إعلان

من الإسراء والمعراج إلى النكبة.. على "الأقصى" سلامٌ (بروفايل)

08:18 م الجمعة 15 مايو 2015

من الإسراء والمعراج إلى النكبة.. على "الأقصى" سلام

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - دعاء الفولي:

عامٌ عسيرٌ، ماتت السيدة خديجة والعم أبو طالب، ينأى الرسول بنفسه، متصبّرا بآيات الحق، يطرده أهل الطائف، يستخفّون بحضوره الشريف، فما يزيده ذلك إلا حبا للخالق، يوشك الوجد أن يهدم جبال مكة، ما بيدها حيلة لمساعدة محمد-صلى الله عليه وسلم-، يأوي بجسده إلى ركن قصي من المسجد الحرام، مضطجعا والناس نيام، يصمت العالم فجأة، حدثا جللا سوف يقع، أتى جبريل للمسجد، البراق مستعدا بالخارج، أخذه إلى المسجد الأقصى، ما إن وضع قدمه فيه حتى انتعشت حيطانه، كادت عواميده تخرج من مكامنها ترحابا بالنبي، صعد إلى السماء منه وإليه عاد.

1

بمطلع العام العاشر من الهجرة، وبتلك الليلة تهللت أسارير "الأقصى"، لو نطق حينها لحمد الله على الفضل الذي خصّه به، ولو تكلم الآن لحوقل على حاله، يد المعتد ممتده إليه، منذ نكبة 1948 الموافقة لهذا اليوم، يشكو الفاقة والعجز، تبكي ساحاته على أطلال حادثة الإسراء والمعراج التي تحل ذكراها الليلة كذلك، والمسجد بينهما ينتظر، ريثما ينتهي كابوس الاحتلال الجاثم، أو يُحدث الله من عنده أمرا.

بعد أربعين عاما من بناء المسجد الحرام، ينقل آدم -طبقا لبعض الروايات- حجرا بجانبه آخر ليكتمل المسجد الأقصى، ثاني بيوت الله على الأرض، يبتسم أبو البشر رغم التعب، تحفه الملائكة، يد الله مبسوطة تحاوطه، بُني المسجد ذو المساحة الشاسعة، التي تصل إلى 142 ألف كم، ومرّ عليه الأنبياء، والصحابة والتابعون، واستقر به المجرمون بعد مئات السنين، كان يوم 15 مايو من العام 1948 مجرد بداية، يمسك أحدهم آلته الحادة ليكسر طوب أرضه؛ فتلعنه الملائكة، يكاد السقف ينطبقُ عليه لولا أن إرادة الله لم تكن بعد، ينسدل الوجع مستشريا في جنبات "الأقصى"، يدخله المستوطنون متى شاءوا وينوح المسلمون الواقفون على بابه في صمت، لا يستطيعون فيه صلاة إلا بإشارة المحتل.

2

النكبة نكبات؛ ما كان للمحتلين أن يدخلوا فلسطين دون أن يمسوا مسجدها بسوء، يعيثون فيه فسادا، يوحي بعضهم لبعض غرورا أن لهم هيكل مختبئ يبحثون عنه، يكاد المسجد يستصرخ العالم ألا يصدقهم، تتحدث لجنة التراث باليونسكو عن انتهاكات مست أساساته، إذ يخرج المستوطنين قلب حجارته لتفتيتها، فما بين عامي 2013 و2014 فقط وصل عمق الحفريات إلى ستة أمتار في الزاوية الجنوبية الغربية من الجدار الغربي للأقصى، رغم تحذير اليونسكو أن تراث المسجد مهدد بالخطر منذ عام 1982.

دابةٌ أبيض، ينافس البرق في سرعته، فوق الحمار حجمه ودون البغل، حمل الرسول إلى "الأقصى"، تركه عند أحد الحوائط الخارجية، ودلف ليصلي بالأنبياء. ما أغرب الزمن، ما أسوأ تبعات مصائبه، عقب مئات الأعوام يأتي المدلسون ليدّعوا أن "حائط البراق" معلم يهودي قديم، رغم أن ذلك لم يُثبت تاريخيا، بل تم دحضه من قبل عصبة الأمم عام 1929، لكنهم استمروا في التوافد عليه، كأنما اشتروا التاريخ لصالحهم، متكئين عليه برأسهم يذرفون الدموع على مجدهم، الذي لم يوجد يوما، يأمرون دولتهم المغتصبة فتطيع، أصبح الحائط البالغ ارتفاعه 20 مترا ملكا لهم بعد 1967، عنوة أخذته قوات الاحتلال، كان يُسمى حائط البراق، صار يُسمى حائط المبكى.

3

ما حيلة المسجد والعجز شيمة الأحياء؟ صباح يوم خانق من العام 1990 دلف مجموعة من المتطرفين اليهود ممن يتبعون جماعة أمناء الهيكل باحة الأقصى، عاقدين العزم على استكمال هدمه، بحثا عن الهيكل المزعوم، غلى الدم في عروق المصلين، كانوا قرابة الأربعة آلاف. كلمةٌ؛ فاشتباك، سنحت الفرصة لجنود الاحتلال للتدخل، زخات الرصاص أمست عشوائية إلا على الأتباع، لا تبقي ولا تذر؛ استشهد 21 من الفلسطينيين، جُرح 150 وتم القبض على 270، ستة ساعات من النزف والدماء، ويكأن أنبياء بني إسرائيل قد قُتلوا ثانية على يد قومهم، تكررت الاعتداءات على "الأقصى" قبل هذا اليوم وبعده؛ 1969، 1972، 1996 و2000، لم يتبدل شيء؛ فماذا يفعل "الأقصى" والقتل شريعةُ المعتدي؟

4

تحمل المسجد العتيق ما لا يُطاق، حين دخلت الحملة الصليبية الأولى القدس عام 1099م، حولته إلى قصر ملكي واسطبل للخيول، أطلقوا عليه اسم "معبد سليمان"، إلى أن حرره صلاح الدين الأيوبي بعد ما يقارب الـ90 عاما، نزع عنه آثار المحتل، كرّمه كما فعل الخليفة عمر بن الخطاب، أعطى الأمان لأهله، أضاف منبر نور الدين زنكي الذي أمر ببناءه قبل الوفاة، وتعاقبت الإصلاحات بالمسجد مع تغير الفترات الزمنية، حتى صار يضم 200 معلم مختلف، تشكل مساحته سُدس حدود القدس القديمة، به أربعة مآذن و14 بابا، مفتوحٌ معظمها، وقليلٌ مغلق.

5

ما نطق الرسول عن الهوى، يحكي لأهل مكة حين عاد عما رآه، صعوده إلى السماء، عيناه اللتان شبعتا من المسجد الأقصى، فُحفظت صورته بالصدر، أسكنها الله داخله ليرويها، باللفتة يسرد لهم التفاصيل، شكل البراق، وصلاته بالأنبياء فيه. يكذبه المتشككون، فيما يسمعه أبو بكر، مصدقا على كلماته وإن لم تكن منطقية بحساب أهل الأرض، فالمسافة بين المسجد الحرام والأقصى حوالي 1250 كم، غير أن المعجزات لا تعرف الأرقام، والإيمان بالرسول لا يخالطه تكذيب، ومن اتبع الحق تلبسته محبة المسجد ولو بعد مئات الأعوام؛ فيرابط به معاندا الاعتقال أو القتل من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين، تركله أرجل المعتدين ليترك "الأقصى" ويبتعد، فيعاود الهرولة إليه، كطفل متعلقٌ بجلباب أمه.

6

أسرى الله برسوله من المسجد الحرام إلى الأقصى، لا تنتهي معجزاته وإن اختلف شكلها، يظن المحتل أن النكبة وما لحقها من أحداث ستطمس الحقيقة، تسول لهم أنفسهم أنهم أصحاب الأرض، يقولون بأفواههم ما ليس لهم به علم، يخربون المسجد في الخفاء والعلن، ومن يقف أمامهم يُسحق، لكن الفلسطينيون لا يكفون عن المحاولة، يخرجون متظاهرين من ساحات الأقصى ضد الاحتلال، يعكرون صفو الجنود بين وقت وآخر، يُفقدون سلطة إسرائيل توازنها ولو للحظات، تدافع عن إجرامها، يُستشهد بعض الفلسطينيين ويُعتقل آخرون، تعود الأمر مستتبة؛ لكن القلوب مضرجة بالانتقام، متربصة تنتظر، والمسجد رائقُ المعالم ولو جرى به ما جرى، تُستجاب بين ظهرانيه الدعوات على الظالمين، صلاة الرسول فيه ليلة الإسراء والمعراج محفوظة، تمده بنور السلام، تحنو عليه رغم الغصة، هلك الإسرائيليون ولو استمروا في احتلالهم، صدق محبو المسجد الأقصى ولو طال الأذى.


اقرأ أيضًا:

الإمام الأكبر يُهنِّئ المصريِّين والأمة الإسلاميَّة بذكرى الإسراء والمعراج

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان