لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

على هامش "الغلاء".. مصراوي يرصد حكايات الجوع

01:59 م الجمعة 31 مارس 2017

الجوع-أرشيفية

كتب - محمد زكريا:

بأحد شوارع حي المهندسين بالجيزة، يلتف عدد من الناس حول عربة تُقدم أطباق الفول الجاهزة، يُطالب أحدهم البائع بطبق إضافي، بينما ينهمك صديقه في وجبته، يقتحم المشهد رجل ضخم الجثة، مُهلهل الثياب، يلتقط أعلى المائدة قطعة خُبز غير مُكتملة، يتنقل بين الأطباق المُستهلكة للتو، يتناول ما تبقى على أطرافها، فيما يرفض أي مُساعدة مُقدمة، قبل أن يرحل سريعًا دون أن ينطق كلمة واحدة.

منتصف مارس الجاري، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن مصر احتلت المرتبة الـ59 عالميًا والـ3 عربيًا، في مؤشر الجوع العالمي لعام 2016، ضمن رصد شمل 118 دولة قياسًا على أحوال الغذاء.

صعود ترتيب مصر على قائمة سوء أحوال الغذاء، لم يَغب عن أسرة "رضا توفيق" تمامًا. قبل سنوات، اشتغل ابن محافظة بني سويف بالفلاحة، أجبره تدهور حال الزراعة بصعيد مصر على مُغادرة مهنته قسرًا، عانى الرجل الأربعيني مرارة العيش لفترات طويلة، غير أن ارتفاع الأسعار في الشهور الأخيرة، ضَمِن لأُسرته الاصطفاف في طابور العاجزين عن تلبية حاجتهم من الغذاء.

في أكتوبر الماضي، أشار جهاز التعبئة والإحصاء، في دراسة أصدرها عن العام 2015، إلى أن 56.7% من سكان ريف الوجه القبلي لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم من الغذاء.

وبعد أقل من شهر على صدور تلك الدراسة، أعلن البنك المركزي في الثالث من نوفمبر تحرير سعر الصرف في البنوك، في نفس ليلة رفع وزارة البترول من أسعار المحروقات، بعد شهرين من تطبيق الحكومة العمل بضريبة القيمة المضافة في سبتمبر الماضي، ضمن خطوات عدة شملت ما أسمته الحكومة "برنامج الإصلاح الاقتصادي"؛ والذي زاد من معدل التضخم في أسعار السلع الاستهلاكية إلى 29.6% خلال يناير الماضي.

ارتفاع تكلفة المعيشة، ضج بحياة أسرة توفيق الهادئة؛ شكوى الزوجة، صُراخ الأطفال "عيل عنده 3 سنين، وبنت مكملتش سنة.. هعيشهم منين" يقولها بأسى. قَدّم الرجل الأربعيني أوراق اعتماده في برنامج أطلقته وزارة التضامن الاجتماعي لمُساعدة الأسر الفقيرة، لم يُقبل طلبه المُلح، ارتحل توفيق إلى القاهرة "اشتغلت تُربي في أبو زعبل باليومية، وبقطع من لحمي وأبعت فلوس، عشان أأكل الجعانين اللي مرميين في البلد دول ومحدش بيسأل فيهم".

بحي المطرية بالقاهرة، يعيش "عم حسني" وحيدًا، داخل غرفة لا تتعدى أمتار قليلة "بدفع 115 جنيه إيجار"، يتقاضى معاشًا قُدر بمبلغ 300 جنيهًا شهريًا "كنت شغال في المحارة ولما كبرت مقدرتش أكمل"، يَحمد صاحب الـ71 عامًا ربه على نعمة الستر "بيجي عليا وقت مبلقيش الأكل، لكن لقمة وشوية ملح ببقى مبسوط بيهم" يقولها برضا.

الشهر الماضي، وقف حسني بشباك غُرفته الصغيرة، نادى على شاب يسكن نفس الشارع، أَنزل له حبل ينتهي بكيس بلاستيكي يحوي 3 جنيهات "قبل ما أقوله أنا عايز أيه، قالي: أنت مش عايش يا جدو؟، هما 3 جنيه يجيبوا أيه دلوقتي؟"، بكى الرجل السبعيني بشدة، فيما هدأ من روعه صوت دُعاء يأتيه من بعيد: "اللهم لا تجعل بيننا وبينك في رزقنا أحدًا سواك، واجعلنا أغنى خلقك بك".

على صوت ابتهالات يُصدرها راديو صغير، ينزوي "حسن" بأحد شوارع محافظة الجيزة، أمام عربة خشبية مُتواضعة، يبيع شطائر الجُبن المُختلفة، يَمُر عليه يوميًا "ناس جعانة كتير، مش معاها فلوس"، يَمنحهم الشاب العشريني ما يُريح ضميره "الغلابة بيسندوا على بعض" يقولها بطيب خاطر، في الوقت الذي تسأله "نجوى" عن "سندوتش" يسد جوعها.

تتناول السيدة الخمسينية طعامها، تحكي عن زوجها المُتوفي "كان بيعمل حبة طعمية في غطيان الحلة ويبيعها"، تتحدث ابنة حي القطامية عن ضيق الحال بمعاش شهري قُدر بـ323 جنيهًا، تنتهي من طعامها السريع، تتحرك بخطوات حثيثة "عندي عين مفيش منها رجا، والتانية تعبانة بشوف بيها طشاش"، وقبل أن ترحل تُعبر عن انهماكها في توفير غذاء أولادها الثلاثة.

في دراسة أصدرها التعبئة والإحصاء، عن اقتصاديات الأمن الغذائي في مصر، يُشير الجهاز إلى احتلال مصر للمرتبة الـ57 عالميًا والـ8 عربيًا، في مؤشر الأمن الغذائي العالمي لعام 2016.

توفير غذاء لها ولزوجها، هو المُسيطر الوحيد على عقل "نعمة". في منطقة ميت عقبة بالجيزة، تتحرك صاحبة الـ58 عامًا بخطوات سريعة، تتحدث عن ضَعف طاقتها في توفير قوت يومها "جوزي كان سمكري.. جاله جلطة عملتله شلل نصفي"، تسترسل في الحديث عن معاش شهري لم يتعد 400 جنيهًا شهريًا، فيما يُعينها على المعيشة مُساعدات تتلقاها بين الحين والآخر "أبقى ماشية، ألاقي واحد بيجري ورايا، يديني سندوتش، ادوق لقمة وأروّح الباقي لجوزي.. وادينا عايشين".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان