إعلان

3 إضرابات في عام ونصف.. كيف صمد الفلسطيني محمد القيق ضد الاحتلال؟

09:10 م الثلاثاء 09 مايو 2017

الصحفي الفلسطيني محمد القيق

كتبت-دعاء الفولي:

حين استنشق الصحفي الفلسطيني محمد القيق، الحرية في مايو 2016، لم تصدق زوجته فيحاء شلش أنه يسير جوارها في الشارع، يُلقي عليه الناس السلام، يخرج ويعود للمنزل، يلهو مع ولديه، يُقبل رأس أبويه، يُعاود الكتابة. كانت شلش قريرة العين أخيرا، لكن خيط السعادة ما لبث أن انقطع، بعدما اُعتقل القيق في يناير 2017.

الخميس الماضي، خاض الصحفي إضرابا عن الطعام للمرة الثالثة داخل سجن عوفر الإسرائيلي، تضامنا مع 1500 أسير دخلوا إضرابا مفتوحا في 17 إبريل المنصرم، احتجاجا على سياسات القمع وطلبا لتحسين ظروف المعتقل.

1

اختار القيق طريقا عسيرا منذ دراسته في جامعة بيرزيت "الأسرى هم شغله الشاغل".. حسبما تقول شلش لمصراوي. ورغم إيمانهما الشديد بالقضية، غير أن كل مرة يُعتقل فيها الصحفي، كانت العائلة تفقد جزءً من روحها؛ بين زوجة تُربي طفلين، وأب مكلوم، وأم تبتهل في الدعاء كي ترى ولدها مرة أخرى.

الثانية فجرا من نوفمبر 2015، هزّ انفجار عنيف أبواب منزل الصحفي في مدينة رام الله، تناثر زجاج النوافذ، جنود الاحتلال جاءوا مدججين بالسلاح، روّعوا الصغيرين، حملوا الأب للخارج، وضعوا غمامة على عينيه، تركوه في العراء لساعات طوال، اصطحبوه إلى سجن عوفر "هُناك تلقى أسوأ معاملة.. تعذيب واستجواب.. شيء بشع".

2

لم تتحمل كرامة الصحفي الأسير ما فعله الاحتلال "قرر الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام لحين الإفراج عنه"، فوجئت شلش بالقرار، غير أنها ساندته "انا باعرف إنه زوجي ما وصل لتلك المرحلة إلا بعدما جاوز الاحتلال مدى الظلم الذي نعلمه عنه".

مخاطر جمّة أحاطت بامتناع القيق عن الطعام للمرة الأولى "هو اتبع الطريقة الإيرلندية التي تقوم على شُرب الماء فقط"، حين بحثت شلش عن نتائج ما يفعله زوجها، كَبُرَ خوفها "هاي الطريقة أسوأ حتى من المي والمِلح.. الجسم كتير بيفتقد المعادن اللي بيحتاجها"، ظل مُضربا عن الغذاء لأربعة وتسعين يوما، فقد جزءً من السمع، البصر، وحوالي نصف وزنه. وقّع على عريضة يرفض فيها العلاج تحت أي ظرف، فاوضته إسرائيل لفك الإضراب، لكنه أبى الصفقة، ظل على العهد، حتى انتزع حريته في مايو 2016.

مازالت ذكرى البطولة التي حققها القيق حيّة "كانت فرحتي به فرحتان.. هو زوجي ورجع إلي.. وهو بطلنا الفلسطيني اللي أجبر الاحتلال على الخضوع له". في ذلك الوقت من العام الماضي، اجتمع شمل الأسرة، باتت حياة الأسير المُحرر شبه عادية، فيما عاد للعمل كصحفي حُر، والمشاركة في الوقفات المتضامنة مع الأسرى.

3

خلال الفترة التي قضاها طليقا، لم ينجُ القيق من المنغصات "أهمها حالته الصحية السيئة بسبب تبعات الإضراب عن الطعام"؛ صاحبه صُداع مُستمر ودوار، آلام شديدة في المعدة والأمعاء، أرق، كوابيس تأتيه في ساعات النوم القليلة، ظل يُعالج من الآثار السلبية "لكنه كان راضي ومقتنع وما بطّل يكتب عن المظلومين"، لذا أراد الاحتلال كسر نضاله؛ أوقفوه عند حاجز "بيت إيل" برام الله، فيما هو عائدا للمنزل، وبدأت قصة الأسر الثانية، منتصف يناير الماضي.

مع كل غدر ارتكبه المُحتل ضد القيق، ازداد الأخير صلابة، بينما أعانته شلش كي تقوي ظهره "هاي المرة الاعتقال مفاجئا لنا.. مازلت غير مستوعبة.. محمد ما مكث معنا كتير.. ما لحقت أشبع منه ولا أحكي معه". حين اُعتقل الصحفي، اتبعت الزوجة نفس خطوات المرة السابقة؛ تركت منزل رام الله، انتقلت لمدينة الخليل للعيش بجوار عائلة الصحفي "كل شيء بيصير صعب بعده.. بضطر حتى أغير مدارس ولادي، ببعد قدر الإمكان كي لا يُهددني الاحتلال أو يحتجزني"، إلا أنها لم تسلم تماما من بطشهم.

4

"أكثر من مرة اتصلوا فيا يطلبوني في مبنى المخابرات للتحقيق.. وانا ما رحت"، ظنّت الشابة أنها بمعزل عن مضايقاتهم، لكنهم اقتحموا منزل عائلة القيق في الفترة الماضية، أخذوا بعض محتوياته "وأخضعوني للتفتيش العاري"، لم يكن بيد الأهل حيلة أمام الجنود الذين اصطحبوها لمبنى المخابرات، حيث استمر التحقيق معها لساعات، قبل الإفراج عنها.

ربما صار الأسر أهون، لو استطاعت شلش رؤية زوجها "لكننا في كل مرات اعتقاله لم نكن نراه.. فقط نسمع عنه من المحامين"، حين اُعتقل القيق مطلع هذا العام، لم يوجه إليه تهما "اعتقال إداري لا يُسمح لنا بمعرفة أسبابه"، وفيما بعد وُجهت له اتهامات بالمشاركة في الوقفات الاحتجاجية. 

5

لم ينتظر الصحفي كثيرا حتى دخل الإضراب الثاني عن الطعام، مخاطرا بحياته "إضراب المرة الثانية بعدما عاود الجسم عافيته بالكاد أمر مُهلك.. لكن عدّاد الكرامة أهم". حاولت الزوجة زيارته دون جدوى "الاحتلال مانعنا نشوفه وعلمنا إنه حالته الصحية ساءت لكنهم منعوا عنه الطبيب".

أبقى الصحفي على إضرابه لـ33 يوما، اضطر الاحتلال معها لتقديم صفقة "أن يفك إضرابه مقابل الإفراج عنه في إبريل"، وهو ما فعله الصحفي، إلا أنهم غدروا عهدهم "ولم نخرج بأي شيء سوى أن زوجي ظل بين أيديهم.. لا يرى أبناءه ولا أستطيع الاطمئنان عليه". تخوض شلش منذ اعتقال يناير معركة موازية مع طفليها إسلام ذو الخمس سنوات وابنتها لور ذات العامين، ما ينفكا يسألانها عن الوالد؛ متى يعود؟، ما حالته الصحية؟، ماذا عن منزلهم برام الله؟، بات إسلام يعي معنى كلمة "اعتقال إداري"، يرددها في تحدٍ يسبق عمره، تُهدئه الوالدة تارة، وتبكي معه أخرى.

ما أن تم الإعلان عن إضراب الأسرى في إبريل الماضي، حتى شارك فيه القيق "هكذا بيكون شارك في 3 إضرابات خلال عام وثلاثة أشهر تقريبا"، يتآكل قلب الزوجة عليه، وتُعزّيها كلماته لها "ماذا نريد من حياة تتحكم فيها مخابرات إسرائيل؟ حياة يمكث فيها الشخص أعوام في المُعتقل دون ذنب؟".

6

لا تعرف شلش مصير الزوج حتى الآن "حالته تتدهور.. ليس بيدي أمه وأبيه سوى الانضمام للآخرين في خيمة دعم الأسرى"، تستمسك بالصبر "لا نُحب الجوع لكننا لا نُحب الظلم أيضا"، تبتهل كي لا يتم إطعامه قسرا كما حدث في إضراب 2016 "علقوا له محاليل بالغصب لكنه رماها"، تستغل كل فرصة للحديث عنه "ما نقوله كأهالي أسرى يبدو متكررا.. لكننا لم نصف واحد على الألف مما نشعر به ونعايشه.. نحتاج للتضامن معنا ومع قضيتنا.. نحتاج لأن يتم الضغط على إسرائيل".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان