 4656 حالة، بإجمالى مساحة من التعديات على بحيرات: المنزلة، والبرلس، وإدكو، ومريوط تصل إلى 64 ألفا و17 فدانا فى البحيرات الأربع الواقعة في محافظات: دمياط، وبورسعيد، والدقهلية، وكفر الشيخ، والبحيرة والإسكندرية، بينما لم تتعرض بحيرة البردويل في سيناء لأي تعديات.

167 ألف فدان، هذه هي المساحة الكلية لبحيرة البرلس، واحدة من أكبر البحيرات المصرية، وتم تصنيفها على أنها محمية طبيعية لا يجوز انتهاكها أو التعدي عليها، لكن تلك المساحة بدأت في التناقص مع الوقت بتجفيف ما يزيد عن 59 ألف فدان، حسب محمد شرابي، نقيب صيادين برج البرلس، عن طريق ردمها وبناء العقارات عليها.

البداية كانت مع إنشاء الطريق الدولي الساحلي، حسب أهالي برج البرلس، والذين أكدوا أن بناءه كان بداية "خراب البحيرة المستعجل" ، حيث استغل بعض مُلاك الأراضي الواقعة على الساحل عملية الإنشاء فقاموا بتجفيف أجزاء من البحيرة مجاورة لأملاكهم عن طريق "الردم" الخاص بالطريق ليستولوا على تلك الأراضي بوضع اليد فيما بعد ويقوموا ببيعها -بعقود تنازل لا تضعهم تحت طائلة القانون- لصغار الصيادين ممن لا يملكون مأوى بثمنٍ زهيد يتم تقسيطه ويقل في سعره كثيرا عن أسعار الأراضي المعتادة، ما تسبب في رواج بيع أراضي الردم لتنتشر الظاهرة ويتم التعدى على البُحيرة بردم  الكثير من أجزائها الملاصقة للساحل شيئًا فشيئًا.

3

"اشتريت 100 متر في البر البحري بـ10,000 جنيه" قالها علي أحمد، أحد صيادين برج البرلس، موضحًا أنه يعلم أن الأرض التي اشتراها في البر البحري هي أرض ردم بالأساس تقع ضمن التعديات العقارية على بحيرة البرلس، ولكن ضيق ذات اليد هو ما دفعه للشراء، عبر عقد تنازل من المالك لا يحمي حقوقه في ملكية الأرض إذا ما أزيل البيت المكون من 3 طوابق، والذي أقامه عليها "كنت عاوز بيت يلمني أنا وعيالي بدل الأوضة اللي كانت هتتهد على دماغنا، والإيد قصيرة ومكنش في حل بديل".

4

حال "علي" لا يختلف كثيرًا عن حال العديد من الصيادين الصِغار الذين لجأ بعضهم لشراء أرض الردم، أو لردم أجزاء من البحيرة مجاوزة لمنازلهم، لأنهم لا يملكوا ثمن شراء الأراضي بشكل قانوني. ذلك هو ما فسره "حسنين" الذي يحترف الصيد منذ كان عمره 10 سنوات "أغلب اللي بياخدوا أرض البحيرة وضع يد بعد الردم ناس معروفين في مجلس المدينة ورُتب كبيرة في المحافظة، لكن الصيادين الصغيرين لو فكروا يردموا متر مترين بيبقى ردم هَدد بيوت وبيعملوا ده من قلة الحيلة والفلوس بدل ما عيالهم تنام في الشارع".

ورغم الحملات التي تشنها المحافظة ومجلس المدينة طبقًا للقرارات الرئاسية بإزالة التعديات، إلا أن أهالي المنطقة يؤكدون أن تلك الإزالات "صورية" بالأساس، حيث تصنع الحملات ما يشبه الممرات المائية في وسط مناطق الردم لتفتت الأراضي، ولكن بحسب العديد من الأهالي والصيادين تلك الممرات ليست كافية لإعادة البحيرة لما كانت عليه قبل الردم، مُبررين ذلك بأنه عقب انتهاء الحملات تتم إعادة ردم هذه المناطق مرة ثانية، بالتراضي ما بين الأشخاص واضعي اليد وبعض الموظفين الفسدة بمجلس المدينة والمحافظة.

5

"من بوغاز البرلس لحد بر بحري كل دي أرض ردم" يقولها محمد شرابي، نقيب صيادين البرلس، ويُضيف أن تنشيف البحيرة والبناء على أرضها مُستمر على مرأى ومسمع من الجميع، رغم القرارات الرئاسية بإزالة التعديات والتي تصرف نظيرها الملايين، لكنها لا تتم بشكل صحيح بسبب "موالسة" البعض مع أمناء الشرطة، في المسطحات المائية ليعود كل شيء لما كان عليه قبل الحملة.

6

"15 ألف فدان" هي المساحة الكلية الحالية لـ"بحيرة إدكو" التي تعد إحدى بحيرات مصر الشمالية وتقع في محافظة البحيرة، بعدما تقلصت مساحتها من 36 ألف فدان، بحسب شحاتة نمير شيخ صيادين إدكو، عن طريق ردمها وبناء المزارع السمكية، أحد أكثر المشكلات التي تستنزف البحيرة.
 
ويوضح شيخ صيادين إدكو أن هناك أشخاصا يمارسون "البلطجة بالاستيلاء على مساحة كبيرة من قلب البحيرة واقتطاعها وردمها وإحاطتها من جميع جوانبها، عن طريق أخشاب وورد نيل وبوص ويوزعهم حولها باستخدام حفار، ويتم كل ذلك ليلاً بعيدا عن أعين شرطة المسطحات المائية.
 
ويقول "محمد فلاح" صياد ببحيرة إدكو، إن الصيادين يشتكون، فيحضر مسؤولو هيئة الثروة السمكية ويقومون بفتح المزرعة السمكية وضمها للبحيرة مرة أخرى، لكن صاحب المزرعة يعيد إحاطتها مرة ثالثة، فتمنحه الثروة السمكية ترخيصا في هذه الحالة.

7
 
بعد اكتمال بناء الطريق الدولي في عام 2002، حدث ضرر كبير ببحيرة إدكو، بحسب "فلاح"، حيث أدى إلى تقليل منسوب المياه فيها بعدما كان عاليًا فيعطي مساحة أكبر للسمك، ويشير بيده إلى مساحة من اليابس أمام البحيرة كانت جزءا من مياهها قبل بناء الطريق الدولي.
 
"أبراج الضغط العالي" هي أحد أشكال التعدي بالبناء على بحيرة إدكو، يوضح الصياد "علي مصطفى"، ويضيف أن عددا من عواميد الكهرباء بنيت خلف الطريق الدولي منذ قرابة العام، وأن ضررها يكمن في إضعاف مناعة السمك وتقليل عمره "السمكة بدل ما كانت بتعيش 3 شهور بقت تعيش شهر واحد".

8
 
ويقول شيخ الصيادين بإدكو إنه طلب من رئيس هيئة الثروة السمكية إزالة تعديات المزارع السمكية على البحيرة، وأخبره بوجود قرار يسمح لهم بالإزالة إلا أنه غير كافي ويحتاج إلى قوة أمنية معه للتنفيذ، مشيرًا إلى أن المزرعة السمكية يجب أن تبعد عن الكتلة السكنية ما لا يقل عن كيلو متر إلا أن الوضع الآن 200 متر فقط.

لا تقتصر تعديات البناء في بحيرة إدكو على المزارع السمكية الخاصة -التي تقطتع جزءا من البحيرة وتردمها- بحسب حمادة النويري شيخ الصيادين بإدكو، بل تشمل كذلك ردم أجزاء لإنشاء مزارع للمحاصيل الزراعية مثل البسلة والبرسيم، بجانب إنشاء منازل من طابقين أو 3 طوابق ويلجأ البعض إلى حيلة إنشاء مساجد أسفلها لمنع تنفيذ قرارات إزالتها، ويضيف أن هناك مساحات من أطراف بحيرة إدكو تم ردمها وتجفيفها وتحولت إلى قرى كاملة، منها قريتين بالقرب من مركزي كفر الدوار وأبو حمص.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان