إعلان

بعد 500 يوم سجن.. أحمد جمال زيادة "حكاية صحفي بره الزنزانة" (حوار)

03:54 م الإثنين 08 يونيو 2015

حوار مصراوي مع احمد جمال زيادة

حوار- أحمد الليثي وإشراق أحمد:

شيء عظيم الأثر أن يقوم صحفي بمغامرة، يكشف بها عن انتهاكات، يسلط عليها الضوء، عسى تلقى مَن يهتم، ويهم بإصلاحها، لكن أن يُجبر صاحب القلم أو الصورة على ذلك فالأمر مختلف. 500 يوم عايش المصور الصحفي أحمد جمال زيادة إحساس ساكني الزنازين- كواحد منهم-، المظلومين خلف القضبان، تحطم الآمال، التمسك بما يبقى من مبادئ، قلم يسطر، وعين تسجل، مر عليه رئيسان، وانقلبت الأحوال، فيما بقي الوضع على ما هو عليه..
   
فوق كوبري المشاة الواصل بين جانبي الطريق، قبالة جامعة الأزهر، اتخذ "زيادة" موقعه لكشف المشهد كاملا، قبل أن تقع عيناه على طالبين "ماشيين عادي قدام الجامعة"، فيما يتجه نحوهما حشد من الجنود، بحس الصحفي علم المصور أن شيئًا سيقع؛ فأخرج كاميرته "جبت المنظر كله لغاية ما اترموا في البوكس"، وبينما ينزل "زيادة" على السلم، أوقفه ضابط "كان نائب مأمور قسم ثاني مدينة نصر شافني وأنا بصور"، أخرج الشاب العشريني تصريح التصوير وهويته الصحفية، كاد الأمر أن ينتهي قبل أن يرى الضابط "الفيديو" المصور، فتحول التعامل معه إلى "مجرم" حال الشابين اللذين صورهما، وتوجهوا جميعا مع أخرين إلى قسم مدينة نصر.. إلا أن الاحتجاز دام 500 يوم كاملة.  
 
صورة 1

"التشريفة ده شيء أساسي" كذلك بدأت الخبرة الأولى لـ"زيادة" مع الاحتجاز، في قسم الشرطة تلقى الضربات "عشان طلبت أني أعمل مكالمة"، ومع ذلك لم يتخيل أن ينتهي الأمر بمرور عامين من العمر خلف القضبان "قلت مستحيل أنهم يتغابوا ويمسكوا مصور صحفي وبكاميرا ويحبسوه مع طلبة.. مكتنش متخيل أني اتحبس ومعايا تصريح وكارنيه"، غير أن كل محاولة عدم تصديق الواقع تحطمت، فمجرد أن أخرج تصريح التصوير "قطعوه".

تزداد الأمور صعوبة، لا يخفف عنها رؤية "زيادة" لزميله المصور "أحمد سامح" وهو يصور المتهمين الذين كان بينهم "مأخدش باله مني واتفاجأ أني في الصور"، وباتت الوجهة أكثر ظلاما؛ 4 أيام في معسكر السلام للأمن المركزي، به زادت قابلية عين المصور الصحفي لتسجيل ما يحدث، في زنزانة "متكملش 4 متر ونص" مكثوا أيام التحقيق والتعذيب، اُحتجزت الفتيات الـ14 المقبوض عليهن ضمن 76 متهم أخرين في زنزانة، والبقية جميعهم في أخرى "رغم أن كان في زنازين فاضية احنا شايفنها".

"كانوا بيطلبوا من الشباب أنهم يقولوا "أنا عاهرة" واللي مبيقولش بيضرب" يقولها "زيادة" مستعيد تلك الأيام الأسوأ في حياة المصور الشاب، فالإهانة بالنسبة للكثير من المحتجزين كانت أشد من الضربات، والأكثر ألما على النفس، هو رضوخ البعض لأوامر الضباط "اللي مالهومش فيها.. ناس رايحة الامتحان واتمسكت كانت بتنفذ كلامهم"، أملا في النجاة كانوا يفعلوا، لكنها لا تأتي "اللي اتاخدوا عشوائي أو غير عشوائي كله كان بيتعامل نفس المعاملة السيئة.. بالعكس في ناس معروف أنهم أخوان اتحكم عليهم أقل مننا".

اليوم في سجن أبو زعبل

صورة 2

في دنيا الزنزانة تختلف المعايير؛ فالمساحات في سجن أبو زعبل لا تُقاس بالمتر وإنما بالشبر وقبضة اليد، النوم في شبرين ونصف، وضع الجنين "ودي رفاهية أحيانا مش بتتوفر لما بيكربسوا العدد في الزنزانة الواحدة".. كل واحد له نمرة أو مصلب.. تنص لائحة السجن على أنه لكل شخص 4 ساعات يوميا في الهواء الطلق؛ منها ساعة في الشمس "كانوا بيخرجونا ساعة واحدة في طرقة مبيدخلهاش نور حتى والزنزانة أرحم منها.. بيقف فيها مساجين من 3 زنازين".. بعد ما انتشر ما كتبه زيادة عن أروقة السجن، كانت زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان، يومها تبدل شكل المعاملة تماما "بعد الأكل اللي بناكله غصب.. بقى التعيين لحمة مطبوخة وخضار طازة وكأننا في الجنة".

زيارة اسبوعية لمن هم قيد التحقيق وكل أسبوعين للمحكوم عليهم، حسب لائحة السجن. الوقت المفترض للزيارة حوالي ساعة ونصف الساعة، فيما كانت أكبر مدة قضاها زيادة هي 20 دقيقة "الزيارات بالحظ، ناس كتير كانت بتجيلي ومبتعرفش تدخل"، تشير اللائحة إلى حرية كل سجين في الموافقة من عدمه على طلب أي شخص بزيارته "وطبعا ده مكنش بيحصل.. إدارة السجن هما اللي بيختارولي".. المعاملة ازدادت سوءا بعد تقلد وزير الداخلية الجديد منصبه "قالولنا جالكوا وزير من أمن الدولة.. مش عايزين حد يتنفس"، العدد المتعارف عليه داخل الزنزانة 25 شخص "لما جه مجدي عبد الغفار دمجوا كل زنزانتين مع بعض"، مساحة الزنزانة حوالي "5 متر في 4 متر".

بعد فترة يصير حلم المسجون محض بديهيات؛ رؤية الشارع، أن يغمض عينيه في مواجهة شعاع الشمس، ركوب ميكروباص متكدس بالبشر، السير على الأقدام في اتجاه لا يمليه عليه أحد، مقابلة رفاقه على المقهى، تخمين ما يجري في مستقبل قريب جراء خبر يقرأه في جريدة "ده أكبر طموح لينا".. لذا رغم أن "زيادة" له في دنيا الأحرار مسيرة شهر، إلا أنه لم يتأقلم على الأوضاع بعد "الاختلاط بالناس مش سهل.. في فوبيا تجاه كل شخص لابس ميري وبحاول اتعود على شكل اليوم والنومة".

النوم لم يكن يمثل أي راحة لأعضاء سجن أبو زعبل هو فقط "هروب": "لازم تحاول تنام أكبر قدر ممكن من الوقت عشان اليوم يعدي وياخد اللي وراه، خصوصا لو أنت مستني شئ مجهول متعرفش أنت قاعد هنا ليه".. 7 شهور كاملة مرت على المصور الصحفي دون وقوف أمام قاضي، أو تجديد ولا عرض على النيابة "كانت أسوأ أيام قضيتها.. لو الدنيا اتقلبت برة أنت متعرفش.. وممكن تتفاجئ بحكم مشدد على حاجة معملتهاش".

رفقاء الزنزانة

3

17 شهر قضاها "زيادة" خلف قضبان صماء، الحكايات أنيسها، والظلام والظلم حاكمها، لم يكن بيد الماكث بالسجن بزي أبيض –رداء المحتجزين احتياطي- سوى "لملمة" التفاصيل، إعمال العقل دون غياب الإنسانية عن رفقاء الزنزانة، بدءًا من شركاء القضية المتهم بها، والتي عُرفت إعلاميا بـ"أحداث الأزهر"، ومَن جمعه القدر بهم في مكان واحد.  

تضمنت التهم الموجهة إلى "زيادة" حرق كليتي التجارة والزراعة بنين، لم يكن يعلم الشاب العشريني –حسب قوله- مكان الكليتين قبل سجنه "كنت أعرف مكان المدينة الجامعية"، فيما عرف بعد ذلك المسافة المقدرة بينها، فتوقف عند إلحاق التهمة بـ14 طالبة معهم "أصلا مفيش بنات بتدخل زراعة بنين، ده غير أن تقريبا المسافة بينهم كيلو فمعرفش مين العفريت اللي هيروح يحرق كلية وبعدين يجري يحرق كلية تانية وكمان بنات"، الشك لم يبرح المصور الشاب في وجود مَن مثله لا يعرف سبب سجنه.

"البورش" كأنما كتاب مفتوح؛ البقاء فترة طويلة مع أشخاص بمكان محدود في تلك الظروف، كفيل بتعرية النفوس، فحفظ "زيادة" أسماء مَن كانوا معه عن ظهر قلب "مصطفى عبد الموجود وحسن السنوسي اللي صورتهم اتحكم عليهم 7 سنين"، لكن هناك مَن أسوأ حالا من طالبي الفرقة الرابعة بكلية التربية، يذكرهم المصور الشاب "في ناس زي عبد القادر زايد، عامر علي، أحمد رستم، مصطفى حسن.."، طلاب بالفرقة الأولى بكلية هندسة، قُبض عليهم في اليوم الأول للامتحانات "يعني أول حياتهم.. اللي في سنة رابعة أهو قربوا يخلصوا لكن دول ضاع من عمرهم سنتين وأدي التالتة".

قصص كثيرة مرت على أسماع "زيادة"، فهذا اسمه "مراد" أقل من 19 عاما والده عميد بالجيش، وحُكم عليه 3 سنوات لكونه من الإخوان، و"محمود أمين" شقيق عميد الشرطة، طالب الهندسة "اللي مالوش في أي حاجة ومحبوس"، و"أحمد شمس الدين" الكاره للإخوان ومحب للرئيس "السيسي" المحكوم عليه بـ7 سنوات بتهمة الانضمام للجماعة.

4

أكثر ما كان يوجع قلب "زيادة" رؤية أولئك الذين ولجوا السجن صدفة "في ناس حظها النحس وقعها في طريق مظاهرة وهما رايحين شغل ولا في مشوار وميعرفوش هما محبوسين على أيه ولا هيخرجوا أمتى.. ودول كتير جدا ع فكرة"، بعضهم لا يملك هواية يُلهي به نفسه كالقراءة أو الكتابة، وآخرون لا يملكون خطا سياسيا يدافعون عنه، فيما كان المشهد الذي حُفر في رأس المصور الصحفي حين اكتشف عادة لدى البعض؛ بشرب دواء لمرضى الصدر "تيبلوكسيل" له آثرا جانبيًا يساعد على النوم، كحل سريع للغياب عن الواقع.

التهمة: حشيش وخمرة

كما الحياة خارجه، أحوال السجن يخفف بعضها البعض، لا ينسى المصور المفرج عنه المضحكات المبكيات في أيامه؛ كذلك المتهم معه -بالقضية ذاتها، شارب الحشيش، الذي قُبض عليه بعد نقاش حاد مع ضابط، فما كان من الشرطي إلا احتجاز الرجل الذي حكم عليه فيما بعد بـ5 سنوات، وما لبث أن تقبل "زيادة" صدمة قصة ذلك الرجل، حتى جاءه الأكثر خيالا؛ متمثلا في شاب قُبض عليه، ليس لمشاركته في مظاهرة لكن "طلع يجيب خمرة من وسط البلد"، كان مخمورا فوقف لمشاهدة المسيرة المارة، ليجد نفسه بالسجن محكوم عليه عاما.

بين رفاق السجن الذين عايشهم "زيادة" نوع أخر يحاول التعايش، وإنقاذ ما يمكن من سنوات العمر "في ناس اللي في الكليات النظرية بتحاول تمتحن وتكمل وهو وحظه"، حال حسام أحمد طالب الفرقة الرابعة بكلية الدعوة الإسلامية، الذي ما نال سوى الانتقال إلى سجن أخر "ودوه طره عشان يمتحن.. وملقاش اسمه فقعد هناك شوية ورجع زي ما راح".
 
قواعد السجن
للسجن قواعد يحاول القائمون فرضها، يلخصها زيادة "لازم تفضل ساكت، تاخد على قفاك، تبقى مجرد نفر" لكنه لم يرض بها، لذا كان يطالب دوما بحقه، يعلنه في وريقات، يدونها في الليل على ضوء شمعة -بعد غلق النور للنوم- يروي من خلالها تفاصيل المهانة التي يلاقونها دون وجه حق، كان يمرر الصحفي أوراقه مع أي زائر للخارج "الكتابة دي كانت بتضايقهم جدا، وبسببها كان يترخم علينا بمقبرة التأديب والتفتيش كل يوم والتاني".

عادة يكون التفتيش مرة كل أسبوع، لجان من خارج السجن وأحيانا من الداخل، مهمتها الوقوف على أي ممنوعات "بس هما كانوا بياخدوا الحاجات اللي هي أساسا مش ممنوعة .. مروحة، مخدة، أهي رخامة كدة وخلاص"..

آخر مرة للتفتيش لا تغيب عن مخيلة "زيادة": "كانت غريبة شوية؛ في كل تفتيش في واحد من معانا بيقف جنب الضابط عشان يشوف أيه الحاجات اللي بتتاخد.. قال يعني بيأمن حاجتنا"، في تلك المرة سحب الضابط المسئول عن التفتيش بعض المقتنيات الضرورية غير الممنوعة، فاعترض طالب، قبل أن ينهره الضابط "سب له بالدين"، يكمل "زيادة": "خدوه وقاله هتنزل تأديب، فكلنا اعترضنا.. راحت العساكر داخلة الزنزانة وطوقوا فينا الضرب بالخرزانات، طلعولي وحمة في ضهري".. يضحك المصور الصحفي وهو يكمل القصة، حين تضخمت "طلعوا غلهم في السجن كله؛ دخلوا على الزنازين التانية وكملوا ضرب  كأنه انتقام"، في أول لقاء بين رفاق الزنازين المختلفة كان السؤال الملح "محدش يعرف إحنا اضربنا ليه من كام يوم؟" يتذكر صاحب 500 يوم سجن احتياطي.

التأديب مقابل الإضراب

صورة 5

قبل الكتابة كان لـ"زيادة" وسيلة أخرى للاحتجاج على الانتهاكات المرتكبة في حقهم، نحو 100 يوم أضرب المصور الشاب عن الطعام فقط شرب المياه أو العصائر، "لكني ضعفت" يقولها الشاب بعد عامين من الاحتجاز، أسباب عدة حالت بين استكماله ما بدأ "كنت مضرب بس كنت عايز أعيش.. فالمرة الأخيرة كنت هموت"، ورؤية والدته تبكي  أثناء الزيارة، ومشاركة أخرين له داخل السجن وخارجة في الإضراب، كل ذلك أوقفه عن تلك الوسيلة، التي كانت سببا في تلقيه عقاب "التأديب".

ليس هناك أسوأ من السجن، غير أن مَن ذاق عرف حقيقة أن "التأديب" أشد شناعة رغم كونه سجن أيضا، فالمصور الصحفي لاقاه 3 مرات، حفظ تفاصيل جدرانه السيئة الذكر "3 أشبار× 5 أشبار" أحصاهم عددا، فيهم كان الإضراب عن الطعام إجباري "هو رغيف محطوط عليه حتة جبنة.. كأنك حيوان قاعد". فلهذا المكان طقوسه التي تليق به، لا يُدخل إلا بالبدلة الميري "قميص وبنطلون خفيف بدون ملابس داخلية"، في عز الشتاء لا شيء يحمي القدم، وفقط نصف غطاء خفيف للنوم عليه، بجواره علبة بلاستيك لقضاء الحاجة، وزجاجة قذرة للشرب.

يمكث السجين بـ"التأديب" حتى يُؤذن له بالخروج، بعد قضاء مدة عقوبة "الامتناع عن دخول الزنزانة"، ذلك السبب الذي يؤدي إلى "التأديب"، فلا يوجد سبب غيره يمكن كتابته لاحتجاز سجين في هذه الحجرة، حتى ولو كان بها بالأساس "أخر تأديب قبل ما أخرج كان لمدة يوم المفروض أطلع الجمعة.. راح كاتبين امتناع عن دخول الزنزانة وكملت أسبوع".

القراءة كانت خير جليس لـ"زيادة"، تعينه على الصعاب "سنة أولى سجن، بناء الذات الثورية لعلي شريعتي.. ساق البامبو.. مانشيتات يوم القيامة.. الحزن البعيد الهادي ومانفيستو"، قبل أن يمنعوا دخول الكتب والاكتفاء بالصحف، غير أنه في الأيام الأخيرة اندرجت الجرائد تحت فئة الممنوعات؛ تدخل خلسة لزيادة ورفاقه ملفوفة على الفاكهة والأطعمة في الزيارات، يضحك بأسى "ولما عرفوا منعوا الفاكهة بقى".

دروب اليأس

صورة 6

كحال البلاد عاش "زيادة" داخل السجن مراحل انتقالية عدة، الشاب الذي ألقي القبض عليه في 28 ديسمبر 2013.. بين رئيس انتقالي وانتخابات رئاسية تخللها وعود بالإفراج في 25 يناير 2014 "قالولنا عشان متخرجوش تعملوا قلق"، مرت الذكرى ولم يمر أحمد من باب زنزانته "قالوا استنوا الاستفتاء عشان الدنيا تستقر ثم وصول رئيس ولما نسأل يردوا لسه في مجلس شعب وخارطة طريق.. وكأنه طريق دائري مبيخلصش"، يُغلق الأمل في وجه الشاب العشريني، يضرب أخماسا في أسداس "هو أنا عملت أيه أساسا عشان يبقى خروجي مرهون بهلاوس في دماغ اللي مسئولين عن احتجازنا".. كره المحاكمة "أني أروح وأرجع كانت مأساة.. كنت بحس أني أراجوز أو أرنب بيتنقل من مزرعة للتانية وأنا عارف أن مش هيحص حاجة"، النظر للشارع، رؤية الناس تسير، وأخرين يسبوا المحتجزين دون معرفة يزيده ألما لا حاجة له به.

أيام ما بعد السجن

بعد أن بلغ 27 عاما، أصدرت المحكمة قرار براءة "زيادة" لكنه لم يجد في ذلك فرحة وإنجاز "مكنتش حاسس بها.. وأنا عارف أن في طلبة مظلومين قعدت معاهم ويتحكم عليهم 7 و5 سنين"، غير أن أسبوع كامل قضاه داخل جدران السجن رغم حكم البراءة –دون سبب واضح- لا يساوره شك في بقاء الوضع كما هو عليه "قلت أكيد اتلفقلي قضية تانية.. أنا بقالي 500 يوم أصلا من غير حاجة أولانية" طوال جلسات المحاكمة التي حضرها زيادة كان العيش داخل قفص زجاجي أشبه بحوض سمك مملوء بمياة عطنة، يشاهد الرؤوس تتحرك ولا يدري فيما تتحاور، مرة وحيدة تحدث للقاضي بعد حجزه في غرفة للتأديب دون مبرر "بس القاضي مردش.. وقالي أنت مربي دقنك ليه.. على أساس إني مسجون في فيلا ولا منتزه".

7

لحظة الإفراج عن أحمد جمال زيادة من قسم ثاني مدينة نصر لم تكن بالأمر الهين؛ كانت الحشود تنتظره أمام الباب، لكنه لم يخرج إلا في صباح اليوم التالي-5 مايو 2015، فقد استمرت التحقيقات معه ساعات، رجال أمن الدولة ألبسوه غمامة وراحوا يمطروه بالأسئلة، عن خططه المستقبلية في الحياة والسياسة، غير أن هناك سؤالا كان مثيرا للضحك "قالي هو أنت شيوعي ولا يساري؟.. مثقف أوي ما شاء الله.. عايشين من أيام فيلم الكرنك".

رغم ما أُهدر من عمر "زيادة" دون وجه حق، كان السبب به "نأئب مأمور قسم ثاني مدينة نصر"، الذي شاهده مرتين إحداهما بالسجن والأخرى في المحاكمة، الذي قال إنه شهد زور في حقه، ورغم هذا ما بدر عنه إلا  كل كلمات هادئة "أنا شخص مسالم مقدرتش أعمله حاجة.. بس الأكيد إن في أعداد كبيرة في السجن مظلومة، لما هتخرج مش هتسكت هتنتقم وده هيضر البلد كلها وأنا ممكن أكون واحد من اللي هيضروا"، فيما يرى الصحفي الشاب أن انتقامه سيكون إيجابيا؛ ألا يسمح لأيام السجن الـ500 أن تكسره، يرفض أن ينتحي جانبا ويسير بجوار الحائط، يسعى ويفتش خلف كل مظلوم، يكتب عنه ويدون قضيته.

الدور جاي عليك

8

السجن أكسب "زيادة" صفات هي أهم ما خرج به من التجربة، مواظبة على القراءة وكيفية كتابة رسالة تؤثر فيمن هم خارج الأسوار، قراءة القرآن في الصباح، حرص على تعلم اللغات "بقيت مهتم جدا أوصل صوت كل مظلوم مهما كان انتماؤه، في الأول الناس كانت مأثرة معايا وده كان بيألمني، السكوت على ظلم حد خيانة، طبعا مبقولكش أضرب وأحرق ولا أمسك مولوتوف، بكل سلمية اتكلم عنه في دايرتك أو على صفحتك الشخصية أنشر له صورة.. عشان بكرة احتمال الدور يجي عليك".

لا يأبه "زيادة" بمن يُلصق به تهم على غرار الانتماء لجماعة إرهابية لمجرد أنه يعمل لدى جهة يصنفها البعض بوسيلة إعلام تابعة لتيار الإسلام السياسي "كل صحفي محترم بيحركه ضميره.. مش المكان اللي شغال فيه.. كلنا بنشتغل جنب بعض في الشارع واللي جرالي كان ممكن يبقى مع صحفي شغال في مكان بيصنفوه إنه داعم للدولة.. كلنا في الهوا سوا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان