"فكر بغيرك".. حملة شباب "غزة" تتحدى وعود السياسيين
كتبت-إشراق أحمد:
قبل نحو عشرة أعوام، بدأ الحصار على غزة؛ وسيلة المحتل الجديدة، لكسر شوكة أهل فلسطين؛ تضييق يتصاعد يوما بعد يوم، وعام تلو الأخر، يزيدهم صمودا، ويزدادون بالمقابل فقرا؛ ينخر في البيوت تباعا، وتشتد قسوته مع القصف الجائر بين الحين والآخر، حتى باتت تظهر مشاهد لم يكن لها وجود من قبل؛ أشخاص تبحث في القمامة عن لقيمات تسد رمقهم، صورة كان وقعها على نفس كامل الهيقي لا يقل ألما عن الدماء المراقة في العدوان الإسرائيلي المتكرر، فقرر ابن غزة أن يجد وسيلة لإنقاذ الفقراء والمحرومين، تحدث ولو ثغرة في جدار الحصار المفروض، ترسخ وجود العمل الخيري وتُذكر بالتكافل المجتمعي المهُدد أن يقتله الفقر في نفوس الشباب "العاطل" عن العمل بفعل الاحتلال، وكذلك تقاوم السياسات الواعدة دون فعل بمساعدة غزة وإعادة إعمارها.
"حملة فكر بغيرك فلسطين" كانت وسيلة "الهيقي" مقابل الجمعيات الخيرية المتواجدة بالقطاع، والتي لا يجد الشاب العشريني لها أثر فعال في غزة "لأنها تعتمد على نظام نسبة الأموال.. تنفق 25 % فقط من التبرعات والباقي يضيع على المصاريف الإدارية وإيجار المقر"، لذا كان الهدف الأول للحملة، ألا تعتمد على مقر، بل الأيدي العاملة بها، وتُسخر كل مبلغ يدخل إليها لمساعدة الأسر "بكل منطقة عدد من الشباب يقوم بالمساعدة باسم الحملة".
في 16 إبريل 2013 انطلقت الفكرة فيما بدأ العمل الفعلي في شهر رمضان، بدأت الحملة بتوزيع سلال غذائية، وإفطار الصائمين، وملابس العيد، وغيرها من أعمال أية جمعية خيرية بأي مكان، غير أن غزة ليست كأي مكان، "نسبة الفقر زادت من 40% إلى 76%" يقولها الشاب العشريني، الذي جعلته دراسة الصحافة والعلاقات العامة حريصا على الإلمام بالوضع بالأرقام.
الطريق أمام الحملة الخيرية لم يكن ميسرا "مفيش متطوعين.. مفيش أهل خير أو رجال أعمال.. مفيش مقر بتواجد فيه"، عقبات ظلت تواجه "الهيقي" خلال العام الأول من الحملة، الذي استمر يعمل به الشاب العشريني بجانب نحو 4 أشخاص أخرين، ورغم ذلك تمكنت الحملة بتلك الفترة من مساعدة قرابة 1000 عائلة فلسطينية و600 طفل ما بين أطفال مدارس ومرضى، والاهتمام بالفئات المهمشة من مسنين وأرامل وأيتام، إلى جانب إعمار البيوت وتوفير فرص عمل لأب العائلة وتدريب الشباب والبحث عن مشاريع انتاجية.
500 شاب بات عدد المتطوعين بالحملة بعد عامين على انطلاقها، ينتشرون في كافة أرجاء غزة، لا يجمعهم سوى تواصل عبر "فيسبوك" بالاحتياجات المطلوبة، وأغلبهم "من العائلات الفقيرة" كما يقول "الهيقي"، لكنهم قرروا عدم الاستسلام، لاكتساب خبرة العمل من ناحية، والحصول على ما يعينهم وأهلهم من طعام مِن ناحية أخرى، فصارت الحملة بمثابة همزة وصل ليس بين الثري والفقير فقط، لكن أيضا بين من بيده قطعة خبز ويمكنه أنه يقتسمها مع أخيه "المقتدر في غزة بيكفل عيله واحدة" لذا كان اسم "فكر بغيرك" خير مُعبر عنها، ولفظ "حملة" يكسبه استمراريه، وأمل في بلوغ أكبر من حدود المكان "نفسنا نخرج بره غزة ونساعد المحتاجين لكن الحصار الإسرائيلي مانع هاد".
يكاد لا يوجد بيت بقطاع غزة إلا ويعرف "الهيقي" وحملة "فكر بغيرك"، "تقريبا خدمتنا وصلت لمليون و500 شخص من أهل غزة" يقولها المدير العام للحملة، الذي يحفظ تعداد أهله عن ظهر قلب "سكان غزة مليون و800 شخص" يأمل بلوغ جميع المحتاجين فيهم، وكواحد من أهل القطاع يعلم الشاب متطلباتهم، ومع العمل التطوعي الذي يبلغ عمره قرابة 8 سنوات تأكدت له الرؤية من الحاجة إلى حياة كريمة، طعام، أمن، صحة، غير أن ما بيده يتمثل في الثانية والمساهمة في الأولى.
منذ عام تنفذ الحملة شعار "لا تعطني سمكة لكن علمني كيف اصطاد"، فرغم ضيق الظروف، غير أن المتطوعين بـ"فكر بغيرك" تمكنوا من عمل مشروعات صغيرة لعدد من العاطلين عن العمل، "كتير من الرجال كانوا يشتغلوا عمال بإسرائيل فكان بيتوفر الطعام لكن بعد الحصار ما عاد في شغل.. قاعدين بالبيت" كما يقول "الهيقي"، لذلك كان مشروع عربات البقالة أو المأكولات المنزلية البسيطة وسيلة لاشتغال عائلي عدد من الأسر، وهذا في إطار ما تسعى إليه الحملة "هدفنا نساعد فئة معينة كل مرة".
مخيم الشاطئ، الشجاعية، جحر الديك.. تعد أكثر الأماكن فقرا في غزة وفقا لـ"الهيقي"، بها يصل الحال للبحث في القمامة عن الطعام، وتناول أرجل الدجاج وأحشائها "يوميا تشوف معاناة ولا كأننا في الصومال والسودان"، التحويلات الخارجية من مختلف الأفراد بشتى بقاع العالم، الذين يتعرفون على الحملة عبر صفحتها على "فيسبوك"، وحدها ما تعين على الاستمرار في مساعدة أهل غزة، في ظل الحصار والاحتلال المانع لوصول الأموال عبر البنوك.
لا يقتصر نشاط الحملة على المساعدة المادية، بل للجانب المعنوي دور "أخر فاعلية عملناها لمرضى السرطان"، إذ خرجت الدعوة لتشجيع شباب غزة على حلق رؤوسهم كنوع من التضامن، مع الحالات التي تزيد بمعدل نحو 90 حالة شهريا كما يقول الشاب العشريني وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية.
تبلغ عدد الجمعيات في غزة نحو 950 بالإضافة إلى 15 مؤسسة دولية كما يقول "الهيقي"، غير أن ذلك في نظره "عدد قليل جدا.. ده معناه أن كل جمعية تخدم نحو 3000 مواطن"، ورغم هذا لا يتوقف شباب "فكر بغيرك" عن العمل، الذي يشتد وقت الحرب "في 2014 الحملة كانت الوحيد اللي قدرت تدخل مساعدات من الضفة الغربية.. وعملت معرض لأسر الشهداء بقيمة 200 دولار"، فيما لم تستطع أي من الجمعيات العمل "كانت خايفة تطلع لتنقصف"، لكن طبيعة الحملة ككتلة شبابية متحركة مكنتها من المساعدة رغم ظروف الحرب.
مؤتمرات، تنديد، سياسات، ووعود.. جميعها تنصب بعد كل حرب للنداء بمساعدة وإعادة إعمار غزة، فيما لا ينتظر ولا يلقي شباب "فكر بغيرك" لأي من تلك الأقاويل، يستمرون بعملهم قدر المستطاع، ففي الوقت الذي يتجادل به السياسيون، تمكنوا من إعادة بناء 16 منزل، ويستعدون لرمضان المقبل على الأبواب بمساعدة نحو 5 آلاف أسرة، لسان حالهم كما يقول المدير العام للحملة "أحنا هدفنا شعبنا الصامد.. ما لنا بالسياسة ولا نفهم فيها".
رابط صفحة الحملة على فيسبوك
https://www.facebook.com/FakerBeghayrak
فيديو قد يعجبك: