إعلان

مالك عدلي.. المحامي الحر (بروفايل)

09:22 م الجمعة 06 مايو 2016

كتبت - رنا الجميعي:

ذات يوم رافقت "بهية" أبيها "مالك عدلي"، اصطحبها في مشوار بسيارته، ولدقائق معدودة تركها، أغلق الباب ورائه، دون تأكيده بالمفتاح المتروك بالداخل، خلال تلك الدقائق كانت "بهية" تلعب، فأوصدت العربة من الداخل، بما يُعرف بـ"المسوجر"، قدم عدلي ليفتح الباب، وجده مغلقًا، حاول مرات لفتحه، فلم يتمكن، تجمّد الزمن حينها، مع العجز الذي أصابه، أحضر سلكًا ليُعالج به الباب، تجلس "بهية" بالسيارة آمنة، ها هي تضحك أمامه، ليس بينها وبينه سوى زجاج، تُفكر في اللعبة التي تمارسها مع أبيها، لكن الأمر بالنسبة لـ"عدلي" لم يكن كذلك، روّعه الخوف الذي أحسّه، خلجات الذعر تملأ وجهه، حتى التقطت أذنه صوت "تكة" الباب، مُعلنًا فتحه، نبضات القلب بدأت بالتباطء ثانية، فـ"بهية" الآن بحضنه، غير أن سؤال جال ببال "عدلي" في تلك الثواني المرعبة "أومال أهالي الولاد المحبوسين والمختفيين قسريًا بيبقى حالهم إزاي؟".

undefined

قُبض، أمس الخميس، على "عدلي"، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتم اعلان وجوده بنيابة "شبرا الخيمة" في الثالثة صباحًا، حسب ما كتبه المحامي "طارق عوضي" بالفيس بوك، ولأربع ساعات ظلّ التحقيق معه، كما أعلن المحامي "سامح سمير" ، يُذكر إن نيابة قسم ثاني شبرا الخيمة أمرت بضبط وإحضار "عدلي" على خلفية الاحتجاج على اتفاقية ترسيم الحدود، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، يعرف عدلي كيف يرد مستندًا إلى القوانين، وهو ما يؤكده تعليق "سمير" على صفحته "اجابات مالك عدلي عريضة قانونية تدخل تاريخ تحقيقات النيابة العامة".

معارك عدة خاض سجالها "عدلي"، مسارات متنوعة طرق أبوابها، لعلّ أحدها يستجيب، من بينها الظهور كضيف ببرامج "التوك شوز"، ممثلا للضفة الأخرى ذات الصوت الخفيت، نجح عدلي في ذلك المسار المغاير، يُحضر جيدًا قبل الحلقة، ويُفحم مواجهيه بردوده القوية، صارت فيديوهات تصريحاته متنقلة بين مواقع التواصل الاجتماعي، في حلقات تناولت قضية الجزيرتين كان حاضرًا يقول "التاريخ والجغرافيا والحروب والدم بتقول إن الأرض دي مصرية"، يُدافع بالحجج والقوانين، ببرنامج "هوا مصر" بفضائية "فرانس 24"، مفندًا الدستور، ومناقشًا لقضية الجزيرتين حيث أكّد على أن "التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود ليس من حق مجلس الشعب، وأي اتفاقية تستلزم تغيير الحدود لابد من عرضها على الشعب وهو ما لم يحدث في حالة "صنافير وتيران" وبالتالي فمن حقي جمع توقيعات لإبطال الاتفاقية".

حينما وصل خبر النيابة بضبط "عدلي" وإحضاره، قرر تسليم نفسه، لكن أمر واحد استوقفه، هو التوكيلات التي أقامها البعض، اعتبرها أمانة في رقبته، تلك المهمة التي تستلزمه كتابة مذكرات ليقدمها للمحكمة، أقام المعترضون على نقل ملكية الجزيرتين التوكيلات لـ"عدلي" والمحامي "العوضي"، ليتمكنوا من رفع دعوى قضائية، هي طريقة مُغايرة للاحتجاج على تلك القضية، حينما فكّر الجميع بالنزول للشارع احتجاجًا، القانون كان حُجة "عدلي" الأساسية بجانب التظاهر.

حلقات أخرى ظهر بها "عدلي" مُدافعًا عن ثورة 25 يناير، التي كان أساسها المطالبة بالحرية، الهبّة التي خفت ضوؤها مواجهة أمواجًا عاتية، جلجل صدقها في صوت المُحامي، أمام أحد مساعدين وزارة الداخلية السابقين قال "25 يناير ثورة بالنسبة لي"، وحينما ردّ عليه بأنها "مؤامرة"، أجابه عدلي "حضرتك تقول إنها مؤامرة دا رأيك، لأن احنا عملنا الثورة عشان حرية الرأي والتعبير".

جرى "عدلي" وراء المظلومين في المحاكم، ترافع في قضايا مختلفة في مضمونها بين قضايا مقتل مواطنين على يد الشرطة، ومتهمين في أحداث استاد الدفاع، ومتهمين ما يُعرف بقضية "الاتحادية"، كذلك رفع قضايا على الدولة لعلاج الفقراء، وقضايا أخرى في مسألة الآثار والتراث.

لم تكن القضايا المترافع فيها عدلي مُجرّد وسيلة لتربحه من ورائها، اشتبك بتلك المشكلات، انفعل معها، غُصّة تعترض حلقه، ما إن يسمع تجديد الحبس لشباب صغار، مثل أحداث "استاد الدفاع الجوي"، يتقلّب على جمر مُحاولًا الاستئناف على قرار الحبس، كل ما يهمه أن يُخلى سبيلهم، أعمار صغيرة لم تولد لترى النور من وراء السور، هكذا كان يفكر، تم إعادة فتح التحقيق في القضية مجددًا، بفبراير الماضي، المتهم فيها 16 شاب.

"جئنا إلى ساحتكم المقدسة نلوذ بكم، في واحدة من القضايا ننشد فيها الحق الذي يعيش في ضمائركم، فهذه القضية حظيت، ومازالت تحظي باهتمام كبير، قد خرجت مدينة الأقصر عن بَكرَة أبيها لتحتج على ما قام به الجناة، واستمرت موجات التظاهر لمدة تزيد على أربعة عشر يوماً لتُسمع أهل مصر".. كان ذلك جزء من نص المرافعة التي ألقاها هيئة الدفاع عن المدعين بالحق المدني، برئاسة "خالد علي"، و"عدلي"، بسبب الحادث الذي قُتل فيها المواطن "طلعت شبيب"، في 24 نوفمبر من العام الماضي، تلك القضية ضمن عدة قضايا دافع فيها عدلي عن مواطنين ضد الشرطة، ومن بينهم قضية مقتل المحامي "كريم حمدي" بقسم المطرية، ومقتل الشاب بمدينة الرحاب، المسئولية التي شعر بها عدلي لصون حق المواطنين، يعترض على تسمية تلك الحالات بـ"فردية"، يعتبرها فكر ممنهج في التعامل.

معيار عدلي في الدفاع كان أحقية الناس، هل وقع عليهم ظلم أم لا، لذا حينما طُلب منه الدفاع عن أمناء شرطة الشرقية لم يتردد، طرق أهالي المُتهمون أبواب محامين كُثر، ولم يوافق بهم أحد، لكن عدلي الذي وافق على القضية، المتهم فيها سبعة أمناء بتهديد الأمن القومي ونيتهم في الظهور بإحدى القنوات الفضائية، وفي أحد البرامج اعترض عدلي على تلك التهمة، حيث صرّح "ظهور أمناء الشرطة في الإعلام ليس مخالف للقانون، لأنهم مدنيون وفقًا للقانون الشرطي، ولا تنطبق عليهم القوانين العسكرية".

همّ يتملك عدلي للدفاع عن المظلومين، يبحث عمن يفتقر لمحامي ولا يستطيع دفع حقه المالي، يسأل المقربين حول المحتاجين لمساعدة قانونية، لم يبخل ببدنه على قضايا اتسعت بينهم المحاكم، واحدة بالإسماعيلية، حيث دافع في حادث مقتل الطبيب البيطري "عفيفي حسني" على يد ضابط، وأخرى بأسوان دفاعًا في مقتل الأسواني "شبيب"، يفرح حينما ينتصر للمظلوم، هكذا زفر في راحة حينما تم سجن معاون مباحث قسم الإسماعيلية الأول "محمد إبراهيم" في مقتل الطبيب البيطري، لثمان أعوام.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان