بالصور- كيف تابع سكان جزيرة الوراق مباراة الأهلي والزمالك؟
كتب- محمد زكريا:
تصوير- علاء أحمد:
داخل جزيرة الوراق. الصخب يعمّ الأرجاء. أحاديث لا تتوقف عن مستقبل الجزيرة، التي اشتبك سكانها مع قوات الأمن، على إثر تنفيذ قرار حكومي بهدم المباني وإجلاء المواطنين عن المكان.
إذ نتج عن الاشتباكات بالجزيرة، صباح الأحد 16 يوليو الجاري، وفاة مواطن وإصابة 19 من المدنيين، حسبما أعلنت وزارة الصحة والسكان. كما جاء في بيان لوزارة الداخلية، إصابة 31 من رجال الشرطة.
وبينما كان المئات يتوافدون صوب مسجد الأمين، الذي شهد عزاء قتيل الاشتباكات، كان العشرات يتوزعون داخل ساحة صغيرة لمقهى، يتابعون بغير اهتمام كبير مباراة الأهلي والزمالك، التي اكتسبت طابعًا مغايرًا عن سابقتها؛ لما تشهده جزيرة بين البحرين من أحداث باتت حديث الرأي العام.
في ساحة مقهى ضيق يطل على نهر النيل، يجلس العشرات على كراسٍ خشبية، تتقدمها طاولة تحمل تلفاز متوسط الحجم وجهاز استقبال لإشارة القنوات الفضائية. يتابع أهالي الجزيرة المباراة التي تحظى باهتمام شعبي، بينما ملأهم الضيق والغضب. ومن بينهم كان الشاب العشريني حسن علام، اسم مستعار، الذي أوكل له مهمة استطلاع شاطئ الجزيرة من ناحية محافظة القليوبية.
يركز علام نظره إلى مياه النيل، يقف بين الحين والآخر لاستطلاع شط الجهة المقابلة، يطمئن إلى عدم تحرك عربات الأمن وقواته المتمركزة هناك، يسترق النظر في دقائق إلى شاشة التلفاز، يتفاعل مع هجمات فريقه المفضل في فتور، لا يستبعد هجوم الأمن على الجزيرة في أي لحظة "إحنا قاعدين ورديات بنسلم بعض، ومش هننام لأحسن يغفلونا"، يقولها في تحدي.
تمر دقائق المباراة دون حركة ملفتة، يلفّ "القهوجي" بين زبائنه حاملًا أكواب الشاي، يتلمس خالد أحمد رأسه المُصابة بطلقة خرطوش، يعبر صاحب الـ22 عامًا عن غضبه من إقرار الحكومة إخلاء الجزيرة من ساكنيها "أنا أتولدت فيها، وأبويا عايش فيها بقاله 50 سنة.. مستحملين الغلا عشان البلد حالها يتصلح، لكن تضرب فينا وتمشينا من أرضنا مش هنستحمل"، قبل أن توقف كلماته فرحة مشجعي الأهلي بالهدف الأول.
تعلو الآهات لثوانِ، يوقفها عبد الوهاب التمساح بحماس كلماته "ماتش أيه يا أخونا.. بلدنا بتضيع"، يرتسم الحزن على وجوه الجالسين، تتشبث أعينهم بشاشة التلفاز في صمت وغَمّ، يقدم مذيع المباراة "كل التقدير لجهود رجال الأمن وتضحياتهم"، يتململ الجالسون ويتذمر آخرون "هو إحنا لو إرهابيين زي ما بيقولوا علينا في التلفزيون كنا طلعناهم من الجزيرة؟"، يسند التمساح جبهته بيده ويقول في ضيق "الماتش ملوش طعم، قبل كده مكنتش تعرف تقعد في القهوة من الزحمة.. الناس خلاص بقيت خايفة من بكرة".
يبدأ شوط المباراة الثاني، ينادي النادل على مشروباته المتواضعة، يجيبه محروس إبراهيم بطلب "كوباية شاي خمسينة"، يتلقى الصياد الخمسيني سؤال من جاره عن أحوال ولده عادل، تتغير علامات وجهه ويرد في ضيق "يومها كان لسه راجع من الشغل، ومشي في جنازة سيد طفشان، راح الأمن واخده لقسم الوراق، ومن ساعتها منعرفش هو فين؟"، يطيب الجار خاطر إبراهيم بكلمات ناعمة، قبل أن تتوقف العبارات حين يعاود الرجلين التركيز مع المباراة الدائرة.
يحرز الأهلي هدفه الثاني، يتفاعل الجالسون مع فوز فريقهم الذي تأكد، يعاود محمد علي الحديث عن طفلته التي اقتربت من الموت بالاختناق، يحكي عن استقباله يومها مكالمة من زوجته تبلغه بأن "أنا وبنتك محبوسين في البيت، والشرطة بتضرب علينا قنابل الغاز"، يزيد بالحديث عن جنازة "طفشان اللي مشيت فيها البلد كلها بتعيط"، قبل أن يسيطر حزن وقلة حيلة على وجهه الشاب، في الوقت الذي تتجه فيه المباراة إلى نهاية شوطها الثاني والأخير.
المباراة في الثوانِ الأخيرة، ينفض أغلب الجالسين عن المقهى، يلملم "القهوجي" الأكواب الفارغة، يستطلع الباقون شاطئ النيل الذي يقابله عربات الشرطة وقواتها، تنتهي المباراة، تأتي بين الحين والآخر شائعات عن هجوم محتمل ينفذه الأمن، فيما يردد رجب صبحي أمام أصدقائه كلمات سمعها من والده "أنا لو موت، ولادي هيعيشوا، وولادي لو ماتوا ولاد ولادي هيعيشوا، لكن مش هنسيب الأرض دي".
فيديو قد يعجبك: