إعلان

الكوليرا في اليمن.. قصة أسرة على موعد مع الموت

01:29 م الخميس 20 يوليه 2017

 

كتبت- شروق غنيم:

بحلول الـ30 من مايو الماضي؛ كان يرقد "علي بن علي سعد" على سريره بمحافظة ريمة اليمنية، متألمًا من "مغص عنيف وإسهال مائي حاد"، فيما اكتسبت أطرافه لون أزرق قاتم. بتلك الأعراض بدأ صاحب الـ120 عامًا رحلته مع وباء الكوليرا. ظل المرض ينخر في جسده لمدة ثلاثة أيام، لم يصمد بعدها ولفظ أنفاسه الأخيرة.

حينما سمع علي الجرادي ما أصاب جده العجوز شعر باضطراب، إذ أنه يسكن في العاصمة صنعاء بعيدًا عن منزل العائلة بحوالي 200 كم. بسبب ظروف الحرب الأهلية التي تعصف بأفقر بلد عربي منذ أكثر من عامين، لم يتمكن من الذهاب للاطمئنان على "وتد" عائلته كما يقول لمصراوي. بعدها بأيام تسلل المرض إلى منطقة الشاب العشريني؛ فحاول بشتى السبل اتباع الإجراءات الوقائية لحماية نفسه.

انتشر وباء الكوليرا في اليمن في أكتوبر عام 2016 لكنها انحسرت إلا قليلا، فيما أعُلِن رسميًا عن تفّشي المرض في البلاد منذ الـ27 من إبريل لعام 2017. تقول منظمة الصحة العالمية إن عدد الحالات المشتبه في إصابتهم بالوباء بلغ حوالي 246,000، وارتفعت الوفيات إلى 1,500 بحسب بيان صادر في 10 يوليو الجاري.

بعد شهر من إعلان تفشي الوباء رسميًا؛ تعامل الطبيب عبدالكريم مع أول حالة اشتباه بالإصابة بالمرض، وذلك في مركز "22 مايو" الطبي بصنعاء -أحد المراكز التي اعتبرتها وزارة الصحة مخصصة لمكافحة الكوليرا. حصل الطبيب الشاب، برفقة آخرين، على تدريبات وتوصيات من وزارة الصحة اليمنية حول كيفية التعامل مع المصابين بالوباء وعلاجهم.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الكوليرا عدوى معوية حادة تسبب إسهال مائي غزير مصحوب بجفاف شديد، وقادرة على أن تودي بحياة المُصاب بها في غضون ساعات ما لم يتم علاجه. وتنشأ بسبب تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا الضمة الكوليرية.

أول خط علاجي يتبعه عبدالكريم وزملائه بالمركز الطبي مع مصاب الكوليرا هو تعويضه عن كمية السوائل التي فقدها بِفعل الإسهال المائي "قد تصل الكمية المفقودة إلى أكثر من 5 لترات في الساعة في الحالات الحادة" وذلك بإعطاء المريض محلول الأروا، والمحاليل الوريدية مثل مغذية رينجر لاكتات، ومضادات حيوية مثل "دوكساسيكلين" للبالغين و "اريثرومايسن أو " ازيثرومايسين" للحوامل والأطفال. فيما تتوقف الجرعة حسب نسبة الإسهال وعُمر الشخص المصاب.

في منطقة السلفية بمحافظة ريمة، على بعد نحو 200 كيلو متر من العاصمة اليمنية التي اجتاحها الحوثيون في سبتمبر 2014؛ كان سعد أول مصاب بالكوليرا فيها. بعدها سرعان ما التهم الوباء أهالي البلدة، وفي أيام معدودة وصلت حالات الإصابة للمئات. في ظل ذلك كانت تتابع أسرة سعد -وهو ربُ لتسعة أبناء و129 حفيدًا، حالته بهلع؛ إذ أن ملامحه تغيرت تمامًا بمرور الوقت، وأضاف من حِدة مرضه عدم وجود مستشفيات في المنطقة الريفية، وعندما اشترت عائلته المحاليل الطبية "لم تكن كافية بحجم الإسهال الموجود".

يقول حفيده الجرادي إن حالته ازدادت سوءًا، وأعرض عن الطعام بسبب فقدان تام للشهية، فيما أصبحت عملية التنفس شاقة، وأصاب العطب أطرافه "ولم يكن يحرك سوى قدمه باستمرار" رغم أنه قبل الإصابة ومع كِبر سنه كان يتمتع بصحة جيدة.

بحلول منتصف ليلة الجمعة 2 يونيو الماضي، صعدت روح الجد لبارئها، قبل أن يعرف الوباء طريقه لباقي أفراد العائلة ومن بينهم حفيده محمد الجرادي. في هذه المرحلة شعرت أسرة يمنية كاملة أنها على شفا الموت، لكن الجرادي نجا من المرض بعد تناوله محلول الأروا، كذلك شُفيت زوجته ووالدته وأشقائه بعد اتخاذ الاحتياطات واتباع النصائح الطبية. يحكي الحفيد أنه كلما تذكر أيام الإصابة شعر بنغصة في قلبه "كانت لحظات صعبة جدًا. يالله ما أشدها".

وتعتبر منظمات إغاثة دولية أن الحرب سببًا في تفشي المرض باليمن، إذ أدى الصراع المُسلح بين التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والحوثيين وحلفاءهم إلى تدمير البنية التحتية والمنشآت الصحية وتردي الأحوال الإنسانية. وخلال عامين خرجت أكثر من 50 في المئة من المنشآت الطبية باليمن عن الخدمة، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 8 آلاف شخص وإصابة 40 ألفًا آخرين، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وبالعودة للمركز الطبي بصنعاء، فإنه يستقبل يوميًا من 5 إلى 10 مصابين كوليرا بشكل مؤكد "وهي نسبة ثابتة منذ بداية انتشار المرض في العاصمة" ويضيف عبدالكريم أن النسبة التي انخفضت هي عدد الحالات المشتبه في إصابتها، ويُرجِع ذلك لإلمام الناس بكيفية الوقاية من المرض و"التفرقة إذا كان الإسهال ناتج عن الكوليرا أو مرض آخر" دون الذهاب للمركز.

على العكس في ريمة الريفية، فإنه بعد وصول فرق وزارة الصحة اليمنية ومنظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، انحسر المرض هناك نسبيًا. ويضيف محمد الجرادي، أستاذ الفيزياء والمتطوع بالأعمال الإنسانية، أن وزارة الصحة وضعت مادة الكلور في مياه الشرب، كما قدمت توعية للأهالي بوضع حبة كلور لكل عشرين لتر من الماء.

ويوضح عبدالكريم –الذي خدم لبعض الوقت في ريمة-أن سبب السيطرة نسبيًا على المرض بالريف مقارنة بالمدينة، يعود إلى استجابة الأهالي لحملات التثقيف الصحي واتباع إجراءات الوقاية، بينما في المدينة قد لا تصل حملات التثقيف إلى كل منزل، بالإضافة إلى أن مصادر المياه هناك محدودة فتم معالجتها بالكلور عكس المدينة ذات المصادر المتعددة.

ويُرجح الطبيب الشاب أن تفاقم كمية القمامة في شوارع المدينة مقارنة بالموجود في الريف ضمن عوامل محاصرة الوباء في ريمة إذ "يصنع فارقًا في كمية البكتيريا التي قد يتعرض لها الشخص في المدينة عن الريف".

تحت ضغط هائل تعمل الفرق الطبية المكافحة للوباء "أحيانًا نواجه عجز في استقبال الحالات وفي توفير الأدوية المطلوبة للعلاج خاصة المحاليل الوريدية" ويتابع عبدالكريم أن هناك عجزًا في العاملين الصحيين داخل المركز بالعاصمة اليمنية.

ووفقًا للطبيب؛ فإن غالبية المصابين يضطرون لشراء الأدوية من خارج المركز "وهؤلاء حالتهم الاقتصادية متيسرة" فيما يكافح هو ورفاقه بالكمية المحدودة المتواجدة، ورغم أن ذلك خارج إرادته إلا أن الحزن يغمره "لما يموت طفل في الثالثة من عمره بين أحضان والديه، ونحن لا نستطيع إنقاذه".

لا يستطيع عبدالكريم تحديد نسبة للناجين من المرض بالمركز لكنه يؤكد أن "أي حالة يتم علاجها مبكرًا بالمحاليل الوريدية والمضادات الحيوية المناسبة تُشفى بسهولة". ويساعد في ذلك اتخاذ الإجراءات الوقائية مثل نظافة مياه الشرب والأغذية والنظافة الشخصية ومعالجة المياه باستخدام الكلور.

يفرض الكوليرا نفسه بثقل بين حوالي 7 آلاف يمنيًا في اليوم -وفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، يصبح كل مواطن مشروع مُصاب بالوباء، لذا فإن الجرادي المُقيم بالعاصمة اليمنية، يعيش في توجّس دائم. يبتعد عن المصابين، يتجنب الخروج أثناء المطر، يتخلّى عن الأكلات غير الساخنة وشراء الفواكه الطازجة ويكتفى بالمُعلبات، يُرثي جده ومعارف حرمه المرض من وجودهم في حياته، فيما يتمنى أن يتم محاصرة الوباء في أقرب وقت، وتتحسن الأوضاع الإنسانية بوطنه.

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان