إعلان

​مشروع "أثر البركات".. رحلة مصور أمريكي مع المعجزات في مصر

07:31 م الأحد 19 نوفمبر 2017

​مشروع أثر البركات

كتبت-دعاء الفولي وإشراق أحمد:

تصوير المعرض- روجيه أنيس:

قبل تسعة أشهر من ثورة يناير 2011، استقر ديفيد ديجنر في مصر. عايش المصور الصحفي المصريين، اختلط بحكاياتهم اليومية، سمع منهم تفاصيلاً متشابكة عمّا يؤمنون به، وبينما يعمل على قصص خبرية تتعلق بالموروثات الدينية، أدرك أن فكرة "المعجزات" لها طابع مختلف هُنا عن الثقافة الغربية، أو كما يقول "سمعت قصصا عن تداخل العالم الروحي في المادي وأصبح لدي فضول للاطلاع عليها".

حوالي خمس سنوات استغرقها المصور الأمريكي ليخرج مشروعه إلى النور؛ تلك المجموعة من الصور التي روى بها عن معتقدات دينية وموروثات عند المصريين؛ طاف بسببها الشاب بين المحافظات المختلفة، سمع الكثير، امتص الروايات المتشعبة، بحث بينها عن صور تنقل الحكاية على لسان من يصدقون فيها، ثم جمعها في معرض "أثر البركات"، الذي اُفتتح في الثامن والعشرين من سبتمبر المنصرف بمقر مؤسسة "مقعد السلطان قايتباي" للثقافة والفنون.

شغفٌ تملك المصور الأمريكي لتعقب القصص المروية عن "أثر البركات" ليستمع إليها من مصادرها. بدأت مهمته من دوائر الأصدقاء، تفقد القصص التي يروونها؛ فذلك شيخ يذهب له الناس لأنه يشفي العليل، وتلك كنيسة يتداوى داخلها الكثيرون، وهذا المكان مشهور بالخوارق "وجدت قصص أخرى في الموالد وفي الجلوس بالكنائس والمساجد بينما أتحدث إلى الناس"، فضلا عن البحث على الانترنت.

1

حين عكف ديجنر على المشروع، أراد رؤية المساحة التي يؤمن الناس أنها "تجمع بين المادي والروحي"، لذلك ما كان التحقق من صحة هذه القصص هدفًا لمشروعه بقدر الوصول إلى مصادر تلك القصص وروايتها عبر الصور.

عامان قضاهما ديجنر في تجميع القصص، ثم أمضى قرابة عامين آخرين في التصوير. كان يقوم بذلك لجانب مهامه التصويرية اليومية وهو ما جعل المشروع يستغرق 5 أعوام حتى خروجه إلى النور في أول معرض له في مصر.

لم يحمل المصور الأمريكي فكرا مسبقا عن قصص الموروثات الدينية، فقط قصاصات وكلام متناثر، لذلك ظلت عيناه مليئة بالانبهار مع كل قصة يجدها "الأمر كان جديدًا بالنسبة لي على مستوى الأفكار وليس فقط التصوير".

2

كان التحدي الأكبر أمام تنفيذ مشروع المصور الأمريكي في إيجاد الوقت للسفر، والعودة لأماكن أصحاب القصص مرات عديدة، أما الناس وأصحاب الروايات "كانت منفتحة وراغبين بشدة في مشاركة خبرتهم" حتى أن كثيرًا ما تم دعوته إلى زيارة المنازل وفتح المصادر له حياتهم بشكل أشعره بالتواضع أمام مثل تلك ردود الفعل.

لكن المسيرة ما كانت وردية دائما؛ لم يمنع قبول الناس للحكي من أن يمضي ديجنر وقتا طويلاً لتوضيح فكرته، ولا ينسى كذلك تلك المرة في الإسماعيلية، حين أوقفته الشرطة للاستجواب وقتما كان يبحث عن قصة متداولة لقطة ذات أجنحة، رأى فيديو لها على اليوتيوب، يتحدث صاحبها بأنها "رسالة من الله"، وبالفعل وصل لذلك الشخص إبراهيم نسيم، الذي أخبره أن حالة السخط والشك من حوله دفعته لقطع أجنحة القطة، لتهرب من منزلهم بعد ذلك الحادث حسبما يروي المصور على لسان مصدره.

يعتبر ديجنر "أثر البركات" مشروعًا مصورًا غير تقليديًا، ولذلك أسباب حسب قوله لمصراوي، منها أنه لا يُعد سردًا صحفيًا بشكله المعتاد، ومن ثم ليس من السهل نشره في مجلة، لكنه يتعلق بالحالة الثقافية، وهو النوع الذي يهوى تناوله من القصص، وأدرك مع مشروعه الأخير هذا "أن القصص الشاذة غير المتداولة ممكنة واستقبالها جيد".

3

سنوات العمل على المشروع، غيّرت في شخصية المصور الأمريكي الكثير؛ أدرك مدى حساسية ما يبحث عنه "لذلك قررت ألا أحكم أبدًا على معتقد أحدهم الديني أو الفكري وأن أُظهر كامل الاحترام". حاول الانصهار داخل القصص، حتى أنه استخدم مصطلحات الأبطال في كتابة التعليقات على الصور "في النهاية هي قصصهم هم وأنا كنت أوثق التجربة".

كانت مصر هي الدولة العربية الأولى التي يزورها "أدركت أن الأمريكيين لا يعرفون الكثير عن ثقافة الشرق الأوسط". عاش في مصر وانطلق فيما بعد ليلتقط صورا صحفية في البحرين، ليبيا، وسوريا، قبل أن يعود لمصر مرة ثانية. يجد الشاب الأمريكي ضالته في التصوير، يعتبره وسيلة عظيمة لرؤية زوايا جديدة من الحياة.

حال الأب لأبنائه، يوقن ديجنر أن جميع القصص لمست نفسه، غير أن قصة غرفة الشيخ فتح الله كانت المفضلة بالنسبة له كما يصف. ذلك الرجل البالغ من العُمر 92 عامًا طريح الفراش، كان يُعلم القرآن، فأبت بناته إلا أن تواصل مشواره من بعد مرضه، فصارت غرفته تعج بالناس يأتون للصلاة بجانبه، فيما تدرس بناته القرآن للأطفال، بينما يتابعهم المصور الأمريكي بعينيه وكاميرته، ليخرج من عندهم بفكرة رافقته إلى بلده "هذا المنزل جزء أساسي من مجتمع تديره بعض النساء الأقوياء".

4

يتكون مشروع ديجنر من 40 قصة، لكن مساحة المعرض لم تسع أكثر من 27 صورة؛ عرج فيه المصور على الكثير، فهناك تلك الكنيسة القريبة من باب الشعرية وبها نبع ماء، يأتي البعض كي يغسلوا أقدامهم المريضة فيه، أو الرمال ذات "الرائحة الحلوة" في منطقة العاشر من رمضان، والتي تهافت الأهالي عليها، غير عالمين أهي بسبب سقوط شُحنة من الصابون في المكان أم لأن الرمال مُباركة، أو قصة ثالثة عن باب صغير أغلقه صاحبه وأحاطه بآيات قرآنية، بعد ما حبس بداخله جن، وحكايات أخرى.

رغم خوف اعترى المصور الأمريكي من ردود الفعل عن المشروع "لكن التعليقات التي تلقيتها كان جيدة جدًا"، يذكر منها انبهار سيدة مصرية في المعرض "لم أتبين كل كلماتها لكن إعجابها الواضح وفهمها للفكرة" وصله، بينما يحكي عن الشباب الذين تغيرت آرائهم بشأن المعتقدات بمصر "بعضهم روى لي أن المشروع وسع إدراكهم لفكرة الإيمان بتلك المعجزات".

5

في العاشر من أكتوبر الماضي انتهى معرض "أثر البركات"، لم يشهد ديجنر جميع ردود الفعل على الأرض، حيث اضطر للرحيل "كان لدي رحلة أخرى لغرب إفريقيا وتمنيت لو تأجلت وبقيت لفترة أطول"، لكن المصور الثلاثيني مازال ينتظر القادم، فربما يتمكن من حضور المعرض الثاني لمشروعه، والذي سيُقام خلال الفترة القادمة في الإسكندرية.

 

فيديو قد يعجبك: