حوار- بعد 9 سنوات من واقعة "الحذاء".. منتظر الزيدي: ترامب لا يختلف عن بوش
حوار - فايزة أحمد:
قبل أن يُغادر الصحفي العراقي منتظر الزيدي منزله، صباح الرابع عشر من شهر ديسمبر 2008، مُتوجهًا إلى المؤتمر الصحفي الذي كُلف بتغطيته من قِبل قناة "البغدادية"، ترك رسالة لأصدقائه مفادها أن لديه هدية تذكارية للرئيس الأمريكي جورج بوش، الذي كان في زيارته الأخيرة، قُبيل انتهاء ولايته إلى العاصمة العراقية بغداد، حيث احتفل خلال المؤتمر رفقة رئيس الوزراء العراقي آنذاك، نوري المالكي، بالاتفاقية الأمنية بين العراق وأميركا.
لم يُفصح "الزيدي"، عما عساها تكون هذه الهدية، ليُفاجئ حضور المؤتمر، بقذفه رئيس أكبر دولة في العالم بحذائه، في إشارة منه إلى اعتراض الشعب العراقي على السياسة الأميركية في العراق، وذلك منذ الغزو في عام 2003، حتى اتبعت شعوب معظم الدول الناقمة على الولايات المتحدة الطريقة ذاتها في الاحتجاج على سياستها، أمام سفاراتها في بلدانهم.
باتت الواقعة التي تناقلتها كبريات الصحف والفضائيات الأجنبية، ذكرى يحرص العرب على الاحتفال بها؛ تنفيسًا عن غضبهم إزاء السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط برمتها، لتحل الذكرى التاسعة على تلك الواقعة، التي دفع الصحفي العراقي سنة من عمره داخل أحد المعتقلات العراقية، ثمنًا لفعلته هذه.
كان من بين الأسباب التي دفعته لرشق وجه "بوش" بحذائه، النساء اللواتي ترمَّلن على أيدي الأمريكيين، تلك الفكرة التي ظلت عالقة في ذهنه داخل المعتقل "لم يكن بذهني طيلة فترة الاعتقال سوى النساء اللاتي ترملن والأيتام بسبب الاحتلال الأمريكي داخل بلادنا"، بحسب كلمات الزيدي لـ"مصراوي".
تطورت تلك الفكرة في نفس الزيدي، علّها تخفف من وطأة الاعتقال حينها "كان بدي أسس منظمة دولية لإغاثة الشعب العراقي كله، لإيصال صوت كل العراقيين للعالم"، لكن الأوضاع في الداخل لم تكن تساعده على ذلك.
لم تكن الأفكار المتعلقة بالشأن العراقي وحدها ما تؤرقه داخل المعتقل، بل شاركتها آلام التعذيب الذي تعرَّض له "برغم كل هذا الحمد لله والشكر كانت معنوياتنا عالية"، وذلك لما لاقاه من دعم، لاسيما الإعلامي، سواء في الداخل أو في الخارج "حقيقة لولا الإعلام العربي والعالمي لكنت قُتلت بسبب عنهجية النظام الحاكم بالعراق.. مع هذا كان التعذيب.. فكيف لو لم يكن هناك إعلام!".
قَبَل "الزيدي" الدعم المعنوي والمؤازرة أثناء الاعتقال اللذين تمثلا في "كتير أصدقاء وشخصيات عامة عربية وعراقية كانت تزورني، فضلًا عن اكتناف أسرتي بالاهتمام والرعاية"، لكنه لم يقبل "بعض الشخصيات العربية والدولية طلبت من الحكومة الإعفاء عني، لكن أنا طبعًا رفضت هذا الشي".
منتصف شهر ديسمبر عام 2009، خرج الصحفي العراقي من المعتقل، لتمر السنون، وتسكن الأحزان، لكن جراحه لم تندمل أبدًا، لما فعلته أمريكا في بلاده التي قلبته رأسًا على عقب "العراق بالسابق كان شوكة في خاصرة أمريكا، لكن الآن للأسف الشديد أصبح العراق يُدار من قِبل أمريكا وربيبتها إسرائيل، ولم يعد يستطيع أن يأخذ قراره المستقل السيادي دون تجاهل الدور الأميركي السيئ في العراق".
برغم اضطراره للإقامة خارج العراق، فإنه لم يبتعد عما يجري فيه من مأساة خلال الوقت الراهن، إثر الحرب التي يخوضها مع ما يُعرف بـ"تنظيم الدولة الإسلامية" الذي لا يراه السبب الرئيس فيما يحدُث لبلاده "صحيح هذا التنظيم وأميركا كانا سببًا في خراب العراق، لكن ثالثهما الأنظمة العراقية الحاكمة التي زادت الطين بِلة".
كان لاقتراب ذكرى رشق رئيس الولايات المتحدة بحذاء منتظر الزيدي أن تُصادف قرار دونالد ترامب المتعلق بالقدس، الأمر الذي جعل الكثيرين يعقدون مقارنة بين رئاسي أميركا "أنا لا أجد فرقًا بينهما؛ الاثنان أعداء الشعوب العربية والإسلامية ولتطلعاتنا"، لكنه في الوقت نفسه يرى أنه لم يكن ليجرؤ رؤساء أيّ دولة في العالم على اتخاذ مثل هذا القرار سوى "استغلال الضعف العربي الذي سببه استماتة الحكام على التطبيع مع الصهاينة إرضاءً للأمريكيين".
من بين هذه التطلعات التي تدور في ذهن "الزيدي" بالتزامن مع مرور تسع سنوات بالتمام على واقعة الحذاء "جمع الشباب العراقي في تيار سياسي مدني خارج الاتفاقات السياسية والطائفية الموجودة، للملمة الشعب العراقي من كل صنوفه"، ليكون هدفهم "وضع خطوات جدية وملموسة في الطريق الصحيح؛ لبناء دولة مدنية خارج الطائفية أو العسكرة، وخارج محاولات الانفصال من قِبل الأكراد".
وسط كل هذه الصعاب المتجذرة داخل كل شبر في العراق، يبحث منتظر الزيدي عن بريق الأمل، ذلك الذي يراه في الشباب العراقي بوجه عام، وابنته "أميديا" على وجه الخصوص، التي ولدت خارج وطنها، لكنها تحمل اسم إحدى ملكاته البابلية؛ علّها "تكون لها من اسمها نصيب، يساعدها في خدمة ورفع لواء العراق".
فيديو قد يعجبك: